الحرية – ثناء عليان :
تعرّف المواطنة كمصطلح “بأنّها علاقةٌ الأفراد مع الدولة التي ينتمون إليها ويقدّمون لها الولاء، ليحصلوا فيما بعد على مجموعة من الحقوق السياسية والاجتماعية أو المدنية والاقتصادية كما يحدّدها القانون بما تتضمّنه من (حقوق وواجبات)، والمشاركة في بناء الدولة وتنميتها وهو المفهوم الذي يحقق الشعور بالانتماء للوطن..
المساواة
بهذا التعريف للمواطنة بدأ الأديب زهير حسن المحاضرة التي ألقاها اليوم في المركز الثقافة بطرطوس تحت عنوان “المواطنة بين النظرية والواقع”، أكد فيها أنه عندما لا يجد الأفرادُ في البلد الواحد أمامهم نموذجاً للدّولة والنّظام العام الحامي للجميع والقائم على مبدأي المساواة وعدم التمييز، فإنّه من الطبيعي أن تبرزَ النزاعات القائمة على الحماية الذاتية سواء العائلية أَو العشائرية أو العرقية والطائفية أو المناطقية، وأن تتقوّضَ علاقات التسامح والديمقراطية، وتتراجع عندها حالة المواطنة.
الانتقال من الواقع إلى الفعل
وبيّن أن مبدأ المواطنة نظرياً، هو مبدأ أساسي في الدولة الحديثة، والنص عليه موجود في معظم وربما في جميع الدساتير والقوانين في البلدان اليوم، ولكن المهم هو الانتقال من الواقع إلى الفعل وتلك هي المشكلة، وذلك هو التّحدي القائم في تعزيز الشعور بالمواطنة.
وأكد حسن أنّ أهم ما يمكن العمل عليه لترسيخ حالة المواطنة، هو عدم التساهل على الإطلاق في تطبيق المعايير المؤسساتية بالفعل، والابتعاد عن الفكرة الانطباعية للمدير القوي الشريف العادل المتعالي عن التحيّز وأن نستبدل بها فكرة المدير المزوَّد بدستور المؤسسة، لافتاً إلى أن الضامن القوي للمواطنة هو البناء الديمقراطي المؤسساتي.
تعميق الشعور بالمواطنة
ولذلك –يضيف حسن- فإنّ أهم مهمة يُفترَض على الحكومة في الدولة الحديثة تحقيقها هي تعميق الشعور بالمواطنة لدى الأفراد والجماعات في المجتمع، فالمواطنة هي أكثر أشكال العضوية في المجتمع الحديث اكتمالاً وتطوّراً، وهي أكثر حالات المجتمع السياسي والمدني تقدّماً، وهي الأساس الراسخ للديمقراطية دون حذلقة ولا تزويق.
متطلبات ترسيخ المواطنة
ولعلّ من أهم متطلبات ترسيخ علاقات المواطنة في أي مجتمع برأي المحاضر، على المستوى المؤسسي هي الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، والشفافية، ومساءلة مُهدري المال العام وسوء الإدارة، بما يعزز ثقة المواطن بقانون الدولة ومرتكزات السلطة، والثقة بعدالتها تجاه الأفراد، وقدرة وجدّية القانون والسلطة على حمايتهم والتعامل معهم بمنطق المساواة في الحقوق والواجبات، بما يحدّ من اللجوء إلى العلاقات العشائرية والطائفية والعرقية وعواقبها السيّئة على الاندماج الاجتماعي الوطني.
بديل حاسم لأي صراع
وبيّن حسن أهمية المواطنة في المجتمعات الحديثة فهي البديل الحاسم والعقلاني لصراع وتنافس الهويات والانتماءات المختلفة التي ما فتئت تثير المصاعب أمام الاندماج والتكامل الوطني، وتهدد استقرار الدولة الحديثة، التي يُفترَض أن يتساوى فيها المواطنون، بغض النظر عن انتماءاتهم فالمواطنة هي أهم العوامل الموحِّدة في مجتمع كبير غير متجانس.
وبترسيخ حالة المواطنة يمكن الحدّ من الشكوك وانعدام الثقة بين الجماعات والفئات الاجتماعية المختلفة، وتخطّي العقبات الذهنية والثقافية العتيقة المتولّدة عن الانتماءات التقليدية لِما قبل الوطنية، والتي تعيق تكوين الدولة والمؤسسات والعقلية المؤسساتية.
المواطنة حل للمشكلات والمنغصات
كما أنّ ترسيخ مبدأ المواطنة لدى جميع أفراد المجتمع وفئاته يقطع الطريق على من يريد العبث بتماسك الوطن والوحدة الوطنية، وتفتيت الوطن وتقسيمه إلى قبائل متحاربة، وهي الضمان لتضافر المواطنين في مواجهة أي خطر يتهدد المجتمع– الدولة.
وهكذا يختم الأديب حسن محاضرته مؤكداً، أنّ المواطنة إذا كانت فعلاً ولم تكن قولاً نظرياً في النصوص، فإنها تحل جميع “المشاكل” و”المنغّصات” و”الازعاجات” الممكنة للنظام السياسي، وتكون ضامناً لعدم انقسام المجتمع -الوطن إلى قبائل أو فئات متناحرة، وفي الوقت نفسه تكون مؤشّراً على نجاح الحكومة والمؤسسات والنظام السياسي وجدارته وحُسنِ أدائه.