الحرية- سامي عيسى:
حسابات بسيطة مع القليل من المراجعة لواقع صناعتنا الغذائية، على المستويين العام والخاص، وأهميتها ضمن التركيبة الاقتصادية والاجتماعية، ندرك تماماً حجم اتساعها، وقوة إنتاجها، ورؤوس الأموال المستثمرة بها، والأهم انتشارها الجغرافي، حيث يكاد لايخلو حي أو حارة من عدة منشآت تعمل في مجال التصنيع الغذائي، باعتبارها الصناعة التي لا يمكن الاستغناء عنها، فهي مكون ربحي لرأس المال، ومساحة تشغيل لليد العاملة، وإنتاجها استهلاكي وسريع..
هذا من باب الحسابات والأهمية، ومساحة الانتشار وغيرها، “لكن ماذا عن الواقع الذي تعمل فيه..؟” خاصة أنه هناك آلاف الورشات المرخص منها والعشوائي، تعمل ضمن شروط تصنيعية ليست بالمستوى المطلوب، نشطت خلال سنوات الأزمة بعد تدمير وتخريب الآلاف منها في المناطق والمدن الصناعية، وحتى في الأحياء والحارات الشعبية، واليوم زاد نشاطها أكثر، مع دخول مواد وسلع غذائية مشابهة لها إلى الأسواق، معظمها مجهولة المصدر، ومخالفة للجودة المطلوبة، وأسعار رخيصة، غزت أسواقنا المحلية على امتداد جغرافيا الوطن، الأمر الذي أثر سلباً على الحالة الاقتصادية والتصنيعية لهذا المكون الصناعي، وخروج الكثير من المنشآت من ميدان العمل، وهذه مشكلة خطيرة تشكل تحدياً كبيراً أمام الحكومة وأهل القرار والعاملين في هذا القطاع..؟!
وبالتالي هذه حقيقة تجاهلها صعب، بغض النظر عن طبيعة الظرف الذي تمر به البلاد، لأنها تتعلق بالغذاء، وصحة المواطن بصورة مباشرة، وتلامس معيشته اليومية، ولهذه الأسباب وغيرها، لابد من اجراءات فورية على مستوى الحكومة، تحمل في مضمونها إعادة نظر بواقع الصناعة الغذائية المحلية، وما تتعرض له من منافسة شديدة في الأسواق، ليس لجهة دخول منتجات منافسة بالسعر والجودة، بل لسلع سيئة تدخل القطر تهريباً مستغلين، تدني مستويات الدخل، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، واتجاهه نحو الأرخص بغض النظر عن الجودة وصلاحية الاستهلاك..!
لذلك لابد من قوننة هذه الظاهرة، ومعالجة ثغراتها بصورة تؤمن واقع الصناعة الغذائية، من خلال اجراءات جدية لمكافحة التهريب، وفرض رسوم جمركية على المنتجات المستوردة، مع اجراءات أخرى لا تقل أهمية عما ذكر، تتعلق بتبسيط إجراءات التصنيع المحلي، وتنشيط قوانين استثمار مشجعة، لتحقيق تموضع جديد للتصنيع الغذائي، يحدد من خلاله تنظيم آلاف الورش والمنشآت العاملة في القطاعين العام والخاص، وفق تكاملية تصنيعية تفرض خريطة واسعة الانتشار، يحمل مضمونها خبرات وكفاءات عالية المستوى، وفق اعتبارات جديدة تتوافق مع أهداف واتجاهات المرحلة القادمة، وتركز في نفس الوقت على استثمار العقل البشري ومكون خبراته، على اعتبار أن هذا الجانب من التصنيع، يشهد للخبرة السورية بالتميز والكفاءة الإنتاجية والتسويقية، والتي عززت مكانتها توافر مكونات الإنتاج الزراعي منها والحيواني، التي تعتبر سوريا من أكثر البلدان تنوعاً بموادها ومواردها ..!
وما نقوله بكل “أسف” هذا الجانب من الصناعة الوطنية، يحتاج لإعادة ترتيب من جديد، وخاصة بعد الخلل الكبير في إدارته، وحالات التشوه التي أصابت بنيته، وفرضت حالة تفكك، وضعف الانسجام فيما بين القطاعين العام والخاص، والعيش بواقع تصنيعي غاية في الخطورة، يحمل تهديد التهريب، وفقدان العمالة الخبيرة، والكفاءات العلمية المتخصصة، ونقص رؤوس الأموال، وهروب الخبرات إلى الأسواق الخارجية، وحالات الفساد وكميات الهدر الكبيرة في معظم مفاصل العمل، وغير ذلك كثير..!
كل ذلك يشكل معضلة حقيقية أمام الحكومة، تحتاج لحلول سريعة، حتى لا نضيع بوصلة التصنيع الغذائي، الذي يحمي أسواقنا المحلية والمواطن على السواء، فهل تفعلها الحكومة وتضع إستراتيجية إنقاذ وطنية لهذا القطاع..؟!
قادمات الأيام تحكي لنا إجراءات الحماية..