الحرية – محمد فرحة:
منذ أكثر من خمس سنوات ونيف، بدأ إنتاجنا من القمح بالتراجع التدريجي، وكان يقابل ذلك التصريح تلو التصريح من قبل بحوثنا العلمية الزراعية بأنها توصلت إلى استنباط بذار قمح مقاوم للجفاف، ويتلاءم مع البيئة وبمردود عالي الإنتاج، وهذه “المعزوفة” ما زلنا نسمعها من المعنيين عن الشأن العلمي الزراعي .
وكانوا يؤكدون أنه تم اعتماد هذا الصنف، مع تحفّظ مبطّن مؤداه أنه لا يمكن أن يكون مردود وحدة المساحة في الحقول المفتوحة لدى المزارعين كما هو في الحقول البحثية الزراعية، وهذا الكلام لا غبار عليه حقيقة، لكن في أضعف الإيمان يجب أن يكون مردود الدونم لا يقل عن الـ٤٠٠ـ كيلو، وإذ به لدى المئات، إن لم نقل الآلاف، لا يتعدى المئتي كغ وأحياناً أقل، وفقاً لما ذكره مهندس زراعي بأن إنتاج الدونم كان لديه حوالي الـ٣٠ـ كغ في العام الماضي والذي سبقه، رغم أن العامين الماضيين لم يشهدا جفافاً كما هو هذا العام.
فهل هذا هو القمح الذي يقاوم الجفاف والملائم للبيئة؟!
المهندس الزراعي عماد حسن يعمل مشرفاً في رابطة مصياف الفلاحية، أوضح لـ”الحرية” أن إنتاج هذا العام هو الأكثر سوءاً لجهة تراجع الإنتاج في وحدة المساحة، رغم أن البعض قام بسقاية المحصول وقد لا يختلف الوضع عن الذي لم يروَ إلاّ قليلاً.
غير أن السؤال الكبير من بين كل الأسئلة التي تقفز للواجهة هو: هل تمعن أحد جيداً منذ سنتين في جودة البذار ونسبة إنباته ومردوده؟
العديد من المزارعين، بل مدير مصرف زراعي قال لنا بأن مصرفاً زراعياً مجاوراً استلم بذاراً غير جيدة لا لجهة الغربلة ولا لجهة النقاوة والإشكالية الفنية الأخرى، ما يشي بأن هناك أمراً ما يتعلق بنوعية البذار، وما التصريحات التي كانت تقال طيلة السنوات الثلاث الماضية إلا تبرير ودليل على ما خفي من وراء كل ذلك.
وإذا كان بعض الظن إثم، فإن بعضه من الفطنة، أما الحكمة الثانية فتقول: قد يكون 1% من الشك هو الحقيقة كاملة.
من هنا نرى أهمية التحقيق والتدقيق في نوعية البذار أقل ما يمكن الشك في سلامته وصحته وجودته، ومن نافل القول أن أشير هنا إلى أنه قبل سنوات عدة من الآن تم توزيع بذار شكا منه المزارعون وبالتحليل المخبري في مخابر طرطوس كما أذكر جيداً، كانت النتيجة تدني نسبة الإنبات، وكان المحصول يومها بذار الشوندر السكري المستورد.
فالقضية اليوم أنه لم يُعد مقبولاً اتهام المتغيرات الجوية والمناخ. صحيح أن هذه الظروف لم تكن فردوساً، لكنها لم تكن السبب الجوهري المطلق، هي سبب من مجموعة أسباب، فالمشكلة تكمن في نوعية البذار، قد يكون خليطاً من أصناف أخرى، وهذا قد يكون من خارج القطر لأسباب تدخل في حروب الأمن الغذائي.
بالمختصر المفيد: كفى تبريرات ولم تعد مقبولة تلك التبريرات وإلصاق التُهم بالظروف الجوية.
هي أحد الأسباب لكنها ليست كلها، فإلى متى نبقى نتهم ونصنع الحجج والذرائع الجاهزة والمسبقة الصنع؟!