غياب التمويل المؤسسي الفعال أهم العقبات.. الاستثمارات السورية بين تجاذبات الفرص والمعوقات البنيوية

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- منال الشرع:

على الرغم من التحديات التي تواجهها سوريا، فإن الفرص الاستثمارية المتاحة تجعل منها وجهة مثيرة للاهتمام للمستثمرين، ولاسيما في ظل الحاجة الماسة لإعادة بناء البنية التحتية والمرافق العامة، ما يوفر فرصاً كبيرة للمستثمرين في مجالات البناء والتطوير العقاري والطاقة والمياه والصرف الصحي.
بناء عليه، تسعى الحكومة السورية إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تقديم حوافز وتسهيلات، مثل الإعفاءات الضريبية وتسهيل إجراءات التسجيل والترخيص، كجزء من السياسات تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال وتعزيز النمو الاقتصادي.
ومؤخراً أعلنت هيئة الاستثمار السورية –باعتبارها داعمة ومساعدة على إنجاح المشاريع الاستثمارية وتحفيزها- عن مجموعة من المشاريع الإستراتيجية الكبرى وعددها 12 مشروعاً، بقيمة إجمالية تبلغ 14 مليار دولار أميركي، لافتة إلى أن هذه المشاريع ليست مجرد استثمارات عقارية أو بنى تحتية، بل هي محركات لتوليد فرص العمل، وجسور ثقة بين سوريا والمستثمرين العالميين، وبذلك يُفتح الباب نحو مستقبل من التعاون، يقوم على أسس من القانون والشفافية، والانطلاق في طريق التعافي وإعادة البناء.

قوشجي: بدأت بعض الاستثمارات الإقليمية تتجه نحو السوق السورية سواء عبر مشاريع إعادة الإعمار أو من خلال شراكات تجارية محدودة

خصائص فريدة

وفي حيث الاستثمار وأهمية السوق السورية وجاهزيتها، قال الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي لـ”الحرية” : تتمثل أهمية السوق السورية في كونها بيئة خصبة لإعادة البناء الاقتصادي، خاصة بعد سنوات من التراجع الحاد في الإنتاج، وتفكك سلاسل القيمة، وتآكل الثقة المؤسسية. ورغم محدودية حجمها مقارنة بأسواق إقليمية أخرى، إلّا أنها تملك خصائص فريدة تؤهلها للعب دور محوري في الاقتصاد الناشئ، منها:
• الطلب المحلي المتراكم نتيجة سنوات من الانكماش، ما يخلق فرصاً واسعة لإعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية والخدمية.
الطاقة البشرية الكامنة، خاصة في فئة الشباب، والتي يمكن توظيفها في مشاريع ريادية وتقنية.
و المرونة المجتمعية في التكيف مع الأزمات، ما يعزز من قدرة السوق على امتصاص الصدمات وإعادة التشكّل.
لكن هذه الإمكانات تبقى رهينة لمدى قدرة السياسات الاقتصادية على توفير بيئة استثمارية جاذبة، وتحرير السوق من القيود التي تكبّلها.

تأثير الاستثمارات الإقليمية

ويضيف قوشجي: في السنوات الأخيرة، بدأت بعض الاستثمارات الإقليمية تتجه نحو السوق السورية، سواء عبر مشاريع إعادة الإعمار، أو من خلال شراكات تجارية محدودة، هذه الاستثمارات تحمل في طياتها فرصاً واعدة، أبرزها:
أولاً: نقل التكنولوجيا والمعرفة المؤسسية من دول المهجر يمكن للمهاجرين السوريين نقل خبرات متقدمة في الإدارة والتشغيل
ثانياً : توسيع قاعدة التمويل عبر دخول رؤوس أموال جديدة قادرة على تحريك عجلة الإنتاج.
ثالثاً: فتح قنوات تصديرية جديدة تربط السوق السورية بالأسواق الإقليمية، وتعيد دمجها في سلاسل القيمة.
ومع ذلك، فإن تأثير هذه الاستثمارات يبقى محدوداً ما لم يُرافق بسياسات وطنية واضحة تضمن التوازن بين جذب رأس المال الخارجي وتمكين الشركات المحلية، وتحمي السوق من التحول إلى مجرد منفذ استهلاكي لرؤوس الأموال الإقليمية دون قيمة مضافة حقيقية.

معوقات تحدّ من النهوض

وحسب قوشجي، فإنه ورغم وجود طاقات إنتاجية كامنة، إلّا أن الشركات السورية تواجه مجموعة من المعوقات البنيوية التي تعرقل نموها، أبرزها:
• غياب التمويل المؤسسي الفعّال، حيث يعاني القطاع المصرفي من ضعف في أدوات الإقراض والاستثمار، ما يحدّ من قدرة الشركات على التوسع.
• البيئة التشريعية غير المستقرة، والتي تفتقر إلى الوضوح والشفافية، وتُثقل كاهل الشركات بالروتين والرسوم غير المدروسة.
• ضعف البنية التحتية الرقمية واللوجستية، ما يعوق قدرة الشركات على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.
• الاحتكار القطاعي الذي يمنع دخول لاعبين جدد ويكرّس التركز الاقتصادي بيد فئات محدودة.
• انخفاض الثقة بين القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، نتيجة تراكمات تاريخية من التهميش والرقابة غير المنتجة.
هذه المعوقات لا يمكن تجاوزها إلّا من خلال إصلاحات جذرية تعيد الاعتبار لدور القطاع الخاص، وتؤسس لاقتصاد تنافسي قائم على الإنتاجية والشفافية نحو سوق سورية فاعلة في الاقتصاد الإقليمي
إنّ السوق السورية، رغم التحديات، تملك مقومات التحوّل إلى فاعل اقتصادي إقليمي إذا ما تم تحريرها من القيود البنيوية، وتوجيه الاستثمارات الإقليمية نحو بناء القدرات المحلية، وتمكين الشركات السورية من النهوض والمنافسة. فالمستقبل الاقتصادي لسوريا لا يُبنى فقط على رأس المال، بل على الإرادة المؤسسية، والعدالة السوقية، والقدرة على الابتكار في بيئة حرة ومنفتحة.

إطار قانوني مرن

جدير بالذكر، أنّ قانون الاستثمار الجديد في سوريا، المرسوم رقم 114 لعام 2025، يهدف إلى تعزيز البيئة الاستثمارية عبر إطار قانوني أكثر مرونة، ضمانات واضحة، وحوافز اقتصادية وجمركية، بالتوازي مع تحديث المفاهيم وصوغ بنية قانونية عصرية، وهيكلة مؤسساتية جديدة لتسريع الإجراءات وتسهيل التراخيص. يهدف القانون إلى جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، وتشجيع الاستثمارات لخلق بيئة أكثر ثقة واستقراراً لدفع الاقتصاد.
ومن أبرز النقاط في القانون الجديد، تحديث المفاهيم والبنية القانونية حيث يتم تحديث المفاهيم القانونية لتواكب الواقع الاقتصادي الجديد، وتُصاغ بنية قانونية عصرية لتعزيز بيئة الاستثمار وأن سوريا منفتحة للاستثمار، ومستعدة للعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء الموثوقين لكتابة فصل جديد من النهوض والبناء لتشكل نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية.

Leave a Comment
آخر الأخبار