الحرية – نهلة أبو تك:
بعد مرور عام على التحرير، تبدو المدن السورية وكأنها تدخل مرحلة جديدة، تختلف جذرياً عن سنوات الحرب، فالتحوّل الحاصل اليوم لم يعد حدثاً سياسياً أو عسكرياً فحسب، بل أصبح واقعاً اجتماعياً واقتصادياً متجسداً على الأرض، يصنعه الناس يومياً بخطوات صغيرة وملموسة.
من حدث سياسي إلى واقع حياتي
في الشوارع والساحات تظهر نتائج التحرير بشكل واضح: حركة أكثر أماناً، فعاليات مجتمعية، أطفال يستعيدون مساحات اللعب، وأسواق تعود تدريجياً إلى نبضها المعتاد.
يؤكد اختصاصيو الاجتماع أن العام الأول بعد التحرير شكّل مرحلة انتقالية بين ذاكرة الحرب وذاكرة الحياة، بدأ الناس يتخلّصون من سلوكيات الخوف مثل الانعزال المفرط وتراجع المبادرات الفردية، لتظهر مؤشرات واضحة: رغبة أكبر في العمل، انفتاح على المشاركة المجتمعية، وظهور مبادرات صغيرة لإصلاح الأحياء ودعم الأسر.
حركة اقتصادية ووعي جديد
على الرغم من الضغوط الاقتصادية، فقد أسهم التحرير في تغيير المزاج العام: الأسواق أكثر نشاطاً، وبرزت مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر تعطي أملاً بدورة اقتصادية بسيطة لكنها مستمرة.
يقول الاقتصادي محمد خليل لـ “الحرية”: ما تغيّر فعلياً ليس حجم الدخل، بل قدرة الناس على التخطيط، التحرير لم يوجد ثروة، لكنه وفر بيئة تسمح بالتفكير بالغد، لا مجرد النجاة من اليوم.
ويشير خليل إلى أن التعافي الاقتصادي يحتاج إلى عمل جماعي طويل وصبر، وثقافة إنتاج قائمة على الشراكة بين الدولة والمجتمع.
المحبة والتسامح والشراكة
يرى الخبراء أن الحفاظ على مكاسب التحرير لا تتحقق بالشعارات، بل بتبني قيم مجتمعية جديدة:
– المحبة: لغة إعادة الترميم الاجتماعي، تمنع تصاعد الخلافات وتعيد إنتاج بيئة تتسع للجميع.
– التسامح: شرط أساسي لأي مشروع اقتصادي أو اجتماعي. كما تقول د. منى زيدان: التعافي يبدأ حين نتخلى عن رواسب الحرب داخلنا، لا يمكن بناء مجتمع سليم إذا بقي مثقلاً بمرارات الماضي.
– التعليم: صناعة جيل بلا خوف، تقول المعلمة رباب محمود: المدرسة لم تعد لتدريس المناهج فقط ، بل لغرس لغة جديدة تنهي الخوف وتعلّم قيمة الاختلاف والشراكة.
– إعادة تشكيل العلاقات الاجتماعية، والانخراط في الحياة أكثر منها الرياضة.
حيث يشير المدرب الرياضي مهند إبراهيم إلى أن الملاعب تعيد صياغة علاقة الشباب بالآخرين، يتعلمون الانضباط والمشاركة كفريق واحد واحترام الرأي المختلف.
– العمل المشترك: الأساس في المرحلة المقبلة، ويصبح النصر فعلياً حين تتحول ثقافة التعاون إلى ممارسة يومية، عبر:
مبادرات أهلية في الأحياء.
مشاريع صغيرة قائمة على الشراكة
برامج تربوية، وثقافية ورياضية مشتركة ، والأهم تفعيل الحوار المجتمعي في المدارس والمراكز المحلية.
تلك المبادرات، رغم بساطتها، تشكّل العمود الفقري للحفاظ على مكتسبات التحرير ومنع العودة إلى الصراعات.
بداية أسلوب حياة
عام واحد أظهر قدرة السوريين على إعادة بناء مجتمعهم، لكن استكمال هذا المسار يتطلب التمسك بقيم واضحة: المحبة، التسامح، الشراكة، والعمل المشترك. فالتحرير فتح الصفحة الأولى، وكتابة بقية الفصول مسؤولية الجميع، لتكون الأيدي متشابكة والوطن مكاناً للجميع.