الحرية- جواد ديوب:
ينشغل السوريون بمعرض دمشق الدولي كحدثٍ مميز بتشعباته الاقتصادية والثقافية والفنية والتراثية، ومن الفعاليات التي ترافق الحدث، بل توثّق له بطريقة جميلة هي إصدارُ طوابع بريدية خاصة بكل دورة سنوية منه، تتميّز بنكهة الرسم والتصاميم الغرافيكية والقيمة التوثيقية.
رسالةٌ إلى العالم!
نسأل الباحث في التراث الأستاذ محمد فياض الفياض عن أهمية وجود طابع بريدي لفعالية مثل معرض دمشق الدولي؟
يجيب صحيفة “الحرية” في تصريح خاص، ويقول:
جرت العادة ومنذ إطلاق الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي في العام 1954م إلى توثيق فعاليات هذا المعرض من خلال إصدار مجموعة من الطوابع البريدية معَ غلاف اليوم الأول؛ بالإضافة إلى بطاقة مرافقة للإصدار، فمعرض دمشق الدولي يمثل حدثاً اقتصادياً مهماً، يضم مجموعة كبيرة من الدول الصديقة والشقيقة المشاركة، إذْ كانت مدينة دمشق تحتفي بهذا الحدث التاريخي من خلال تقديم العروض المرافقة من الفرق الشعبية الفنية والمسرحية والغنائية، وكانت هناك حالة استثنائية في إظهار التراث الثقافي السوري من خلال هذا المعرض الشامل، حيث كنا نجد هناك تفرداً في مشاركة الحرف والمهن والصنائع اليدوية التقليدية السورية، من خلال ممارسات حية مباشرة أمام الجمهور الزائر المحلي والعربي، وهذه الحرف ذات سمعة وشهرة عالمية، لذلك كانت إصدارات الطوابع البريدية أيضاً تشمل الاحتفاء بهذه الحرف، وأعتقد جازماً بأنَّ وجود هذه الطوابع التذكارية لمعرض دمشق الدولي هي من الأهمية بمكان لأنها توثق لمسيرة مهمة بدأت في العام 1954م وما زالت، ومن الواجب استمرار إصدار الطوابع البريدية التي توثق هذا الحدث وربطه مع التُّراث الثَّقافي السوري بشقيهِ الماديِّ وغير الماديِّ، وإن وجود مثل هذه الطوابع يُعدُّ رسالةً مفتوحة للعالم كله، تشير إلى أهمية هذا الحدث التاريخي الذي ولد بدمشق أقدم عواصم الدنيا… ونتمنى أن يبقى ويستمر!
قيمٌ فنية جمالية!
*هل للطوابع البريدية إذاً قيمة فنية جمالية أم هي مجرد طريقة “جميلة” لجباية الرسوم المالية؟
**الحقيقة إن الطوابع البريدية برمتها تخضع لضوابط ومعايير فنية مهمة- يُكمل الباحثُ الفياض كلامه- وقد يتسابق العديد من الفنانين والمبدعين في تقديم التصاميم المبهرة لتوثيق أحداث كهذه، ولاسيما أن معرض دمشق الدولي ليس حدثاً عادياً؛ بل هو حدث استثنائي، ولهذا يجب أن تكون هذه الطوابع أو البطاقات البريدية أو أغلفة اليوم الأول؛ ذات مواصفات عالية الجودة في التصميم واختيار أنواع الورق، والأغلفة، وطرق توشيحها بالأختام والمفردات والعبارات المناسبة.
إذًاً القيم الجمالية هي الحاضرة دائماً في هذه الإصدارات، ولو عدنا إلى الإصدارات القديمة لوجدنا النفيسَ من هذه الإصدارات الجميلة والرائعة التي وثقت لمراحل مهمة من تاريخ معرض دمشق الدولي، ولا شكّ أن متحف الطوابع البريدية في دمشق يضم مجموعة نادرةً منها، ونأمل بأن نرى في المستقبل القريب إصدارات توثيقية تحمل سمات ومواصفات ودلالات شمولية، وعلى المؤسسة العامة للبريد أن تسعى إلى تطوير آلية عملها من خلال سبر أغوار التراث الثقافي السوري للبحث عن الجوانب الجمالية لإبرازها من خلال هذه الإصدارات.
