عواطف خلف الشاشات.. حين تتحول الحسابات الوهمية إلى قلوب نابضة

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

في زحام هذا العالم الرقمي، صارت الشاشات مرايا لقلوبنا، ومساحات نكتب فيها ما لا نستطيع قوله وجهاً لوجه، خلف الأسماء المستعارة وصور الملف الشخصي المجهولة، تتشكل علاقات تمتد عبر الكلمات والإعجابات، حيث يختلط الوهمي بالحقيقي، والصمت بالبوح.

بات الكثيرون يجدون في هذه المساحات الافتراضية مأوى لأفكارهم ومشاعرهم، فالبعض يهرب من واقع مرهق، والبعض الآخر يبحث عن أذن صاغية أو قلب متفهم، وبين كل هذا تظهر تلك الحالة التي يطلق عليها المختصون “التعلق العاطفي الرقمي” أو “العلاقات الافتراضية”، حيث تنشأ روابط وجدانية قوية دون لقاء مباشر.

أصوات من خلف الشاشات..

مريم (28 عاماً)، كاتبة محتوى، في حديثها لصحيفتنا “الحرية”، قالت: أشعر أحياناً أن القراء الذين لا أعرفهم شخصياً يفهمونني أكثر من أقرب الناس لي، هناك مَن ينتظر كلماتي ويهتم بتفاصيلي الصغيرة، وهذا يمنحني دفئاً لا أجده في حياتي الواقعية.

حسام (33 عاماً)، موظف في شركة تقنية، روى لنا بأنه تعلق لفترة بشخصية على الفيسبوك، وكان يتابع منشوراتها يومياً ويفرح بأي تفاعل منها، رغم أنه لم يتحدث معها مباشرة، إلا أن الأمر كان غريباً ومؤثراً في الوقت نفسه.

ليلى (24 عاماً)، طالبة جامعية، بينت: العالم الافتراضي أنقذها من العزلة، حيث تعرفت على أصدقاء حقيقيين من خلاله، لكنها أيضاً عانت من خيبات عندما اكتشفت أن البعض لا يشبه صورته على الإنترنت.

آراء المختصين بين الإيجابيات والمخاطر

أوضحت المرشدة النفسية يارا عباس في تصريحها لـ “الحرية” أن وسائل التواصل الاجتماعي، تمنح الأفراد فرصة للتعبير عن الذات والانفتاح على ثقافات مختلفة، وهي قد تكون أداة دعم نفسي إذا استخدمت بوعي، لكن الخطر يكمن في أن بعض الأشخاص يخلقون صورة مثالية عن الطرف الآخر، ما قد يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة عند اصطدام الخيال بالواقع.

وأضافت: التعلق العاطفي عبر الإنترنت ليس أمراً سلبياً بالضرورة، يمكن أن يكون محفزاً للإبداع، أو مصدراً للإلهام العاطفي، لكنه يصبح مشكلة حين يتحول إلى اعتماد عاطفي مفرط أو حين يعيق تكوين علاقات واقعية متوازنة.

وفي دراسات نشرها خبراء في الإعلام الرقمي، يرون أن الخوارزميات تزيد من احتمالية تعلقنا بأشخاص محددين عبر إبراز منشوراتهم باستمرار، ما يخلق شعوراً بالحميمية حتى في غياب تواصل مباشر، هذه الظاهرة معروفة في الدراسات الإعلامية باسم العلاقات أحادية الجانب الافتراضية.

بين الحقيقة والوهم..

تتعدد الأسباب التي تدفع الناس نحو هذا النوع من العلاقات، لكن العامل المشترك بينها هو الحاجة إلى الشعور بالفهم والانتماء، ومع أن هذه الروابط قد تمنحنا لحظات دفء وسط برودة الواقع، فإنها تظل هشة، معلقة بين خيوط الإنترنت، ويمكن أن تتلاشى بضغطة زر.

ويبقى السؤال: هل نحن نحب الأشخاص حقاً، أم إننا نحب الصورة التي صنعناها لهم في أذهاننا؟

Leave a Comment
آخر الأخبار