على مسافة يومين من القمة العربية الطارئة.. غزّة تنتظر والتوقّعات بين متفائل ومتشائم.. وسوريا حاضرة

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

يومان فقط على القمة العربية الطارئة، المنطقة مازالت تشهد حراكاً تفاوضياً مكثفاً، زيارات ولقاءات واتصالات، لكن التصريحات قليلة والتسريبات شحيحة، فلا نكاد نستطيع توقع شكل ومضمون القمة، حتى بالنسبة للخطة المصرية (البديلة عن خطة ترامب) والتي من المفترض أن القمة مخصصة لها بالكامل (ومعها مستقبل حركة حماس).. وعليه لا يمكن فعلياً توقع ما ستخرج به، رغم أن التحليلات لا تتوقف حولها، وحول الحراك المرتبط بها والذي كما يبدو يتجاوز غزة إلى مجمل قضايا الإقليم الرئيسية.
هذه القضايا ليست بالضرورة أن تكون مدرجة على جدول أعمال القمة، لكنها في الوقت نفسه تؤثر فيها بصورة كبيرة، وتالياً على العنوان الرئيسي للقمة والذي هو غزة، وذلك على قاعدة «الكل المرتبط» هذا عدا عن أن مسؤولين مرتبطين بهذه القضايا سيكونون ضمن الحاضرين للقمة، كما هو متوقع، أي إنهم حاضرون قولاً وفعلاً.

الجميع متفق على أن القمة تتحمل مسؤولية تاريخية في مرحلة مفصلية بدءاً من قطاع غزة الذي سيحدد بصورة كبيرة شكل المرحلة المقبلة ومستقبل المنطقة العربية

مسؤولية تاريخية
الجميع يتفق على أن هذه القمة تتحمل أعباء ومسؤوليات تاريخية كونها تنعقد في مرحلة مفصلية للمنطقة العربية، بدءاً من قطاع غزة الذي سيحدد بصورة كبيرة شكل المرحلة المقبلة، أو لنقل إن مستقبله، وما ستخرج به القمة العربية الطارئة، سيكون الحلقة المفصلية في تحديد مستقبل المنطقة العربية ربما لمئة عام مقبلة، لنتذكر هنا عشرينيات القرن الماضي، تماماً كعشرينيات القرن الحالي، حيث رسمت تطورات العشرينيات من القرن الماضي ملامح قرن كامل، بما فيه الحرب العالمية الثانية التي قادت إلى نظام القطبين، وقسمت العالم بينهما، بما فيه منطقتنا العربية.
اليوم كل تطور في المنطقة والعالم يتم ادراجه ضمن نظام عالمي جديد يتشكل، وهو يتمظهر بشكل أساسي في منطقتنا العربية (والإقليم بالمجمل) حتى يمكن القول عملياً إن هذا النظام العالمي الجديد يكاد ينهي مرحلته الأولى في منطقتنا تحديداً. لذلك فإن السؤال المطروح فيما يخص القمة العربية الطارئة لم يعد ما هو المأمول والمطلوب من هذه القمة، بقدر ما يتركز السؤال حول كيفية تحقيق إجماع عربي حول هذا المأمول والمطلوب وبشكل يجعله قابلاً للتطبيق، وبما يقوي موقف العرب في هذه المرحلة المفصلية، فلا يُخرِجون أنفسهم بأنفسهم من عملية رسم مستقبل المنطقة، دولاً وشعوباً، وثروات هائلة.
لا شك أن المهمة صعبة جداً في ظل ما تتعرض له المنطقة من ضغوط هائلة، سواء على المستويات الداخلية أو البينية أو الخارجية، حيث إن مختلف التطورات التي تشهدها لم تصل لنهاياتها بعد، رغم أنها تسير بصورة متسارعة جداً، المهمة صعبة جداً ولكن ليست مستحيلة إذا ما كانت هناك إرادة جامعة في إدارة المرحلة، وإدراك تام لما يمكن أن يفرزه الفشل لعقود قادمة.
بحسب بيان الخارجية المصرية، الهدف من انعقاد القمّة الطارئة هو «صياغة موقف عربي متماسك وصلب وقوي بشأن القضية الفلسطينية بشكل عام، وتقديم طرح عربي عام يقابل الطرح الأميركي». وسبق أن تم تأجيل القمة من 27 شباط الماضي إلى 4 آذار الجاري، في سبيل التحضير والإعداد بصورة أكثر تمكيناً للوصول إلى هذه الموقف العربي القوي والتماسك، علماً أن التوقعات بشكل عام لا تنحو باتجاه التفاؤل خصوصاً في ظل التسريبات التي تقول إن هذا الهدف لم يتحقق ومازال «العرب عرباناً».. مع ذلك ربما لا يجوز استباق الحدث، والإسهاب في عرض التسريبات، ربما تخرج القمة بما يفاجئنا جميعاً، ربما تفوز الخطة المصرية بالإجماع المطلوب، ونجد جميع العرب يحتضنون غزة وأهلها ومستقبلها.

