صراع العمالقة… عندما تصطدم رؤى المليارديرات.. ترامب وماسك في مرمى الخلاف

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين الدريوسي:‏

في عالم السياسة والأعمال، حيث تتشابك السلطة والثروة، قلما نشهد صراعاً مثيراً للجدل بقدر الصراع ‌‏الذي يجمع بين قطبي ‏العصر، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رجل السياسة الذي لا يخشى المواجهة، ‌‏وإيلون ماسك، العبقري التكنولوجي الذي يطمح إلى ‏تغيير العالم، فبعد تحالف غير متوقع، تحول إلى ‌‏جفاء مفاجئ، تستمر التساؤلات وتتوسع حول طبيعة هذه العلاقة المتغيرة، وأبعاد هذا ‏الخلاف الذي ‏يعكس تقلبات ‏المشهد السياسي والاقتصادي.‏

فقد شهدت الساحة السياسية والاقتصادية الأمريكية خلافاً متصاعداً بين الرئيس ترامب والملياردير ‌‏‌‏ماسك، ما لبث أن تحوّل من مجرد اختلاف في وجهات النظر إلى نزاع علني أثار ‏جدلاً واسعاً في ‌‏الأوساط الإعلامية والسياسية‎.‎

من التحالف إلى الجفاء

في بداية عهد ماسك كرئيس لشركة «تسلا» و«سبيس إكس»، كان يبدو أن هناك تقارباً مع ترامب، ‌‏وكان ماسك يشارك في مجالس استشارية للرئيس، وأشاد به في مناسبات علنية، كان يبدو أن كليهما ‌‏يتقاسمان رؤية مشتركة حول القوة الأمريكية والابتكار التكنولوجي.‏

لكن مع مرور الوقت، بدأ هذا التقارب في التلاشي، ثم بدأت الأزمة عندما انتقد ماسك مشروع قانون ‌‏الميزانية الذي اقترحه ترامب، واصفاً إياه بأنه «عمل فاضح ومقزز ومثير ‏للاشمئزاز» بسبب ما اعتبره ‌‏إنفاقاً غير ضروري وزيادة في العجز المالي، وهنا لم يتأخر ترامب في الرد على حليفه وصديقه معرباً ‌‏‌‏عن خيبة أمله فيه، مشيراً إلى أنه قدم له الكثير من الدعم في السابق، لكنه الآن يتصرف بطريقة غير ‌‏‌‏متوقعة‎.‎

تصعيد المواجهة

لم يتوقف الخلاف عند التصريحات المتبادلة، بل امتد إلى قرارات عملية، حيث هدد ترامب بإلغاء العقود ‌‏‌‏الحكومية مع شركات ماسك، ما أدى إلى انخفاض حاد في أسهم شركة تسلا بنسبة ‌‎14.3% ‌‎وخسارة ‌‏حوالي ‌‎150 ‌‎مليار دولار من قيمتها السوقية. في المقابل، رد ماسك بدعوة علنية لعزل ترامب، وهو ما ‌‏زاد من حدة التوتر ‏بينهما‎.‎

ما الذي يقف خلف هذا التحول المفاجئ؟ ‏

كان الاختلاف في الرؤى أول الغيث، حيث يمثل ترامب التيار المحافظ، الذي يركز على حماية ‌‏الصناعات التقليدية وتقليل التدخل الحكومي، بينما يمثل ماسك التيار الليبرالي التقدمي، الذي يؤمن ‌‏بالابتكار والتكنولوجيا كأدوات للتغيير.‏

ثم التباين في الأسلوب، إذ اشتهر ترامب بأسلوبه الهجومي والعدواني في السياسة، بينما يفضل ماسك ‌‏أسلوباً أكثر هدوءاً وتعقيداً، مع التركيز على التفكير المستقبلي.‏

كذلك الخلاف على قضايا محددة، حيث اختلف الرجلان حول قضايا مثل تغير المناخ، والتجارة الدولية، ‌‏والهجرة، فكان ماسك من أشد المؤيدين لاتفاقية باريس للمناخ، بينما انسحب ترامب منها.‏

