صندوق التنمية يوفر وعاء مؤسسياً لتجميع الموارد وتنسيق الإنفاق الاستثماري

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحريّة – ميليا اسبر :

أكد دكتور الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري في تصريح لصحيفتنا ” الحريّة” أن توقيت تأسيس صندوق تنمية/سيادي مرتبط بالرئاسة في 9–10 تموز 2025 يوفّر “وعاءً مؤسسياً” لتجميع الموارد وتنسيق الإنفاق الاستثماري، وهو مفيد نظرياً كبنية لاستقبال أموال إعادة الإعمار حين تتوافر، لكنه يصطدم بواقع اقتصاد مرهق، عملة منهكة، وثقة منخفضة بالمؤسسات. “النافذة” رغم أنها تحسّنت جزئياً بعد خطوات تخفيف/رفع واسعة للعقوبات الأميركية والأوروبية في أواخر حزيران 2025، ما يقلّل عوائق التحويلات والاستيراد نظرياً، لكنه لا يعالج وحده ضعف الحوكمة والمخاطر السيادية ، منوهاً بأن هذا الأمر خطوة استباقية ممكنة الفائدة لكنها لن تُظهر أثراً ملموساً من دون شفافية عالية وآليات تنفيذ محترفة وتمويل خارجي فعلي.

تضرر القوة الشرائية

وأشار د. حزوري إلى أن القوة الشرائية تضررت بشدة جرّاء تدهور الليرة وارتفاع الأسعار لسنوات، رغم بعض الاستقرار والإصلاحات الأخيرة. لذلك التبرعات الداخلية وحدها لن تكون “بحجم مُؤثِّر” لمشاريع بنى تحتية كبرى؛ لافتاً أن الدور الحاسم سيكون للجاليات في الخارج، والتبرعات/المنح بالعملة الصعبة، ومساهمات مؤسساتية/حكومية خارجية إن وُجدت، مشيراً إلى أن بيانات أسعار الصرف والتضخم طويلة الأمد تُظهر الانكماش الحاد وتآكل الدخول، ما يقيّد الفائض المتاح للتبرع.

ترتيب الأولويات

وأضاف د. حزوري أن الترتيب الأمثل للاستفادة من الصندوق يكون عادةً على مرحلتين متداخِلَتَيْن: المرحلة الأولى : عنق الزجاجة الخدمي: ماء، كهرباء، طرق- مرافئ أساسية لخفض تكلفة الإنتاج واللوجستيات ، وإتاحة عودة النشاط الخاص، علماً أن كل دولار يُنفق على كهرباء مستقرة يُضاعِف العائد المتوقع من أي استثمار لاحق.

المرحلة الثانية مشاريع إنتاجية مُنتقاة: في قطاعات ذات مضاعِف مرتفع وتشغيل كثيف (مواد بناء، غذاء، صيانة معدّات، إسكان ميسّر بمواد محلية)، مع تلازم تمويلي واضح مع المرحلة الأولى، بمعنى أن قفز للاستثمار الإنتاجي من دون معالجة الأعطال الخدمية سيحصر الأثر ويزيد المخاطر.

“القرض الحسن” مقابل التمويل التقليدي

وبين د. حزوري أن القرض الحسن يعادل تمويل من دون فائدة (أحياناً برسوم رمزية)، يُخفّض تكلفة رأس المال على المقترضين ويُسهّل الشمول المالي، لكنه يخلق مخاطر اختيار عكسي ومخاطر معنوية إذا غابت معايير انتقائية صارمة، وقد يقود إلى تشوّهات إذا نافس القطاع المصرفي التجاري على نفس العملاء بشروط غير سوقية، لافتاً إلى أن القروض بفائدة تسعّر المخاطر وتساعد على تخصيص رأس المال نحو المشاريع الأعلى إنتاجية، لكنها تُثقل تكلفة الاستثمار في بيئة مخاطر مرتفعة، منوهاً بأن الاستثمار المباشر يتقاسم المخاطر والعوائد ويحسّن الحوكمة، لكنه يتطلب ثقة ومناخاً قانونياً واضحاً.

وذكر د. حزوري أن التأثير المتوقع على الكفاءة يعتمد على معايير فرز المشاريع، تسعير رسوم خدمة تغطي الخسائر الائتمانية، وجود ضمانات ( صناديق كفالة) وحوكمة مستقلة للمنح الائتمانية من دون ذلك قد يتجه التمويل لأقرب الجهات نفوذاً لا لأعلى المشاريع جدوى.

