على جليد آلاسكا.. ترامب وبوتين يهندسان مستقبل أوكرانيا وأوروبا.. والعالم يترقب

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق
الحرية- أمين سليم الدريوسي:
تترقب أنظار العالم القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، المزمع عقدها في ولاية ألاسكا، إذ يحمل هذا اللقاء أهمية بالغة في تحديد مسار العلاقات الدولية، وقد يسفر عن تحولات محسوسة في عدد من الملفات العالمية. ويُمثّل لقاء ألاسكا أول اجتماع مباشر بين الرئيسين منذ سنوات، ويأتي في خضم توترات جيو-سياسية متصاعدة، ما يجعله حدثاً استثنائياً ومحورياً لمستقبل موازين القوى. ورغم تعدّد القضايا المطروحة، يُتوقع أن تكون الأزمة الأوكرانية المحور الرئيسي على طاولة المفاوضات، حيث يسعى ترامب للتوسط في إنهاء الصراع، فيما يهدف بوتين إلى تثبيت المكاسب الإقليمية لبلاده. وبينما يأمل البعض في اختراقات دبلوماسية تُفضي إلى مسارٍ نحو السلام، يرى محللون أن اللقاء قد يكون “استكشافياً” في الأساس، وقد لا يسفر عن نتائج سريعة أو حاسمة، ولاسيما مع المعارضة الأوروبية لأي مقترح يتضمن منح روسيا أراضي أوكرانية. ويهدف هذا اللقاء إلى معالجة قضايا دولية شائكة والعلاقات الثنائية بين البلدين، بما يشمل الأزمات الإقليمية والدولية، والحد من التسلح، والاستقرار الاستراتيجي العالمي، باعتبار القمة فرصة لحوار مباشر وبناء تفاهمات حول القضايا الخلافية.

التوقعات والآمال

يترقب العالم نتائج القمة وسط آمال بأن تسهم في تخفيف حدّة التوترات الدولية وفتح آفاق جديدة للتعاون، مع بقاء مخاوف من أن تأتي أي تسويات على حساب مصالح دول أخرى متأثرة مباشرة بالصراع الروسي- الأوكراني. وقد أعرب ترامب عن تطلعه لمحادثات بنّاءة، بينما تبدو مواقف الأطراف الأخرى حذرة إزاء أي مخرجات محتملة، خشية ترسيخ وقائع ميدانية بدل معالجتها. مفترق طرق العلاقات الدولية يأتي هذا اللقاء الذي طال انتظاره في فترة تشهد تحولات كبيرة وتحديات معقدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. بعد سنوات من التوتر والجمود، تُعد القمة فرصة محتملة لإعادة رسم مسارات الدبلوماسية العالمية وتحديد مستقبل الصراعات الإقليمية، وفي مقدمتها الأزمة الأوكرانية المستمرة. والسؤال: ما الذي يمكن توقعه من هذا الاجتماع؟ وهل سيتمكن الزعيمان من تجاوز العقبات التاريخية وتحقيق اختراق دبلوماسي حقيقي، أم ستبقى المحادثات في إطار جسّ النبض؟

جدول الأعمال

يتوقع أن تتصدّر الأزمة الأوكرانية محادثات القمة؛ إذ يسعى الرئيس ترامب إلى التوسط لإنهاء الصراع، مع تأكيده أنه “ليس من شأنه إبرام صفقة” على نحو متعجل، بينما يركّز الرئيس بوتين على تثبيت سيطرة روسيا على الأراضي التي استولت عليها خلال العملية العسكرية. وقد طُرح مقترح لوقف إطلاق النار يتضمن تخلي أوكرانيا عن أربع مناطق ضمّتها روسيا إضافةً إلى شبه جزيرة القرم، وهو ما قوبل برفض أوكراني وأوروبي واسع، مع تأكيد على ضرورة وقف كامل لإطلاق النار كأساس لأي مفاوضات. وفي المقابل، تتحدّث أصوات أوروبية عن ضرورة الواقعية في مقاربة ملف الأراضي ضمن أي محادثات، بالتوازي مع التمسك بالمبادئ القانونية الدولية ورفض شرعنة الضمّ. لا تقتصر أجندة القمة على أوكرانيا، إذ يُنتظر أن يتناول الجانبان سبل تحسين العلاقات التجارية عبر مراجعة بعض العقوبات والتعريفات، بما قد يتيح قنوات تبادل أوسع ويخفف توترات الأسواق. كما يُرتقب بحث استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين كإشارة رمزية على رغبة في إعادة وصل المستويين الشعبي والاقتصادي. وعلى الصعيد الأمني، سيحضر ملف الاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الإرهاب والتنسيق في بؤر الصراع الأخرى، مع احتمال إعادة إطلاق حوار الحد من الأسلحة النووية، في محاولة لتثبيت أرضية مشتركة تحدّ من سباقات التسلح وتخفض منسوب المخاطر. هذا التنوّع يعكس إدراك الطرفين أن بناء الثقة يتطلب تقدّماً متزامناً في أكثر من مسار.