أخيراً السيطرة على الإعلام، فبعد استحواذ ماسك على «تويتر» تغيرت الديناميكيات، فكان ترامب يعتمد ‌‏بشكل كبير على «تويتر» للتواصل مع جمهوره، لكن ماسك أعاد تفعيل حساب ترامب بعد حظره، ما ‌‏خلق ديناميكيات جديدة وغير متوقعة.‏

التداعيات السياسية والاقتصادية

أثار هذا النزاع تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الحكومة الأمريكية وشركات التكنولوجيا الكبرى، ‌‏وخاصة أن ‏ماسك يمتلك نفوذاً واسعاً في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية. كما ‌‏أن الجمهوريين في ‏الكونغرس يواجهون انقسامات حول دعم مشروع قانون الضرائب الذي يعارضه ‌‏ماسك بشدة‎.‎

من سيحسم المعركة؟

من الصعب التنبؤ بمن سينتصر في هذا الصراع، فكلاهما يمتلك نفوذاً كبيراً، وثروة هائلة، وقدرة على ‌‏التأثير في الرأي العام، وقد يستمر الخلاف، ويتصاعد، أو قد يشهد تقلبات أخرى، لكن ما يمكن أن يقال ‌‏عن هذا الصراع أنه ليس مجرد خلاف شخصي، بل هو انعكاس لصراع أعمق حول القيم والأفكار ‌‏والرؤى. إنه صراع يضعنا أمام تساؤلات حول مستقبل أمريكا والعالم، ودور التكنولوجيا في تشكيل هذا ‌‏المستقبل. قد يكون هذا الصراع طويل الأمد، أو قد يشهد تحولات مفاجئة، لكن المؤكد هو أنه سيستمر في ‌‏إثارة الجدل، وتشكيل ملامح المشهد السياسي والاقتصادي في السنوات القادمة.‏

مقارنة هذا الخلاف بخلافات أخرى سابقة مع رؤساء ورجال أعمال

الخلاف بين ترامب وماسك يذكرنا بعدد من النزاعات السابقة بين رؤساء أمريكيين ورجال ‏أعمال ‏بارزين، لكنه يتميز بطابعه الشخصي وتصعيده السريع، فقد حدث نزاع سابق بين ترامب وجيف ‌‏بيزوس: خلال فترة رئاسة ترامب الأولى وتحديداً في عام 2016، حيث كان هناك توتر بينه وبين جيف ‌‏بيزوس، مؤسس أمازون ومالك صحيفة «واشنطن بوست» . ترامب انتقد الصحيفة بشدة واتهمها بنشر ‏أخبار ‏كاذبة عنه، كما هاجم أمازون بسبب سياساتها الضريبية وتأثيرها على قطاع التجزئة التقليدي، ومع ‏ذلك، ‏لم يصل الخلاف إلى حد التهديد بإلغاء العقود الحكومية كما حدث مع ماسك.‏

وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، دخل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في خلافات مع كبار ‌‏المصرفيين في «وول ستريت» حيث انتقدهم بسبب دورهم في الأزمة المالية ودفع باتجاه فرض قيود ‌‏تنظيمية صارمة على البنوك. ورغم التوتر، لم يكن هناك تبادل علني للاتهامات الشخصية كما هو الحال ‌‏بين ترامب وماسك.‏

كذلك خاض الرئيس فرانكلين روزفلت معارك سياسية مع كبار رجال الأعمال خلال فترة الكساد الكبير، ‌‏حيث فرض سياسات اقتصادية تهدف إلى الحد من نفوذ الشركات الكبرى وتعزيز حقوق العمال، هذه ‌‏الخلافات كانت أكثر تركيزاً على السياسات الاقتصادية ولم تتضمن هجمات شخصية كما هو الحال في ‌‏النزاع الحالي.‏

لكن ما يميز خلاف ترامب وماسك هو الطابع الشخصي والتصعيد السريع، حيث انتقل من انتقادات ‌‏اقتصادية إلى تهديدات مباشرة بإلغاء العقود الحكومية، ما أثر في الأسواق المالية وأثار جدلاً سياسياً ‌‏واسعاً، ولكن يبقى السؤال، هل سيؤدي هذا النزاع إلى إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في ‌‏الولايات المتحدة الأميركية، أم إنه مجرد خلاف عابر سرعان ما سيتم تجاوزه؟ ‏

الأيام القادمة ستكشف المزيد من ‏التفاصيل حول هذه المواجهة المثيرة.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار