الحرية- مها سلطان:
ما زال قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، يحتل ذروة مسار الأحداث والاهتمامات عربياً وإقليمياً وعالمياً، لكن ذروة أخرى ربما تلوح في الأفق القريب مع انعقاد القمة العربية في دورتها الـ34 في العاصمة العراقية بغداد السبت المقبل.
على مسافة يومين من القمة العربية.. لماذا يعود سؤال حضور الشرع وما علاقة ترامب ورفع العقوبات؟
هذا ما تبشر به تقارير وتسريبات (منها ما هو عراقي) تتحدث عن «مفاجآت سارة» على مستوى الحضور والقرارات، بعضها سيكون متعلقاً بسوريا، وتلمح إلى أن الرئيس أحمد الشرع ربما يكون حاضراً رغم أنه سبق للرئاسة السورية أن أعلنت اعتذاره عن الحضور، ليمثل سوريا في القمة وزير الخارجية أسعد الشيباني.. قد يتحقق هذا التلميح وقد لا يتحقق. هناك يومان يفصلاننا عن القمة والمفاجآت دائماً متوقعة، وعلى الأكيد هناك رغبة واسعة، من السوريين ومن العرب، في أن يكون الرئيس الشرع حاضراً.
بالنسبة للسوريين (وحتى على المستوى العربي) ما زالت القمة العربية المقبلة بمنزلة حدثين في حدث واحد، الأول عربي، والثاني سوري، وإن كانت هذه القمة تكتسب زخماً أكبر بفعل التطورات السورية في المرحلة الماضية، وصولاً إلى ذروة رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وما كان لهذه الذروة من امتداد عربي/خليجي رمى بكامل ثقله خلف عملية تحقيقها، بل التسريع ما أمكن في تحقيقها، وهذا ما كان. ومن هنا تنطلق الأهمية المضاعفة لعملية رفع العقوبات الأميركية. لقد كان مشهد يوم الثلاثاء الماضي في الرياض ما بين الرئيس الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأبلغ في تأكيد حجم الدعم العربي، في جانبه الأثقل، أي الدول الخليجية العربية وعلى رأسها السعودية، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية فإن هذا الدعم تعول عليه سوريا بالدرجة الأولى لترجمة عملية رفع العقوبات إلى واقع على الأرض، بما يحقق الإعمار والنهوض الاقتصادي. هذا الدعم بمنزلة سند تأمين طويل الأمد، إذا جاز لنا التعبير، ليس فقط اقتصادياً بل سياسياً أيضاً، إذا أخذنا بالقاعدة القائلة إن السياسة اقتصاد مكثف، أو قاعدة أن السياسة في وظائفها كافة تصب في خدمة مسارات النهوض والتفوق (والهيمنة) الاقتصادية.
– أي مفاجآت؟
لنعد إلى السؤال: هل سيحضر الرئيس الشرع قمة بغداد، بمعنى هل سيكون الحضور ضمن «المفاجآت» آنفة الذكر؟
بالنسبة للسوريين- وحتى على المستوى العربي- ما زالت القمة العربية في العراق بمنزلة حدثين في حدث واحد /عربي_ سوري/ وإن كانت هذه القمة تكتسب زخماً أكبر بفعل التطورات السورية في المرحلة الماضية وصولاً إلى إعلان ترامب رفع العقوبات الأميركية
في الأيام الماضية كان هذا السؤال قد حُسم بعد إعلان الرئاسة السورية اعتذار الرئيس الشرع عن الحضور، وكان ذلك مفاجئاً نوعاً ما بعد اللقاء الثلاثي الذي ضم الرئيس الشرع، خلال زيارته لقطر منتصف نيسان الماضي، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني (17 نيسان الماضي). لقد شكل هذا اللقاء منعطفاً مهماً على مستوى العلاقات السورية – العراقية التي لم تنتظم بعد في مساراتها الصحيّة والصحيحة بفعل تركة ثقيلة جداً من عهد النظام السابق (وأنظمة المحاور) ويبدو أن القيادة السورية آثرت عدم الخوض في تفاصيل (وإشكاليات ومجادلات) لا تخدم أياً من البلدين، فرأت أن الاعتذار عن الحضور أفضل، وإن كان العلاقات السورية _العراقية ستستدير حكماً ومنطقاً باتجاه علاقات نوعية ومميزة بفعل الجغرافيا التي تحكم وتتحكم، وبفعل خريطة جيوسياسية جديدة لعموم المنطقة (تحديداً الدول العربية) تكاد تكتمل، خصوصاً بعد جولة ترامب الخليجية. ومن المتوقع أن ترتسم خطوط شبه نهائية لهذه الخريطة مع القمة العربية المقبلة.