خطة عربية
مع ذلك لنستعرض آخر التسريبات، وهي بالعموم ليست كذلك كون الخطة المصرية باتت معروفة بكل تفاصيلها، فالتسريبات الأحدث تقول: إن القمة ستكشف عن مخطط عربي لإعمار غزة بتمويل عربي من دون إخلائها من سكانها، أي بما معناه إجماع عربي على الخطة المصرية مع بعض التعديلات بمسارات عربية.
هذه التسريبات دفعت باتجاه نوع من التفاؤل يتركز على أن خطة ترامب وتهديداته (مضافاً إليها التهديدات الإسرائيلية) استطاعت فعلياً إحداث صدمة في العالم العربي، وأن الرفض العربي لها دفع ترامب للتراجع، ويبقى أن يكتمل المسار في القمة العربية الطارئة. غير أن فريقاً واسعاً من المراقبين يرى أن ترامب لم يتراجع ولم يتخلَّ عن خطته وإنما هو «يبني على الشيء مقتضاه» وسيكون لأميركا في النهاية ما تريد.
ويشدد هذا الفريق على نقطة أساسية لا بد أن تكون حاضرة في أذهان الجميع أمام القمة الطارئة، وهي الابتعاد عن منطق البراغماتية السياسية واستحضار موازين القوى في قراءة المرحلة، على قاعدة أن المرحلة تتطلب تجنب قرارات غير محسوبة العواقب.. ولكن ألم تكن هذه حال منطقتنا على الدوام خلال قرن مضى على الأقل، أو لنكن أكثر تحديداً خلال الـ70 عاماً الماضية.. ألم يكن يُقال عند عقد كل قمة أو اجتماع عربي إنه يجب مراعاة المرحلة ومتطلباتها حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.. ألم تكن الضغوط نفسها والحراك الدبلوماسي الغربي نفسه والحضور الغربي/الأميركي/ الثقيل نفسه في كل قمة واجتماع عربي؟ أما زلنا وفي كل قمة عربية نسمع الذرائع والتبريرات نفسها التي تقود إلى بيانات ختامية بروتوكولية لا تغني ولا تسمن، وبما جعل الدول العربية خارج جميع المعادلات، رغم ما تمتلكه من إمكانيات هائلة، حتى فيما يتعلق بمستقبلها، أنظمة وشعوباً.. ألم تكن دائماً الكرة في ملعب العرب، وكان يكفي اتخاذ قرار واحد قوي ومتماسك؟ الفارق هنا أن المرحلة باتت أشد خطورة وباتت تفرض على العرب حتمية اتخاذ القرار، إما أن يكون في صلب المستقبل لمنطقتهم، أو يكونوا خارجه، وهذا كله يبدأ من غزة وكيف سيواجهون وسيديرون مستقبلها؟

ما ستخرج به القمة حول غزة سينعكس حتماً على قضايا أخرى أهمها سوريا التي تتقدم بسرعة على خط الخطر المحدق مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها

بدءاً من غزة
هذه المواجهة والإدارة، نجاحها أو فشلها، ستنعكس حتماً على كل القضايا الأخرى، خصوصاً وأن سوريا تتقدم بسرعة قياسية على خط الخطر المحدق والداهم في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أراضيها والتهديدات التي يطلقها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.
السيد الرئيس أحمد الشرع تلقى دعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور القمة العربية الطارئة، وعلى الأغلب سيلبي الدعوة وسيكون ضمن الحاضرين الذين سيتم التركيز عليهم، أولاً لأن سوريا معنية بصورة أساسية بملف غزة وبالتهديدات الإسرائيلية، وثانياً لأنه النشاط السياسي العربي الأول بهذا المستوى للرئيس الشرع ولا بد أن تكون جميع تحركاته، لقاءاته وحتى أحاديثه الجانبية والصورة الختامية… الخ، ضمن دائرة الضوء.
مع ذلك، نعود إلى مسألة أنه هذه المرة- ربما- لا يجوز استباق الحدث. هناك الكثير من المقدمات التي تشي بأن القمة قد تخرج بما هو جيد وإيجابي، لننتظر ونرَ.

Leave a Comment
آخر الأخبار