عندما يصبح الورق من طقوس التحرير!

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- بقلم يسرى المصري:

نبأ التحرير.. كان البداية لإعلان مشهد جديد بالإعلام السوري.. كان الجميع يترقب ويتلهف لسماع كلمة النصر.. واليوم بعد مرور عام على الحدث العظيم وفي خضم الاحتفالات التاريخية بذكرى الثورة ونيل النصر، تتجه الأنظار نحو حدث إعلامي يحمل دلالات عميقة على التحولات الجارية في سوريا. عبر انطلاق إصدار صحيفة “الثورة السورية” في نسختها الورقية.. الانطلاقة الجديدة ليست مجرد حدث تقني أو استعادة لتقليد صحفي قديم، بل خطوة رمزية بالغة الأهمية، تمثل لمسة نهائية في مشهد النصر، وتتطلع لأن تكون حجر الزاوية وعماداً لمسار الإعلام السوري الجديد.
الانطلاقة الجديدة لصحيفة “الثورة” الورقية تأتي في توقيت بالغ الدلالة، متزامنة مع الاحتفالات الكبرى التي شهدتها سوريا إحياءً للذكرى الرابعة عشرة للثورة، وهي الأولى بعد سقوط النظام البائد في ديسمبر 2024.
هذه الاحتفالات التي غصت بها الساحات وشاركت فيها المروحيات العسكرية برمي الورود -لا القنابل- كانت رسالة تطمين وتجسيداً حياً للانتصار وقيم الحرية.
في هذا المناخ الحر وأجواء الفرح ومواسم الخير، تكتسب انطلاقة “الثورة” ورقياً معنى مضاعفاً فهي تجسيد ملموس لـ”عودة الحياة الطبيعية” واستعادة التقاليد بعد زمن القمع، وكأن الورق نفسه أصبح جزءاً من طقوس التحرير والبناء.
مابين قمع الأمس وتحرر الكلمة.. تمثل انطلاقة صحيفة “الثورة” تحولاً كبيراً في المشهد الإعلامي وتحمل عودتها وعداً بتحول جذري لكسر الصورة النمطية للإعلام الحكومي “الخشبي” و”الروتيني” الذي كان يعتمد على ما يمليه النظام إلى الطموح بتحويل “الثورة” إلى مؤسسة رائدة تقود تجديد الخطاب الإعلامي الرسمي. وهذا ما نعمل عليه بصدق وإخلاص عبر التحول من صحافة التعليمات إلى صحافة الميدان.. وتأكيد الانتقال من صحفي ينتظر التعليمات إلى صحفي ميداني يتحرى المعلومة.
الإعلاميون لم يجدوا حرجاً بالاعتراف صراحةً بسلبيات مرحلة النظام البائد كمقدمة لفتح صفحة جديدة تواكب التحرير والنصر وتكون بمستوى تفاعل صادق مع المواطن، وهو تحول لافت في الخطاب الإعلامي الرسمي، الذي يضع هدفه الأسمى بتمثيل الشارع والناس في سعي دؤوب لأن تكون الصحيفة متوازنة تمثل المواطن السوري وتعكس صوته واحتياجاته.
وربما لم يلاحظ الكثيرون الانفتاح الإعلامي على التنوع كقرار إدراج اللغة الكردية ضمن لغات بث وكالة “سانا” الرسمية، التي تشكل مع الصحيفة جزءاً من استراتيجية متكاملة، يرسل رسالة واضحة عن توجه جديد نحو الاعتراف بالتنوع الوطني بعد عقود من التهميش.
الحماس كبير والجميع يعمل رغم إرث الإهمال والتهالك الذي عانت منه مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر، بداية من الحاجة إلى التمويل الكبير لإعادة بناء المؤسسة المترهلة، واهتراء آلات الطباعة، وضرورة إعادة هيكلة المؤسسة.
ويبقى التحدي الأجمل المنافسة في العصر الرقمي، حيث تطرح انطلاقة الصحيفة الورقية تساؤلاً عن مكانتها في زمن سيولة الإعلام الرقمي.
ويجيب القائمون عليها بالتركيز على سحر وموثوقية الورق الملموس وجذب “عشاق الورق”، مع مواكبة التطور بإنشاء مديريات للميديا والتركيز على المحتوى المرئي.
ويبقى الأمل والجهد الأكبر بكسب ثقة الجمهور السوري الذي عانى لعقود من إعلام دعائي. ولاشك أن مصداقية الخطاب الجديد تراهَن بقدرة الصحيفة على النقل الأمين للواقع وخلق مساحة حقيقية للنقاش.
انطلاقة “الثورة” تأتي ضمن حركة أوسع لإعادة هيكلة الإعلام الرسمي السوري، شملت إطلاق “النسخة الجديدة” من وكالة “سانا” وقناة “الإخبارية السورية” الفضائية كأول قناة حكومية تبث من داخل سوريا بعد التحرير. والهدف المعلن هو صياغة هوية وطنية جامعة وإعلام حديث يكون صوت الحقيقة لا بوق السلطة.
ويبدو من المشهد الاعلامي العام أن سوريا تتمتع “بأعلى سقف للحرية الإعلامية في المنطقة” نسبياً، ومن هنا تأتي انطلاقة صحيفة الثورة السورية كعماد للإعلام العام وفتح الباب لمشهد إعلامي متنوع تنافسي، يجذب رساميل وطنية وعربية لإنشاء مؤسسات إعلامية أخرى، في بيئة تتسم بالشفافية والحوكمة.
الانطلاقة لصحيفة الثورة السورية ورقياً هي أكثر من قرار مهني. وهي بحق بيان رمزي في لحظة تأسيسية يرمز لانتهاء زمن القمع والدعاية، وبداية زمن يسعى لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن عبر خطاب إعلامي جديد. وتحويل رمزية النصر إلى مؤسسات قادرة على ترجمة طموحات الشعب في الحرية والعدالة والمواطنة إلى واقع ملموس. واليوم لن يقاس نجاح هذه التجربة بجودة الورق وحده، بل بقدرتها على أن تكون منبراً حقيقياً “لكل السوريين”، ينقل همومهم ويشارك في صياغة مستقبلهم، ويكون بحق عنواناً لثورة تحققت ولمستقبل يُبنى.

Leave a Comment
آخر الأخبار