الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
أقلّ من يوم على انعقاد القمة العربية في دورتها الـ43 التي يستضيفها العراق غداً السبت. هنا في العراق، رسمياً وشعبياً، ثقة كبيرة بأنها ستكون على قدر الأهمية البالغة التي تستدعيها تطورات متسارعة ومفصلية تشهدها المنطقة، خصوصاً بدولها العربية. التحضيرات على قدم وساق، وحتى اللحظة الأخيرة، لضمان سير جميع الترتيبات على الوجه الأكمل، وصول الوفود، الاستقبالات، اللقاءات، اللافتات والأعلام، والتغطيات الإعلامية… الخ، ومن نافل القول إن الجانب الأمني تصدر في الأيام الماضية مشهد التحضيرات، وسيبقى كذلك خلال اليوم المقرر للقمة، وهذا أمر منطقي ومفهوم، في كل القمم وفي كل الدول، وإن كان في هذه القمة تمّ التركيز عليه بصورة كبيرة ولأسباب معروفة للجميع وبما يُغنينا عن التوسع في عرضها وشرحها، لنركز مقابل ذلك على أهمية القمة وما تعنيه بالنسبة للعراق والجوار، وللعرب، وعلى مستوى الإقليم، وما ستخرج به، والذي يتوقع أن يكون بارزاً، لذلك تحظى باستقطاب كبير حيث تتركز الأنظار عليها، بكل تفاصيلها، خصوصاً ما يخرج من المسؤولين العراقيين من تصريحات، وبالأخص منها ما يتعلق بسوريا وأحداثها وتطوراتها، وما يتعلق بمستوى تمثيلها في القمة.
وبالعموم ينظر العراقيون إلى هذه القمة باعتبارها تأكيداً على دور ومكانة بلادهم التي استضافت ثلاث قمم عربية في تاريخها، في أعوام 1978 و 1990 و 2012 وقمة الغد هي الرابعة وتنعقد تحت شعار «حوار وتضامن وتنمية» ومن المتوقع أن تستقطب حضوراً عربياً بارز المستوى، عدا عن حضور إقليمي دولي (كضيوف.. جرياً على العادة).
مع ذلك الشعار، يتوازى شعار آخر أطلقه وزير الخارجية فؤاد حسين الذي عدّ أنها ستكون قمة «لمّ الشمل» في مواجهة أزمات تشهدها المنطقة، مشيراً إلى أنّ تزامن «قمة بغداد» مع «القمة الخليجية- الأمريكية» في الرياض يصبّ في «مصلحة المنطقة». وقال يوم الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي عقب اجتماع المندوبين الدائمين للجامعة العربية لإعداد جدول أعمال القمة (تمهيداً لعرضه على اجتماع وزراء الخارجية العرب والذي كان يوم أمس الخميس): إنّ استضافة العراق للقمة «يعبِّر عن رغبة في لمِّ الشمل العربي، وإعلاء صوت الحوار والتفاهم، وبناء مستقبل يليق بالشعوب العربية» مشيراً إلى أنّ «مشاركة القادة والمسؤولين بهذا المستوى الرفيع وفي ظروف استثنائية تعبير عن رغبة في توحيد الموقف العربي بشأن التحديات التي تواجه المنطقة».
ورغم أنّ المنطقة العربية بمجملها تشهد تطورات دراماتيكية متلاحقة، يبقى التركيز منصباً على سوريا، وعلى مسألة ما سمي «إعلان سياسي» سيصدر عن القمة بشأنها.
وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قال اليوم الجمعة في تصريحات لقناة «القاهرة» المصرية: «خلال الاجتماع التحضيري للقمة اتفق الوزراء العرب على طرح مشروع قرار خاص بسوريا والدعوة لعملية سياسية تشمل الجميع».
بدوره الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي، كان قد أكد في تصريحات الثلاثاء الماضي أنّ «قراراً بشأن سوريا أعدته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يجري مناقشته حالياً، وقد يجري تعديله وتطويره حسب سير المناقشات».
العراقيون أنفسهم يتركز اهتمامهم الأساسي على سوريا ومستوى تمثيلها في القمة، وما يعنيه ذلك في سياق العلاقات السورية العراقية، شكلها ومضمونها، في ظل قيادة سوريا جديدة، يمثل النقاش والجدال حولها حالة عراقية قائمة بصورة يومية، ومتداخلة مع كل تفاصيل الداخل العراقي تقريباً، بمستوييه الرسمي والشعبي، وهذا أسبابه معروفة بدورها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين سوريا والعراق في التطورات والتداعيات، حيث العراق الأكثر تأثراً بالمجريات السورية، والعكس بالعكس.
إلى جانب سوريا، هناك سياق إقليمي كامل من التطورات والأحداث، خصوصاً خلال شهر مضى، أرخى بظلاله على القمة العربية في بغداد، والذي كان وصل في أحدث محطاته إلى جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي بدأت الثلاثاء الماضي وتنتهي اليوم الجمعة، وشملت السعودية وقطر والبحرين، وتخللها إعلان ترامب رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ولقائه رئيسها أحمد الشرع، في حدثين كانا طاغيين، ومازالا، على مجمل المشهد، ليس في المنطقة فحسب بل عالمياً، وسيكونان كذلك على مستوى القمة العربية.
هذا فيما يخص سوريا، أما فيما يخص المستوى الخليجي والقمة التي عقدت بين الجانبين فهي بدورها ستكون حاضرة على طاولة القمة العربية خصوصاً في ظل الأخبار المتداولة حول أنه تم خلالها الاتفاق على إنهاء الحرب على غزة. صحيح أنه لا يتم تداول تفاصيل حول هذا الاتفاق لكنه سيكون حاضراً، مرفقاً بالخطة المصرية التي تمّ إقرارها خلال قمة القاهرة الطارئة في 4 آذار الماضي.
وكانت الخارجية المصرية أعلنت أنّ الاجتماع التحضيري للقمة اتفق على مشروع قرار إعادة إعمار غزة، وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في تصريحات لقناة «القاهرة» الإخبارية اليوم الجمعة: تمّ التوافق على مشروع القرار الخاص بإعادة إعمار قطاع غزة، مضيفاً أن الاجتماع «شهد توافقاً حول القضايا المطروحة على القمة».
ومن نافل القول إن إيران ستكون حاضرة كملف متعلق بصورة مباشرة بتطورات المنطقة السابقة واللاحقة، وكانت إيران ملفاً أساسياً في جولة ترامب وفي القمة الخليجية الأمريكية.
إلى جانب ذلك، هناك الدور التركي الذي يكتسب زخماً متسعاً مع القيادة السورية الجديدة، خصوصاً في ظل الاعتداءات الإسرائيلية، حيث تتذرع إسرائيل بتركيا لتصعيد اعتداءاتها بزعم ما يمثله تواجدها في سوريا من تهديدات أمنية على إسرائيل. وهناك اليمن والسودان وليبيا وغيرها من ملفات معروفة للجميع وإن كان بعضها يتقدم على الآخر من حيث الإلحاح والتهديدات والتداعيات، ومن حيث التباينات في المواقف العربية إزاءها.
بكل الأحوال، ومع تقدم الساعات باتجاه ساعة الانعقاد، فإنّ مجمل التوقعات تنحو باتجاه أن هذه القمة ستكون فارقة فيما ستُظهر وفيما ستُبطن، وربما علينا مراقبة حتى أدق التفاصيل فهي بدورها ستكون بالغة الأهمية، لناحية تقديم قراءات غير مُعلنة لمرحلة عربية مقبلة جديدة.. بالكامل.
كاتب وأكاديمي من العراق