الحرية – نهلة أبو تك:
في خضم التحولات الاقتصادية التي تعيشها سوريا بعد سنوات طويلة من التراجع، يلوح في الأفق مسار جديد للتعاون مع المملكة العربية السعودية، إذ بدأ هذا التعاون يتخذ طابعًا أكثر وضوحًا من خلال مؤشرات الانفتاح الاستثماري المتبادل. إلا أن هذا الانفتاح، مهما بدا واعدًا، يطرح أسئلة جوهرية تتعلق بقدرة الدولة السورية على تحويل هذه الفرص إلى مشاريع تنموية حقيقية تتجاوز الطابع التجاري المؤقت.
الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب إسمندر، عضو مجلس إدارة في مجلس النهضة السوري، بين لصحيفتنا ” الحرية” أن الاستثمار الناجح في هذا التوقيت لا يمكن أن يقوم إلا على أساس من التفاهم العميق والمصلحة المتبادلة.
وأشار إلى أن البلاد بحاجة ماسة إلى مشاريع توفر فرص عمل وتعيد تحريك القطاعات الإنتاجية التي تضررت بشدة، لكنه في المقابل يعتبر أن هذا لن يتحقق دون توفير مناخ استثماري جاذب يضمن للمستثمر السعودي شروط الجدوى والاستمرارية.
يركّز إسمندر على أهمية أن تتقدم الحكومة بخارطة واضحة للاستثمار تضم مشاريع متكاملة من حيث الدراسات والتراخيص، وهو ما يسهم في تخفيف العقبات الإدارية ويوفر على المستثمرين الوقت والجهد. ويقترح في هذا السياق إنشاء صندوق مشترك بين الجانبين السوري والسعودي يركّز على القطاعات ذات الأهمية القصوى، لا سيما تلك التي يمكن أن تنهض بالاقتصاد من الداخل وتعيد له بعض التوازن.
يشير إلى أن إشراك رأس المال الوطني في بعض المشاريع يمنحها بعدًا إضافيًا من الموثوقية، وهو ما يعزز من ثقة المستثمر الأجنبي في بيئة العمل المحلية. وينطلق من واقع اقتصادي متراجع ليؤكد أن مؤشرات الإنتاج والصادرات تراجعت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ما يفرض ترتيب الأولويات بطريقة مختلفة تعتمد على إعادة الإعمار ودعم القطاعات الحيوية القادرة على النهوض مجددًا.
ويعتبر أن الواقع لا يمكن تغييره ما لم تتم معالجة المشكلات البنيوية التي ما زالت قائمة، وفي مقدمتها ضعف البنية التحتية وغياب التخطيط الاقتصادي بعيد المدى، فضلًا عن انتشار الفقر والفساد الذي ما يزال يقوّض أي جهد تنموي حقيقي. ويشدد على أن الرهان على الاستثمار لا يمكن أن ينجح من دون تغيير حقيقي في بنية العمل الحكومي والتشريعي، وإلا بقيت الفرص تراوح مكانها.
في ختام رؤيته، يلفت إلى أن الشراكة مع السعودية ليست مسألة مالية فحسب، بل تحتاج إلى توافق على رؤية طويلة الأمد تنطلق من الواقع وتبني للمستقبل. ويؤكد أن نجاح هذه الشراكة يتطلب إدارة عقلانية تضع مصلحة البلاد في صلب التوجه الاستثماري، وتستفيد من التجربة السعودية في بناء نماذج ناجحة قائمة على التكامل بين المال والمعرفة.