كيفية التعامل بالعملات الصعبة

وعن كيفية التعامل مع نقص العملات الصعبة لتمويل مستوردات البنى التحتية اوضح د.حزوري أن ، مشاريع مثل الكهرباء والمياه تحتاج عقود EPC ومكونات مستوردة بالدولار/اليورو. لذلك فإن تخصيص “جيب عملات صعبة” داخل الصندوق (من تبرعات خارجية/تحويلات المغتربين/منح ثنائية) وربطه بمشاريع ذات مكوّن استيرادي مرتفع إضافة إلى استخدام حسابات Escrow خارجية وخطابات اعتماد مع مورّدين دوليين لتخفيف مخاطر البلد.

ولدى السؤال “هل تُوجَّه التبرعات الأجنبية حصراً لهذه الغاية؟” اجاب أنه من الأفضل تحييد العملات الصعبة للمشتريات الخارجية وترك النفقات المحلية (أجور/مواد محلية) للمكوّن بالليرة من أجل ضبط المخاطر وتقلبات سعر الصرف وكذلك وتخفيف/رفع العقوبات مؤخراً قد يسهل هذه الآليات، لكنه لا يلغي الحاجة لامتثال مصرفي صارم.

تمويل جماعي

و شار إلى أن برنامج المتبرع الدائم” كصيغة تمويل جماعي هو أقرب إلى تمويل جماعي رسمي دوري بالاشتراك الشهري/الفصلي/ حيث إن فرص نجاحه في الحالة السورية ترتفع إذا توفّرت الشروط التالية: شفافية قصوى- تقارير شهرية مفتوحة -لوحات متابعة رقمية للمشاريع – تدقيق طرف ثالث، وأيضا ربط التبرع بنتائج قابلة للقياس (كيلومترات شبكة، ساعات تغذية كهربائية مضافة، عدد وصلات مياه مُعاد تأهيلها). إضافة إلى حوافز غير مالية (لوائح شرف، تقارير مخصّصة للمتبرعين، زيارات ميدانية مصوّرة)، وتنوّع شرائح- أفراد مغتربون- شركات- صناديق خيرية مع التأكيد على ضمان ألّا يزاحم التبرع الدائم الضرائب والرسوم أو يتحول لبديلٍ دائم عن التمويل العام.

إيجابيات وسلبيات ارتباطه بالرئاسة

وعن ايجابيات وسلبيات الارتباط المباشر برئاسة الجمهورية كشف د. حزوري أن الإيجابيات تتمثل في قدرة أسرع على تنسيق عابر للوزارات وإزالة عقبات بيروقراطية وقوة تفاوضية أعلى مع شركاء خارجيين، وإشارة سياسية بأن المشاريع “أولوية دولة”. (وهذا منصوص عليه في المرسوم الذي جعل الصندوق مرتبطاً بالرئاسة مع شخصية اعتبارية واستقلال مالي/إداري على الورق).

أما السلبيات: مخاطر تسييس القرارات، تقلّص الاستقلالية الإدارية الفعلية، صعوبة المحاسبة إذا غابت مجالس مستقلة ولجان تدقيق علنية، واحتمال نفور مستثمرين/مانحين/: إن رأوا هيمنة تنفيذية غير متوازنة منوهاً أن معالجة ذلك تكون عبر مجلس أمناء متنوع بصلاحيات فعلية و نشر العقود، وأيضاً حدود تعارض المصالح، ونظام مشتريات شفاف.

مقترحات

واقترح د. حزوري البدء بحزمة مشاريع خدمات أساسية قصيرة الأجل (مياه – كهرباء- نقل محلي) ذات أثر سريع وقابل للقياس، بالتوازي مع مشاريع إنتاجية انتقائية في سلاسل توريد مواد البناء والغذاء، إضافة إلى إنشاء نافذة عملات صعبة منفصلة بمحاسبة مستقلة لاحتياجات الاستيراد، مع أدوات امتثال مصرفي دولي.إضافة إلى اعتماد مزيج تمويلي: قرض حسن محدود القيمة للمشاريع الصغيرة/المجتمعية + قروض مُيسّرة مسعَّرة للمخاطر للمشاريع المتوسطة + شراكات استثمار مباشر للمشاريع الكبرى، وأيضاً حوكمة وشفافية من اليوم الأول إضافة إلى نشر كل مشروع (الكلفة، الممول، المناقصة، نسبة الإنجاز)، تدقيق سنوي دولي، ولوحة متابعة عامة.، مع تصميم “المتبرع الدائم” كقناة احترافية موجهة للمغتربين أساساً، مع تقارير أثر شهرية وربط مباشر بالمخرجات.

Leave a Comment
آخر الأخبار