الأهمية المضاعفة لعملية رفع العقوبات تنطلق من امتداد عربي/ خليجي رمى بكامل ثقلها خلفها من قبل وسيفعل المثل من بعد.. وسوريا تعول على هذا الثقل بما يحقق الإعمار والنهوض الاقتصادي
الآن.. لماذا يُعاد طرح السؤال حول حضور الشرع لقمة بغداد؟
– في كلمته عقب إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا، حرص الرئيس الشرع على ذكر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كأحد الأطراف الأساسية في إطار توجهه بالشكر والامتنان لكل من عمل وساهم ودعم في عملية رفع العقوبات، مؤكداً حرص السوداني و«رغبته في إعادة العلاقات السورية -العراقية» وهذه إشارة لافتة
وبالغة في أهميتها وفي دلالتها للمرحلة المقبلة.
وكان السوداني أكد في تصريحات له بداية أيار الجاري على أن «وجود الرئيس الشرع في القمة العربية مهم ليوضح أمام الدول العربية رؤية سوريا الجديدة، حيث إن غالبية الدول حريصة على أن تتجاوز سوريا محنتها». وقال: نحن حريصون على أمن سوريا كونها جزءاً من الأمن القومي العراقي.
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أكد اليوم الخميس على دعم بلاده لجهود تحقيق الاستقرار في سوريا، ورفع العقوبات عنها بالكامل. وقال في كلمة له أمام اجتماع وزراء الخارجية التحضيري للقمة العربية: إن العراق يؤكد على سيادة أراضي سوريا، ويدعو إلى حفظ استقرارها، كما يطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف الاعتداءات الصهيونية على أراضيها.
حضور وزيارة
– حسب المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أمس الأربعاء فإن مستوى التمثيل في القمة العربية سيكون «مشرفاً جداً» بما يليق بالعراق، لافتاً إلى وجود «مفاجآت سارة» على مستوى التمثيل والحضور، وقال: إن ما يجري الحديث عنه عن امتناع زعماء دول عن الحضور غير دقيق، ونؤكد أن التمثيل سيكون مشرفاً.
الشرع حرص على ذكر السوداني كأحد الأطراف الأساسية في إطار توجهه بالشكر والامتنان لكل من عمل وساهم ودعم عملية رفع العقوبات الأميركية وهذه إشارة لافتة وبالغة في أهميتها وفي دلالتها للمرحلة المقبلة
ورغم أن العوادي لم يقدم تفاصيل، ولا توضيحات أو تلميحات، إلا أن المحللين والمراقبين اعتبروا أن سوريا معنية بهذه التصريحات، وربما يكون حضور الشرع أحد هذه المفاجآت. ويرون أن هذا الحضور اكتسب زخماً وثقلاً في ظل ما أفرزته جولة ترامب، ولقائه مع الرئيس الشرع، وفي ظل ما أظهره اللقاء بين الرئيس الشرع والأمير محمد بن سلمان من تعاضد ودعم، ولا شك أن العراق حريص على حضور بن سلمان، لحرصه على إعطاء القمة التي يستضيفها الثقل العربي الأكبر.. وعليه فإن العراق قد يعيد – خلف الكواليس – توجيه الدعوة للرئيس الشرع لحضور القمة، بمعنى يعيد فتح مسألة الحضور مع القيادة السورية التي بدورها حريصة أن تكون سوريا في مكانها ومكانتها العربية اللائقة، وكذلك حريصة على العمل العربي المشترك، وعلى علاقات جيدة مع العراق.. لذلك ربما يكون هناك قبول سوري باتجاه أن يقبل الرئيس الشرع حضور القمة.
العراق الحريص على نجاح القمة وعلى أن تكون فارقة في نتائجها، حريص بالتوازي على مكانته ودوره (وسمعته العربية) وتأتي سوريا في قلب هذا الحرص
ومن نافل القول هنا أن حضور القمة هو في مضمونة زيارة للعراق، حيث سيتضمن الحضور لقاءات ومباحثات رسمية، هذا عدا عن أن الزيارة – إذا ما تحققت – ستعد الخطوة الأكبر على طريق استعادة العلاقات، أو لنقل بداية متينة لشكل جديد من العلاقات.
– العراق الحريص على نجاح القمة، وعلى أن تكون فارقة في نتائجها، حريص بالتوازي على مكانته ودوره (وبمعنى أدق سمعته العربية)، وتأتي سوريا هنا في قلب هذا الحرص. مسألة دعوة ثم حضور الرئيس الشرع شكلت وما زالت مدار نقاش وجدل كبيرين (وتدخلات وضغوط) وهذا لا يخفى على أحد. العراق الرسمي بلا شك وجد نفسه في خضم كل ذلك، مُضافاً إليه الحرج الكبير ما بين قبول الضغوط والتدخلات وما بين تأكيد قدرته على استقلالية القرار واختباراً لقدرته على إمساك الأمن وتوفير الحماية للجميع، وتالياً الثقة بمكانته ودوره العربي والإقليمي.
– لننظر ونرَ
ما سبق وغيره، حديث لا ينقطع، وتحليلات لا تتوقف، رغم أن القيادة السورية لم تعلن حتى الآن ما يشير إلى حضور الرئيس الشرع قمة بغداد، ولكن كل الاحتمالات قائمة، وغالباً ما تلعب السياسات (وتفاهمات الكواليس) أدوارها حتى اللحظة الأخيرة.. لننتظر ونرَ.