الحرية – مركزان الخليل:
الدبلوماسية السورية تنجح في خرق جدار العزلة، ليس السياسية فحسب، بل الاقتصادية أيضاً، والتي فرضت لسنوات طوال، تحكمت في مفاصل البنية الخدمية، والإنتاجية وهذه بدورها انعكست سلباً على الواقع الاقتصادي، وخدمات البنية التحتية، والمعيشية للمواطن أيضاً.
تعزيز لفرص التعاون
وما حصل من إنجازات مؤخراً، من مؤتمر البيئة مروراً بمجلس الأمن وقرار رفع العقوبات، وصولاً إلى واشنطن، وزيارة الرئيس الشرع لها، وقبل ذلك إنجازات كثيرة تؤكد جدية الدولة السورية، تواصلها مع العالم الخارجي، بقصد تعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري، وخاصة مع الدول العربية والأجنبية الصديقة، التي تحمل الجدية نفسها في التعاون ورسم خريطة طريق، يتم من خلالها ترجمة الاتفاقيات، وبروتوكولات التعاون التي وقع الكثير منها، بقصد تأمين بنية صحيحة، تبني عليها الدولة السورية، أولى خطوات إعادة إعمار البناء وفق مستويين: الأول اقتصادي والثاني بناء ما دمرته الحرب، من بنية تحتية وخدمية وغيرها.
الدبلوماسية السورية تنجح في خرق جدار العزلة وتوفر مقومات جديدة لزيادة الإنتاج المحلي وتحسين مستوى المعيشة
الرهان القادم… عودة الأموال المهاجرة
وهذا الأمر يمكن تحقيقه وفق رأي الخبير الاقتصادي “محمد الحلاق” من خلال جذب الاستثمارات الضخمة، لكنها لن تحقق المطلوب، دون تهيئة بيئة عمل مشجعة لهذه الاستثمارات، تسمح لها بنقل التكنولوجيا المتطورة، والكفاءات العلمية، التي تستثمر في هذه البيئة، وتشجعها على نقلها، ووضعها في خدمة العملية الإنتاجية التي تؤمن فرص الاستثمار، والريعية الاقتصادية المطلوبة.
لكن الأمر الذي نعول عليه جميعاً “حكومة وشعباً وفعاليات أهلية واقتصادية” هو عودة الأموال السورية المهاجرة، والخبرة والعقول العلمية، والكفاءات التي ساهمت في نمو اقتصادات بلدان مختلفة، ولكن هذا لن يتم في رأي ” الحلاق” إلا بتوفير البيئة المشجعة والتي تعتبر العنصر الأهم المساهم في زيادة سرعة دوران عجلة الإنتاج، وما يرافقها من منعكسات إيجابية على أرض الواقع، لكن نحن اليوم لا نريد فقط عودة رأس المال، بل نريدها مع عودة الفكر المنتج، فالصناعيون السوريون الذين استثمروا خارج البلاد، ونجحوا في أعمالهم بإمكانهم العودة، وممارسة أعمالهم نفسها وتحقيق النجاحات المطلوبة.
من باب الأولى بأموالنا
وبالتالي ما يحدث اليوم من اهتمام عالي المستوى من تغيير للحالة الاقتصادية الراهنة يؤكد جدية الحكومة السورية في تأمين البيئة التي نراها مشجعة لعودة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، والتي ساهمت ببناء امبراطوريات اقتصادية، من الأولى أن يكون ذلك على الأرض السورية، ومساهمتها بصورة مباشرة ببناء اقتصاد وطني، قادر على البقاء ضمن الاقتصادات العالمية، وهذا لن يتم إلا بالدخول من باب إعادة الإعمار، لما خربته سنوات الحرب من بنية تحتية وخدمية، على مبدأ ” من باب الأولى بأموالنا” للاستفادة منها في تحقيق رفاهية الشعب واستقرار الدولة.
عقلية الإدارة والشفافية المطلوبة
ويرى “الحلاق” كل ذلك يمكن تحقيقه من خلال تغيير العقلية التي تدير قوة العمل وقبلها الاستثماري، لاسيما لجهة الإدارة الشفافة والنظيفة، ومعالجة مواقع الخلل والفساد، وهذا لن يتوافر إلا من خلال عقلية خاصة تتمتع بالكفاءة العالية، وتغيير مكونات العلاقة الإنتاجية، والتي تحتاج للتعديل في معظم مكوناتها منها على سبيل المثال تعديل قانون العمل، من خلال الخبرات المتوافرة، لأنها الأكثر معرفة ودراية في المواد، التي تحتاج للتعديل، إضافة إلى تعديل قانون التأمينات الاجتماعية، والحفاظ على حقوق العمالة المشغلة لقوة الإنتاج ، ووجوب تعديله بما يتناسب وحجم العمل وخطورته، من دون أن ننسى ضريبة الدخل غير العادلة حتى الآن، وغير منصف بالنسبة للعمالة، أي إنه هناك جملة من الإجراءات تحتاج للتعديل بما يتفق مع التطورات الجديدة، والمتسارعة على المستوى الاقتصادي والخدمي وقبلها، حالة التغيير في السياسة الخارجية التي تؤمن حرية العمل فيما ذكر.
عوائد اقتصادية ينتظرها الجميع
هذا الحراك الإيجابي على المستوى الاقتصادي والسياسي خلال الفترة الأخيرة، سجل ارتياحاً هاماً، ليس على المستوى الحكومي والرسمي فحسب، بل على المستوى الشعبي والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والأهلية، أي كل مكونات المجتمع السوري، وهذا الأمر في رأي” الحلاق” لابد من تحقيق نتائج إيجابية ينتظرها الجميع، في مقدمتها دخول الاستثمارات التي من شأنها تغيير المعادلة في سوق العمل، وتحقيق الريعية الاقتصادية المطلوبة، لكن هذا بدوره يحتاج لبيئة منظمة موفرة لعناصر الربح، ومولدة لفرص الإنتاج، تتحكم بتوازن قانون السوق ” العرض والطلب” وبالتالي جملة هذه المعطيات تشكل عامل جاذب للاستثمار، لكن المشكلة الأهم التي تعترض الجميع، تكمن في تدني مستويات الدخل، فإذا لم يتم تحسين هذا المستوى، وتعزيز القدرة الشرائية وتحقيق فائض منها، والأهم مراعاة الخبرات والكفاءات الوطنية، التي رفضت مغادرة البلاد خلال سنوات الحرب، والاستفادة منها في تحريك قوة العمل الوطنية، نجد من الصعوبة بمكان تحقيق العوائد الاقتصادية المطلوبة، والتي تحاكي في أهميتها مستوى التغيير الذي يتم على كل الصعد الداخلي منها والخارجي.