عمود سرمدا : اكتشف أسرار المدافن الأثرية في مدينة إدلب و أهم معالمها التاريخية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- علام العبد:
وسط سهل منبسط وعلى بعد ثلاثين كيلومتراً من الجهة الشمالية من مدينة إدلب، حيث الحدود السورية- التركية، وباب الهوى الذي يعد نافذة سورية على أوروبا تقع مدينة سرمدا التي تترك في نفس الناظر إليها إحساساً عميقاً بعراقة الماضي، وجمال الحاضر، فالماضي يطل برأسه من خلال أوابدها التاريخية التي تقف شاهدة على قدم الحياة في هذه المنطقة، وعلى تحدى الإنسان لعوادي الزمن، وسعيه الحثيث لمقاومة الفناء والبحث عن الخلود.

عمود سرمدا
ولعل أهم تلك الآثار عمود سرمدا الذي طافت شهرته الآفاق، حتى أصبح مضرب المثل للناس كافة في طول البلاد وعرضها وهو مدفن روماني، وحسب ما قال عنه الرحالة والباحث الراحل فايز قوصرة في كتابه “الرحالة في محافظة إدلب”، أن العمود يتألف من عمودين حجريين يرتكزان على قاعدة ضخمة ويرتفعان مسافة 16 متراً، لينتهيا بتاج كورنيشي وتتناثر حوله مغارات يعتقد أن القدامى كانوا يتخذونها مدافن لموتاهم من الأسر الميسورة.
ويشير الرحالة المرحوم قوصرة أن عمود سرمدا في أصله هو مجموعة مدافن، فهناك أربعة مدافن قبوية موجودة تحت العمود تم بناء نصب تذكاري لأحد وجهاء ونبلاء الضباط الكبار في القرن الثاني الميلادي، والنصب هو عبارة عن منصة فوقها لوحة تذكارية للتدشين حملت التاريخ 132م، وحسب الرحالة قوصرة تشير إلى أسماء بعض المدفونين في مكان العمود الذي يعد من أضخم العواميد الأثرية الضخمة في المنطقة، مشيراً إلى أن الأسماء كانت في ذلك التاريخ تخلد من خلال المدافن.
منذ آلاف السنين، كان الإنسان يدفن أحبّته وقادته وعظماءه في أماكن خاصة، يبني لهم التلال أو الحفر المميزة، ويضع داخلها الرموز والكنوز والقرابين، هذه الأماكن التي نطلق عليها اليوم ” المدافن الحجرية الاثرية” لم تكن مجرد قبور، بل كانت شاهداً على حضارات عظيمة، على معتقداتها، وعلى أسرارها الدفينة.
يشير أستاذ التاريخ مصطفى محمود معاذ، في تصريح لـ” الحرية ” أن لكل رمزاً يظهر على المدافن الحجرية القديمة له معنى، وكل معنى يقودنا إلى حكاية ممتدة عبر الزمان، فالصليب على سبيل المثال هو عبارة عن رمز روحي، يدل على أن صاحب القبر كان على ديانة أو عقيدة واضحة، وغالباً يشير إلى مكان التقديس أو علامة تخص هوية المدفون، وأما الحية، ترمز إلى الحماية والتحذير، وكثيراً ما اعتبرت إشارة إلى وجود شيء ثمين يحتاج إلى “حارس رمزي”، في حين الجرة وجودها أو رسمها علامة على وجود مقتنيات أو قرابين قد تُركت بجانب المدفون، وهي من أهم الدلائل التي يستخدمها الباحثون، وأما أثر القدم ليس مجرد رسم، بل هو دليل للاتجاه، وكثيراً ما يقود إلى باب سري أو غرفة داخلية، وبينما الأسهم هي إشارات موجهة، وكأن القدماء أرادوا أن يتركوا لنا خريطة مصغّرة تساعد الباحث على الوصول إلى ما أرادوا إخفاءه.
ويوضح معاذ أنه عندما ننظر إلى التلال المدفنية في إدلب اليوم، نحن لا نرى مجرد ركام من التراب، بل نرى آثار أجداد عاشوا وصنعوا وأبدعوا، وتركوا لنا ألغازاً لم تُحل بعد. كل حجر يحمل قصة، وكل رمز يروي حكاية، وكل علامة تقودنا إلى فهم أعمق لماضينا.
وإلى جانب عمود سرمدا هناك آثار تاريخية تفتخر بها مدينة سرمدا كقلعتها التي تبعد عن المدينة مسافة واحد كم من الجهة الجنوبية، وهي في الأصل معبد وثني قديم، تحول فيما بعد إلى كنيسة ثم إلى حصن في أيام الصليبيين ومن الآثار القريبة من المدينة برج جابر وبرج عبدالله، ودير برج عبدالله وبرج ناصر، وغيرها الكثير.

عمود سرمدا
من منزله الذي يطل على حديقة عمود سرمدا الأثري يقول الحاج محمد ديب الخيال أبو عبدو مشكورة إدارة منطقة سرمدا التي قامت بالتعاون مع جامعة الشمال الخاصة بإعادة ترميم حديقة “العمود” في مدينة سرمدا الأمر الذي انعكس إيجاباً على المنطقة وأعاد لها هذا الترميم الروح ولاسيما بعد مشروع تعبيد وتزفيت الطرقات والشوارع في حي العمود من قبل الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، وهذا المشروع حيوي خدم آلاف المدنيين في مدينة سرمدا أثناء تنقلهم وذهابهم لأداء أعمالهم اليومية.
وبيّن الخيال في تصريح لـ “الحرية”، أن وقوع بلدة سرمدا على بوابة سورية باتجاه أوروبا جعلها تشهد حركة سياحية واقتصادية لافتة يمكن الوقوف عندها والصناعة كذلك الأمر، فالمدينة تحتضن اليوم فعاليات سياحية واقتصادية سورية وتركية، وهذا ما جعلها في حركة وتواصل دائم حيث يرتادها وبشكل يومي المئات من الأصدقاء الأتراك إضافة إلى العديد من السياح الأجانب القادمين من الدول الغربية بهدف الاطلاع على أوابدها الأثرية التي تحيط بها من كل جانب .

Leave a Comment
آخر الأخبار