المعارضة الأوروبية والأوكرانية حاضرة

تُعد المعارضة الأوروبية والأوكرانية لأي اتفاق يمنح روسيا مكاسب إقليمية في أوكرانيا تحدياً كبيراً أمام مسار التسوية. فقد دعا قادة أوروبيون إلى زيادة الضغط على موسكو قبيل القمة، مؤكدين استمرار الدعم العسكري والمالي لكييف والحفاظ على الإجراءات التقييدية ضد روسيا. وفي الوقت ذاته، حذّر وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو من محاولات داخل الاتحاد الأوروبي قد تُفهم على أنها سعي لعرقلة القمة، مشدداً على أهمية الحل الدبلوماسي، ما يعكس تباينات داخلية أوروبية في أسلوب مقاربة الملف الأوكراني دون خلاف على مبدئية دعم سيادة أوكرانيا.

لا نتائج سريعة

رغم الإشارات إلى تحسّن نسبي في قناة التواصل بين موسكو وواشنطن، شدّد الكرملين على أنه “من المستحيل توقع أي نتائج سريعة” في تذكير بأن الملفات المتراكمة معقّدة ومتعددة الطبقات وتتطلب وقتاً وجهداً. وفي المقابل، وصف ترامب القمة بأنها ستكون “استكشافية”، ما يعني تفضيل تقييم المواقف وبناء أرضية للحوار المستقبلي بدل السعي إلى صفقات فورية قد تكون مرتفعة الكلفة أو قصيرة العمر.

ماذا بعد ألاسكا؟

تتوقف نتائج القمة بدرجة كبيرة على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة والتوصل إلى تفاهمات عملية. فإذا تمكن ترامب وبوتين من إحراز تقدم، قد نشهد اختراقاً دبلوماسياً محدوداً يتمثل في وقف جزئي لإطلاق النار في أوكرانيا، أو وضع خريطة طريق لمفاوضات لاحقة تتضمن إجراءات لبناء الثقة، مثل استئناف بعض الرحلات الجوية أو تخفيف القيود التجارية. أما إذا اقتصرت المحادثات على تبادل المواقف واستطلاع النوايا، فستكون القمة بمثابة لقاء استكشافي بلا نتائج ملموسة، ما يعني استمرار التوترات وبقاء الأزمة الأوكرانية دون حل. وفي أسوأ الاحتمالات، قد يتسبب فشل المفاوضات في زيادة حدة التصعيد، سواء على الجبهة الأوكرانية أو في ملفات أخرى، ما يعقّد الجهود الدبلوماسية مستقبلاً. ومع ذلك، فإن مجرد عقد القمة يعكس رغبة مشتركة في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وهو ما قد يمنح بعض الأمل في تجنّب السيناريو الأسوأ.

المشهد الجيو- سياسي

للقمة انعكاسات محتملة على عدد واسع من الملفات: العلاقات الثنائية قد تتجّه إلى تحسن محسوب عبر قنوات تجارية ومبادرات لبناء الثقة وتشجيع التبادل الثقافي؛ أما في الملف الأوكراني فنجاح محادثات وقف إطلاق النار أو رسم إطار تفاوضي على الأراضي سيؤثر في الدعم الدولي لكييف ومعادلات الردع. وعلى مستوى الأمن الاستراتيجي، قد تعيد القمة فتح نقاشات الحد من التسلح والتعاون في مكافحة الإرهاب بما ينعكس على الاستقرار الإقليمي. كما ستراقب العواصم الأوروبية وحلف الناتو مخرجات القمة عن كثب لما لها من تبعات على تماسك الموقف الغربي. اقتصادياً، ستتأثر أسواق الطاقة والتدفقات التجارية بأي تخفيف للعقوبات أو تبدّل في وتيرة المخاطر، ما قد ينعكس على الاستقرار الاقتصادي العالمي. وتختلف قراءات الخبراء حول ميزان القوة التفاوضي: يرى البعض أن واشنطن تدخل القمة من موقع أقوى ويجدر استثمار ذلك لتحقيق مكاسب لذاتها ولحلفائها، فيما يعتبر آخرون أن مجرد انعقاد القمة يمنح موسكو اعترافًا سياسيًا بدورها كقوة لا يمكن تجاوزها. وبين الرأيين، يظل المحكّ في القدرة على إنتاج مسارٍ عملي يُخفّض التوتر ويحفظ المبادئ دون فرض كُلفٍ باهظة على الاستقرار الدولي. قصارى القول، إن قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين تمثل لحظة مفصلية قد تحدد مسار العلاقات الأمريكية الروسية وتؤثر في الديناميات الجيو-سياسية الأوسع. ورغم صعوبة الملفات وتعارض المصالح، فإن تفعيل قنوات الحوار يمنح فرصة لتثبيت تفاهمات أساسية أو على الأقل لإدارة الخلافات بآليات أكثر قابلية للاحتواء. وبين اختراق محدود وتأجيل محسوب، تبقى النتائج رهينة قدرة الطرفين على موازنة المكاسب والتنازلات ضمن سقف القواعد الدولية ومتطلبات الأمن والاستقرار.
Leave a Comment
آخر الأخبار