الحرية_ رشا عيسى:
وصف الخبير في الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية الدكتور هشام خياط في حديث لـ”الحرية” قرار إلغاء قانون قيصر بأنه تحول تاريخي ومفصلي في المسار الاقتصادي السوري، مؤكداً أنه ينهي واحدة من أكثر أدوات العقاب الجماعي قسوة، ويمهد لمرحلة جديدة من التعافي وإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
وجاء ذلك عقب توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قانون موازنة الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA)، الذي تضمّن إلغاءً كاملاً ودائماً لقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، بعد سنوات من الجدل حول آثاره الاقتصادية والإنسانية.
عبء على حياة السوريين
وأوضح الدكتور خياط، الذي عمل لسنوات مع منظمات دولية في تقييم أثر العقوبات على دول ما بعد النزاعات، أن قانون قيصر، رغم أهدافه المعلنة، ألحق أضراراً مباشرة بالاقتصاد السوري والمجتمع أكثر مما أحدث تغييراً سياسياً فعلياً في مراحله الأخيرة.
وأضاف: إن العقوبات الواسعة التي فُرضت منذ عام 2019 شملت قطاعات حيوية كـالطاقة والبناء والخدمات المالية، ما أدى إلى: تجميد الاستثمارات الأجنبية، وتسارع التضخم وانهيار العملة، وتراجع حاد في الخدمات الأساسية، واتساع رقعة الفقر والبطالة.
وأشار إلى أنه بعد سقوط النظام السابق في كانون الأول 2024، لم يعد لاستمرار هذه العقوبات أي مبرر عملي، بل أصبحت عائقاً أمام تعافي السوريين وإعادة إعمار بلدهم.
216 مليار دولار لإعادة الإعمار
وبحسب تقديرات البنك الدولي، تحتاج سوريا إلى أكثر من 216 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو رقم كان من المستحيل الاقتراب منه في ظل قانون قيصر، وحسب ما افاد به خياط فإن الإلغاء الدائم للقانون يرفع الحاجز القانوني الأكبر أمام دخول رؤوس الأموال والشركات الدولية، ويمهد لعودة سوريا إلى شبكات التمويل والتجارة العالمية.
فرصة للحاق بالتحولات الاقتصادية
وشدد خياط على أن الفرصة المتاحة اليوم لا تقتصر على إعادة البناء التقليدية، بل تمتد إلى ردم الفجوة التقنية والاقتصادية التي اتسعت خلال أكثر من 14 عاماً من الحرب والعزلة، مشيراً إلى أن سوريا تأخرت عن موجات عالمية كبرى، أبرزها: الاقتصاد الرقمي، الذكاء الاصطناعي.
وأضاف إن الأشهر المقبلة قد تشهد اندفاعاً استثمارياً خليجياً وعربياً، خاصة في قطاعات الطاقة، النقل، والتجارة، إلى جانب شراكات محتملة مع دول آسيوية وأوروبية.
متى ينعكس القرار على حياة المواطن؟
وحول التساؤل الشعبي الأبرز، قال الدكتور هشام خياط: إن المواطن السوري لن يلمس التغيير فوراً، بل بشكل تدريجي: خلال 3–6 أشهر سنلحظ تحسناً نسبياً في سعر الصرف، انخفاضاً جزئياً في التضخم، وتسهيل التحويلات والاستيراد.
وخلال 6–18 شهراً: بدء مشاريع إعادة الإعمار، توفير فرص عمل جديدة، وتحسن خدمات الكهرباء والوقود.
وخلال 2–5 سنوات: نمو اقتصادي مستدام، انخفاض البطالة والفقر، وتقليص الفجوة مع اقتصادات المنطقة.
عودة اللاجئين مكسب طويل الأمد
وأشار خياط إلى أن عودة أكثر من مليون لاجئ حتى الآن تمثل رافعة اقتصادية مهمة على المدى المتوسط، لكنها في المدى القصير تفرض ضغطاً إضافياً على الخدمات والبنية التحتية، ما يتطلب إدارة حكومية فعالة.
ورغم أهمية القرار، إلا أن الخبير الاقتصادي “خياط” يحذر من أن الاستفادة القصوى منه مرهونة بالإصلاحات الداخلية، موضحاً أن القانون الجديد يفرض تقارير دورية للكونغرس الأميركي بشأن مكافحة الإرهاب، الفساد، وغسيل الأموال، إضافة إلى حماية حقوق الأقليات.
وأكد أن الحكومة السورية الانتقالية مطالبة بـ: تحسين مناخ الاستثمار، تعزيز الشفافية وسيادة القانون، محاربة الفساد بجدية، دعم المصالحة الوطنية.
كما لفت الخبير الاقتصادي إلى أن إلغاء قانون قيصر ليس نهاية التحديات، بل بداية فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة، مشدداً على أن النجاح يتطلب عملاً منظماً وصبراً مجتمعياً ودعماً دولياً مستداماً ، والأن أنتهى فصل العقوبات، وبدأ فصل المسؤولية، فالباب فُتح، لكن العبور يتطلب رؤية وإدارة حكيمة.