الحرية – أمين الدريوسي:
في عالم السياسة والأعمال، حيث تتشابك السلطة والثروة، قلما نشهد صراعاً مثيراً للجدل بقدر الصراع الذي يجمع بين قطبي العصر، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رجل السياسة الذي لا يخشى المواجهة، وإيلون ماسك، العبقري التكنولوجي الذي يطمح إلى تغيير العالم، فبعد تحالف غير متوقع، تحول إلى جفاء مفاجئ، تستمر التساؤلات وتتوسع حول طبيعة هذه العلاقة المتغيرة، وأبعاد هذا الخلاف الذي يعكس تقلبات المشهد السياسي والاقتصادي.
فقد شهدت الساحة السياسية والاقتصادية الأمريكية خلافاً متصاعداً بين الرئيس ترامب والملياردير ماسك، ما لبث أن تحوّل من مجرد اختلاف في وجهات النظر إلى نزاع علني أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية.
من التحالف إلى الجفاء
في بداية عهد ماسك كرئيس لشركة «تسلا» و«سبيس إكس»، كان يبدو أن هناك تقارباً مع ترامب، وكان ماسك يشارك في مجالس استشارية للرئيس، وأشاد به في مناسبات علنية، كان يبدو أن كليهما يتقاسمان رؤية مشتركة حول القوة الأمريكية والابتكار التكنولوجي.
لكن مع مرور الوقت، بدأ هذا التقارب في التلاشي، ثم بدأت الأزمة عندما انتقد ماسك مشروع قانون الميزانية الذي اقترحه ترامب، واصفاً إياه بأنه «عمل فاضح ومقزز ومثير للاشمئزاز» بسبب ما اعتبره إنفاقاً غير ضروري وزيادة في العجز المالي، وهنا لم يتأخر ترامب في الرد على حليفه وصديقه معرباً عن خيبة أمله فيه، مشيراً إلى أنه قدم له الكثير من الدعم في السابق، لكنه الآن يتصرف بطريقة غير متوقعة.
تصعيد المواجهة
لم يتوقف الخلاف عند التصريحات المتبادلة، بل امتد إلى قرارات عملية، حيث هدد ترامب بإلغاء العقود الحكومية مع شركات ماسك، ما أدى إلى انخفاض حاد في أسهم شركة تسلا بنسبة 14.3% وخسارة حوالي 150 مليار دولار من قيمتها السوقية. في المقابل، رد ماسك بدعوة علنية لعزل ترامب، وهو ما زاد من حدة التوتر بينهما.
ما الذي يقف خلف هذا التحول المفاجئ؟
كان الاختلاف في الرؤى أول الغيث، حيث يمثل ترامب التيار المحافظ، الذي يركز على حماية الصناعات التقليدية وتقليل التدخل الحكومي، بينما يمثل ماسك التيار الليبرالي التقدمي، الذي يؤمن بالابتكار والتكنولوجيا كأدوات للتغيير.
ثم التباين في الأسلوب، إذ اشتهر ترامب بأسلوبه الهجومي والعدواني في السياسة، بينما يفضل ماسك أسلوباً أكثر هدوءاً وتعقيداً، مع التركيز على التفكير المستقبلي.
كذلك الخلاف على قضايا محددة، حيث اختلف الرجلان حول قضايا مثل تغير المناخ، والتجارة الدولية، والهجرة، فكان ماسك من أشد المؤيدين لاتفاقية باريس للمناخ، بينما انسحب ترامب منها.
أخيراً السيطرة على الإعلام، فبعد استحواذ ماسك على «تويتر» تغيرت الديناميكيات، فكان ترامب يعتمد بشكل كبير على «تويتر» للتواصل مع جمهوره، لكن ماسك أعاد تفعيل حساب ترامب بعد حظره، ما خلق ديناميكيات جديدة وغير متوقعة.
التداعيات السياسية والاقتصادية
أثار هذا النزاع تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحكومة الأمريكية وشركات التكنولوجيا الكبرى، وخاصة أن ماسك يمتلك نفوذاً واسعاً في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية. كما أن الجمهوريين في الكونغرس يواجهون انقسامات حول دعم مشروع قانون الضرائب الذي يعارضه ماسك بشدة.
من سيحسم المعركة؟
من الصعب التنبؤ بمن سينتصر في هذا الصراع، فكلاهما يمتلك نفوذاً كبيراً، وثروة هائلة، وقدرة على التأثير في الرأي العام، وقد يستمر الخلاف، ويتصاعد، أو قد يشهد تقلبات أخرى، لكن ما يمكن أن يقال عن هذا الصراع أنه ليس مجرد خلاف شخصي، بل هو انعكاس لصراع أعمق حول القيم والأفكار والرؤى. إنه صراع يضعنا أمام تساؤلات حول مستقبل أمريكا والعالم، ودور التكنولوجيا في تشكيل هذا المستقبل. قد يكون هذا الصراع طويل الأمد، أو قد يشهد تحولات مفاجئة، لكن المؤكد هو أنه سيستمر في إثارة الجدل، وتشكيل ملامح المشهد السياسي والاقتصادي في السنوات القادمة.
مقارنة هذا الخلاف بخلافات أخرى سابقة مع رؤساء ورجال أعمال
الخلاف بين ترامب وماسك يذكرنا بعدد من النزاعات السابقة بين رؤساء أمريكيين ورجال أعمال بارزين، لكنه يتميز بطابعه الشخصي وتصعيده السريع، فقد حدث نزاع سابق بين ترامب وجيف بيزوس: خلال فترة رئاسة ترامب الأولى وتحديداً في عام 2016، حيث كان هناك توتر بينه وبين جيف بيزوس، مؤسس أمازون ومالك صحيفة «واشنطن بوست» . ترامب انتقد الصحيفة بشدة واتهمها بنشر أخبار كاذبة عنه، كما هاجم أمازون بسبب سياساتها الضريبية وتأثيرها على قطاع التجزئة التقليدي، ومع ذلك، لم يصل الخلاف إلى حد التهديد بإلغاء العقود الحكومية كما حدث مع ماسك.
وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، دخل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في خلافات مع كبار المصرفيين في «وول ستريت» حيث انتقدهم بسبب دورهم في الأزمة المالية ودفع باتجاه فرض قيود تنظيمية صارمة على البنوك. ورغم التوتر، لم يكن هناك تبادل علني للاتهامات الشخصية كما هو الحال بين ترامب وماسك.
كذلك خاض الرئيس فرانكلين روزفلت معارك سياسية مع كبار رجال الأعمال خلال فترة الكساد الكبير، حيث فرض سياسات اقتصادية تهدف إلى الحد من نفوذ الشركات الكبرى وتعزيز حقوق العمال، هذه الخلافات كانت أكثر تركيزاً على السياسات الاقتصادية ولم تتضمن هجمات شخصية كما هو الحال في النزاع الحالي.
لكن ما يميز خلاف ترامب وماسك هو الطابع الشخصي والتصعيد السريع، حيث انتقل من انتقادات اقتصادية إلى تهديدات مباشرة بإلغاء العقود الحكومية، ما أثر في الأسواق المالية وأثار جدلاً سياسياً واسعاً، ولكن يبقى السؤال، هل سيؤدي هذا النزاع إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية، أم إنه مجرد خلاف عابر سرعان ما سيتم تجاوزه؟
الأيام القادمة ستكشف المزيد من التفاصيل حول هذه المواجهة المثيرة.