الحرية- إلهام عثمان:
تتجلى أبعاد الانهيار الذي عانى منه المجتمع السوري لعقود، في سؤال يثير جدلاً واسعاً حول الدمار الاقتصادي الذي خلفه النظام الأسدي المخلوع، هل كان الفساد المستشري في ذلك النظام هو العامل الخفي وراء هذه الكارثة؟ بينما كان الفساد بشتى أشكاله يلتهم جسد المجتمع كداءٍ خبيث، وليس غريباً أن يترك النظام فساده ينتشر بشراهة، وكأنه لم يقسم يوماً على حماية وصون أراضي سوريا الكرامة.. وهنا نغوص في عمق هذه الظاهرة المدمرة، مستعرضين تأثير الفساد العميق على بنية المجتمع والاقتصاد، بالإضافة إلى الإستراتيجيات والحلول الممكنة.
مسؤولية الانهيار
المدرب الدولي في التنمية البشرية فادي حمد، بين في تصريح لـ” الحرية”، أن الفساد لم يكن مجرد سوء سلوك، بل كان داءً خطيراً نخر في عظام الدولة، مشيراً إلى أنه “عندما يصبح الفساد وسيلة لا غنى عنها لتحقيق النجاح، يتم التضحية بالقيم الأخلاقية.” مذكراً أن حاله كحال أي مواطن صالح رفض الفساد، إلا أنه لم يسلم من التنكيل، حيث يخبرنا أنه عاش تجربة مريرة، عندما رفض الرشوة، لينتهي به المطاف مضطراً للاستقالة نتيجة للضغوط والتهديدات، كونه كان “غير ملائم” للبيئة الفاسدة وفق رأيه.
ثقافة الانتهازية
وهنا بين حمد أن الانتهازية تزداد وتتفاقم في بيئة ملوثة وحاضنه للفساد، وقد أثرت هذه الممارسات على العقل الجمعي، حتى بات البعض يعتقد أنه لا يمكن النجاح دون أن يكون الفساد جزءاً من المعادلة، هذه الثقافة الخاطئة تسببت في مغادرة العديد من الكفاءات للمناصب المؤثرة، تاركة وراءها فراغاً في الميدان العملي، وفي خضم هذا الانهيار عانت المجتمعات من الفوضى في مختلف القطاعات الاقتصادية، وهنا تبرز أهمية السعي نحو النهوض بالتربية الأخلاقية أولاً وتعزيز الوعي بحقيقة الحريات كمفاتيح لإنعاش المجتمع في المستقبل القريب ثانياً.
عوامل
ويشير حمد إلى العوامل الرئيسية التي ساهمت في تفشي الفساد داخل مؤسسات الدولة، كنوعية الأفراد الذين تولوا مناصب رفيعة وحساسة واستغلوا تلك السلطة لمصالحهم الشخصية، فكان التعيين يعتمد على الولاءات والمحسوبيات وليس على الكفاءات، بالإضافة إلى أن الإنجازات كانت مغيبة عن بطاقة العمل، ما أضفى طابعاً سلبياً على الأداء الوظيفي، لا سيما أن سيطرة القرار، كانت بيد قلة من الأفراد جعلت المؤسسات عرضة للغوص والإنجراف بالأخطاء والانحراف أكثر.
حلول
وعن الحلول للحد من الفساد، يأتي دور الإستراتيجيات المبنية على الشفافية والنزاهة، هذا ما يوصي به حمد، ويكون ذلك، باختيار إدارات فعالة تلتزم بمبدأ “إذا كانت القدوة صالحة، صلح العمل”، ويؤكد على أهمية تطوير الكوادر البشرية وتعزيز الروح الجماعية نحو الإصلاح، مضيفاً أن التكنولوجيا الحديثة تلعب دوراً محورياً في المعركة ضد الفساد، وأن الأنظمة النقدية وغير النقدية وتقنيات التعقب مثل الباركود ساهمت في الحد من عمليات التهرب الضريبي والمخالفات، ما جعل كل موظف شريكاً في تعزيز الشفافية.
دور المواطنين
أما عن دور المواطنين والمجتمع المدني، وحسب رأي حمد، فهو جوهري في مكافحة الفساد، من منطلق “ابدأ بنفسك”، فالمسؤولية أمام المجتمع تجعل من الضرورة للبعض أن يكونوا نصحاء ومراقبين للخطأ، ويتعين تعزيز الوعي بالتحديات التي تواجهنا، كقلة الاكتفاء الذاتي وضعف الوعي الأخلاقي والقانوني.
وختم: إن الفساد لم يكن مجرد عقبة، بل كان مخططاً قد خنق مستقبل سوريا، مما يتطلب اليوم جهوداً جماعية وإرادة قوية لإعادة بناء هيكلة الدولة ومؤسساتها لنسير نحو غدٍ مشرق.