غزة تحت المجهر الدولي.. هل تنجح القوة الأممية في ملء فراغ ما بعد الحرب؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- أمين سليم الدريوسي:
بعد عامين من الحرب المدمرة في قطاع غزة، ومع صمود هش لوقف إطلاق النار منذ 13 يوماً، بدأت ملامح مرحلة جديدة تتشكل على وقع تحركات دبلوماسية مكثفة تقودها واشنطن، وتتمحور حول فكرة نشر قوة دولية لإدارة القطاع الفلسطيني في مرحلة انتقالية.
هذه القوة، التي يُراد لها أن تكون عربية-إسلامية الطابع، تواجه منذ لحظة ولادتها تحديات سياسية وقانونية وأمنية معقدة، تبدأ من الحاجة إلى تفويض أممي، ولا تنتهي عند الرفض الإسرائيلي لبعض مكوناتها.

تفويض أممي

في تصريحات لافتة، شدد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، على أن أي قوة دولية ستنتشر في غزة يجب أن تحظى بـ”حصانة أممية” وتفويض من مجلس الأمن، هذا المطلب لا يعكس فقط حرص القاهرة على حماية جنودها المحتملين من أي مساءلة قانونية، بل يشير أيضاً إلى إدراك عميق لحساسية الانتشار العسكري في منطقة ما تزال تحت الاحتلال من منظور القانون الدولي، وتعيش حالة من الانقسام السياسي الداخلي.
رشوان أوضح أن “لا دولة يمكن أن تذهب إلى منطقة صراع بهذا القدر من الدمار دون سند وقرار دولي”، مضيفاً: “القبول الفلسطيني” عنصر لا غنى عنه في أي ترتيبات أمنية مقبلة. هذا الموقف يعكس إدراكاً مصرياً لتجارب سابقة فشلت فيها مبادرات أمنية بسبب غياب الغطاء القانوني أو التوافق المحلي.

من يشارك في القوة الدولية؟

حتى الآن، أبدت عدة دول استعدادها للمشاركة في القوة المقترحة، أبرزها مصر وتركيا وأذربيجان وإندونيسيا، وسط تقارير عن إمكانية انضمام الأردن وقطر والإمارات والمغرب. وتشير التقديرات إلى أن قوام هذه القوة قد يبلغ نحو 4000 جندي، يتوزعون على مهام أمنية وإدارية، ويدعمون الشرطة الفلسطينية التي ستُعاد هيكلتها بعد إخضاع أفرادها لتدقيق أمني دولي.
اللافت أن هذه التشكيلة تعكس توازناً جغرافياً وسياسياً بين دول عربية وإسلامية، بعضها يحتفظ بعلاقات مع إسرائيل، وبعضها الآخر يتخذ مواقف أكثر نقداً لها.
هذا التوازن قد يكون مقصوداً لتقليل حساسية الانتشار العسكري في غزة، وضمان قبول أوسع من الأطراف الفلسطينية والدولية.

الفيتو الإسرائيلي

رغم أن إسرائيل ليست طرفاً مباشراً في تشكيل القوة، إلا أن موقفها يبقى مؤثراً، خاصة في ظل التنسيق الوثيق مع واشنطن.
رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألمح بوضوح إلى رفضه مشاركة تركيا، قائلاً: “لدي آراء قاطعة حول ذلك.. هل تريد أن تخمن ما هي؟”. هذا التصريح، وإن جاء بصيغة ساخرة، يعكس تحفظاً إسرائيلياً على دور أنقرة، التي لطالما دعمت حماس سياسياً، وتوترت علاقاتها مع تل أبيب في أكثر من محطة.
الرفض الإسرائيلي قد لا يقتصر على تركيا، بل قد يمتد إلى أي عنصر في القوة يُنظر إليه كغير محايد أو كتهديد محتمل، وهذا يطرح سؤالاً محورياً: هل يمكن تشكيل قوة دولية فعالة دون موافقة إسرائيل، خاصة أن السيطرة على المعابر والحدود لا تزال بيدها؟

نزع السلاح وتدويل الإدارة

المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة، والتي كُشف عنها الشهر الماضي، تشكل الإطار السياسي الأوسع لهذه التحركات، الخطة تنص على نزع سلاح حماس، وتشكيل لجنة فلسطينية بإشراف دولي لإدارة القطاع، مع نشر قوة دولية تدعم الشرطة الفلسطينية.
هذا التصور يعكس رغبة أميركية في إعادة هندسة المشهد الأمني والسياسي في غزة، عبر تقليص نفوذ حماس، وتعزيز دور السلطة الفلسطينية أو بدائلها، تحت مظلة دولية.
لكن نجاح هذا السيناريو يتوقف على عدة عوامل، أبرزها: مدى استعداد حماس للتخلي عن سلاحها، وموقف الفصائل الفلسطينية الأخرى، ومدى قدرة القوة الدولية على فرض الاستقرار دون أن تُستنزف في صراعات محلية.

تحديات التنفيذ

رغم الزخم الدبلوماسي، فإن تشكيل قوة دولية لغزة يواجه تحديات حقيقية:
– أولاً، غياب توافق فلسطيني داخلي حول طبيعة المرحلة الانتقالية، ودور الفصائل فيها.
– ثانياً، تعقيدات قانونية تتعلق بالتفويض الأممي، خاصة في ظل انقسامات داخل مجلس الأمن.
– ثالثاً، حساسية الدور التركي، واحتمال اعتراض إسرائيل على بعض مكونات القوة.
– رابعاً، المخاوف من أن تتحول القوة إلى أداة لإدارة الانقسام الفلسطيني بدلاً من إنهائه.

هل تنجح التجربة؟

القوة الدولية المقترحة لإدارة غزة ليست مجرد ترتيبات أمنية، بل اختبار لإرادة المجتمع الدولي في إعادة بناء القطاع على أسس جديدة، نجاحها يتطلب أكثر من تفويض أممي، يتطلب توافقاً فلسطينياً، ومرونة إسرائيلية، وضمانات سياسية للدول المشاركة.
خلاصة القول، غزة لا تحتاج فقط إلى جنود لحفظ الأمن، بل إلى رؤية شاملة تعيد للقطاع كرامته، وتمنح سكانه أملاً في مستقبل لا تحكمه البنادق وحدها، فهل تكون هذه القوة الدولية بداية طريق جديد، أم مجرد محطة أخرى في مسلسل إدارة الأزمة؟

Leave a Comment
آخر الأخبار