بين القيمة التذكارية والمالية!
الباحث الفياض يرى أنه من الضروري عندما نتحدث عن الطوابع البريدية عموماً علينا أن نفرّق بين تلك التي توظف لتحصيل ودفع الرسوم المستحقة، وتلك الطوابع البريدية التذكارية التوثيقية، فكل طابع من الطوابع البريدية له وظيفة خاصة، كما إنه لدينا طوابع عدلية وقنصلية وطوابع تحصيل جمركي ومالي وغير ذلك، أما الطوابع التوثيقية فهي تحمل بين طياتها فكراً إبداعياً يعكس الروح الجمالية للفنان صاحب التصميم.
طوابع بريدية آثارية!
*طالما أنكَ أشرتَ إلى أهمية وضرورة التفريق بين النوعين أو الشكلين من الطوابع…ما برأيك إذاً الفائدة من وجود الطوابع بشكل عام بالنسبة للناس؟
**ربما ينظر البعض إلى الطوابع البريدية على أنها حالة من حالات دفع الضرائب وتحصيل الرسوم ليس إلا، لكن في الحقيقة إن الطوابع البريدية تحمل بين طياتها دلالات كثيرة، وبالإمكان العمل والاستثمار في قطاع الطوابع البريدية من خلال ربطها بالتراث الثقافي والمناسبات الوطنية، وبالإمكان أن تؤدي هذه الطوابع وظيفة توثيقية مهمة ولاسيما في قطاع الآثار والمتاحف السوريّة، بالتنسيق مع المنظمات الدولية وخاصة اليونسكو، وربما أيضاً القيام بتوثيق قضايا أخرى اجتماعية كالعادات والتقاليد والأنشطة الثقافية والحرف وكذلك الشخصيات وروّاد الخط العربي وأنواع الخط ومفرداته.
صورة جديدة للطوابع السورية!
الحقيقة هناك حالة من الانكماش في حقل الطوابع البريدية في سورية نتيجة عدم وجود خطط مستدامة وعدم وجود خبراء في الحقول المختلفة تقدم الأفكار الخلاقة.
إذ نجد بعض الإصدارات البريدية في حالة ارتجالية غير مدروسة، وتحسينها يتطلب إشراك مراكز الأبحاث والجامعات السورية لتقديم بعض الأفكار الجميلة، ولاسيما أن هناك الكثير من القضايا التي تحتاج اليوم إلى إثارتها من خلالِ الطوابع البريدية، ومن ذلك المواقع الأثرية والمتاحف التي لحقها الأذى والتدمير خلال الأعوام المنصرمة من عمر الثورة.
ناهيك عن قضايا أخرى مهمة مرتبطة بالمواقع الأثرية السورية التي تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي والتي أهملها النظام على مدى العقود الماضية، ولم نجد في كُلّ الإصدارات السورية ما يوثق لموقع أثري واحد في الجَّولان السوري المحتل، وأعتقد جازماً بأنَّ اختيار الموضوعات المهمة والجذابة هو ما يجعل للطوابع البريدية حالة استثنائية وتشجع الناس جميعاً على الشراء والاقتناء مهما بلغ ثمن هذه الإصدارات.
فسحة أمل بمعرض دمشق الدولي!
إذاً علينا – بحسب الأستاذ الفيّاض- أن نقدم للناس صورةً جديدة للطابع السوري مختلفة تماماً عن الشكل التقليدي الذي تعودنا عليه، ونأمل بأن تكون هذه الدورة لمعرض دمشق الدولي متشابهة في زخمها الدورة الأولى عام 1954م وتكون حافزاً مهماً لإصدار جديد من الطوابع البريدية يرتقي إلى الإبداع والتميز.
وفي الختام، الطوابع البريدية كما ذكرنا حالة استثنائية وبالإمكان أن تصبح حالة استثمارية إذا ارتقت إلى الإتقان والجمال ولامست قلوب الهواة والمهتمين.