بعد الحدث… خبراء يسردون خسائر الحرائق.. أكثر من مجرّد أشجار

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية– لوريس عمران:

شهدت غابات الفرنلق شمال محافظة اللاذقية خلال الأيام الماضية حريقاً واسع النطاق، أتى على مساحات شاسعة من الغطاء النباتي الكثيف، في مشهد مؤلم يختزل مأساة بيئية فادحة حلّت بإحدى أعرق الغابات السورية وأكثرها تنوعاً. وتُعدّ هذه الكارثة من أخطر ما شهدته البلاد منذ عقود، نظراً لما تمثله الغابة من إرث طبيعي وإيكولوجي فريد.

قلب أخضر نابض

أستاذ الجغرافيا وائل منصور بيّن أن غابات الفرنلق تمتد على مساحة تقارب ثلاثة آلاف هكتار، وتُصنّف كمحمية طبيعية ذات أهمية بيئية بالغة، نظراً لغناها بالنباتات والأحياء البرية. وتُعد من أبرز الغابات المتوسطية في شرق المتوسط، وتحتضن أكثر من مئتي نوع نباتي، من بينها السنديان، الزان، الزيزفون، الصنوبر، والقيقب، فضلاً عن أعشاب طبية وعطرية ذات قيمة علمية نادرة.

وأشار منصور لصحيفتنا “الحرية” إلى أن الغابة تؤوي أنواعاً متعددة من الثدييات الصغيرة، مثل السنجاب والثعلب وابن آوى، إلى جانب طيور نادرة، بعضها مهاجر وبعضها مستوطن، ما جعلها موئلاً بيئياً مهماً ومقصداً دائماً للباحثين وعشاق الطبيعة.

الرياح ووعورة التضاريس فاقمتا من توسّع الحريق

أفاد مصدر في مديرية الزراعة في اللاذقية لـ”الحرية” أن فرق الإطفاء والجهات المعنية سارعت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحريق إلى تطويقه والحد من انتشاره، غير أن الرياح النشطة ووعورة التضاريس الجبلية أسهمتا في تمدد ألسنة اللهب بسرعة خارجة عن السيطرة.
وأوضح أن الجهود تواصلت عبر وسائل أرضية وجوية في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الغطاء النباتي والحيوانات البرية.

يصعب تعويضها

وأكد الاختصاصي في علوم الغابات الدكتور رائد نعمان ، أن غابة الفرنلق تمثّل نظاماً بيئياً متكاملاً في شمال الساحل السوري، وأن فقدان جزء كبير من هذا النظام سيترك أثراً عميقاً على المناخ المحلي، ودورة المياه، والتوازن الحيوي في المنطقة.
وقال: إن الضرر الذي لحق بالتنوع النباتي والحيواني يتطلّب سنوات من العمل العلمي الدؤوب لاستعادته.

وأشار نعمان إلى أن الحريق لم يدمّر الأشجار فقط، بل أتى كذلك على الطبقة السطحية من التربة، الغنية بالمواد العضوية، ما يعني أن إعادة التوازن الطبيعي ستحتاج إلى تدخلات دقيقة ومستمرة تراعي هشاشة الوضع البيئي الراهن.

إعادة تأهيل بيئي شامل

من جانبه أكد الخبير في إدارة الموارد الطبيعية المهندس سامي درويش أن ما خسرته سوريا في الفرنلق لا يُقاس بعدد الأشجار وحده، بل بفقدان جزء أصيل من شخصيتها البيئية وذاكرتها الطبيعية.
ودعا درويش إلى إطلاق مشروع وطني شامل لإعادة تأهيل الغابة، عبر برامج للتشجير التدريجي، وحماية التربة، وتثبيت النظم الإيكولوجية المتضررة، مبيناً أن النجاح في ذلك يتطلب تعاوناً علمياً ومجتمعياً متكاملاً.

الأمل لا يزال ممكناً

يشير اختصاصيون إلى أن رغم هول الكارثة، لا يزال الأمل قائماً في استعادة الحياة إلى ما تبقّى من الغابة. فالنظم الطبيعية تملك قدرة كامنة على التجدد، إذا ما حظيت بالعناية والصبر والتخطيط الرشيد.

ويؤكد الخبراء أن البداية لا بدّ أن تكون من توثيق علمي دقيق للأضرار، تليه خريطة طريق واضحة للتأهيل البيئي، تستند إلى الخبرة الأكاديمية والمشاركة المجتمعية، لتبقى الفرنلق شاهداً حيّاً على قدرة الأرض السورية على النهوض، مهما اشتدت المحن.

ستبقى الفرنلق، برغم الرماد، نداءً أخضر في ذاكرة الوطن، يحتاج إلى من يصغي إليه، ويعيد له الحياة.

Leave a Comment
آخر الأخبار