فرص استثمارية بهوية مختلفة تفرض سؤالاً بحجم اقتصاد وطن: كيف نستفيد منها لتسريع دوران عجلة الإنتاج؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مركزان الخليل:

من الواضح أن الحكومة السورية جادة في تواصلها مع الخارج، بقصد تعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري، وخاصة مع الدول العربية والأجنبية الصديقة التي تحمل نفس الجدية في التعاون ورسم خريطة طريق، تتم من خلالها ترجمة الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون التي وقع الكثير منها، بقصد تأمين بنية صحيحة تبني عليها الدولة السورية أولى خطوات إعادة إعمار البناء وفق مستويين: الأول اقتصادي، والثاني بناء ما دمرته الحرب من بنية تحتية وخدمية وغيرها..

لكن هذا الأمر لا يقتصر على جذب الاستثمارات، بل يحتاج بيئة عمل مشجعة لهذه الاستثمارات تسمح لها بنقل التكنولوجيا المتطورة، والكفاءات العلمية التي تستثمر في هذه البيئة، وتشجعها على نقلها ووضعها في خدمة العملية الإنتاجية التي  تؤمن فرص الاستثمار والريعية الاقتصادية المطلوبة…

توفير منصة واضحة المعالم توضع فيها الفرص الاستثمارية المتوافرة تتمتع بالمصداقية الكاملة.. إلى جانب الاستعداد الحكومي لاستقبال كل الخبرات..

عنصر مهم

والمعول هنا على عودة الاستثمارات السورية المهاجرة إلى سوق العمل المحلي هي البيئة المشجعة التي يرى فيها الخبير الاقتصادي “محمد الحلاق”  خلال تصريحه لصحيفتنا “الحرية”عنصراً مهماً يسهم في سرعة دوران عجلة الإنتاج، وما يرافقها من منعكسات إيجابية على أرض الواقع، لكن نحن اليوم لا نريد فقط عودة رأس المال، بل نريدها مع عودة الفكر المنتج، فالصناعيون السوريون الذين استثمروا خارج البلاد، ونجحوا في أعمالهم بإمكانهم العودة، وممارسة أعمالهم نفسها وتحقيق النجاحات المطلوبة، وبالوقت نفسه الخبرات السورية التي هاجرت يكون لها موطئ قدم في البلد، وممارسة خبراتها، وهذا لن يتم إلا من خلال تهيئة الظروف، والبيئة المطلوبة، منها على سبيل المثال، توفير منصة واضحة المعالم توضع فيها الفرص الاستثمارية المتوافرة، الحكومي منها والخاص، تتمتع هذه المنصة بالمصداقية الكاملة، إلى جانب الاستعداد الحكومي لاستقبال هذه الخبرات، وتقديم كل أشكال الدعم والتشجيع..

عقلية خاصة

وأضاف الحلاق: الحكومة جادة في تأمين ذلك، لكنها بتصوري بطيئة بعض الشيء، وإذا أدارت الأمور بعقلية الحكومة السابقة، لن نستفيد شيئاً، والمطلوب العمل بعقلية خاصة تتمتع بالكفاءة العالية، وهناك الكثير من النقاط المفيدة والمهمة، من الضرورة الإضاءة عليها وتعديلها، في مقدمتها: قانون العمل من خلال الخبرات المتوافرة، لأنها الأكثر معرفة ودراية في المواد التي تحتاج للتعديل، إضافة إلى نسبة التأمينات الاجتماعية، وحقوق العمال في التأمينات الاجتماعية التي يتم تسديها شهرياً، ووجوب تعديلها بما يتناسب حجم العمل وخطورته، من دون أن ننسى ضريبة الدخل غير العادلة حتى الآن، وغير المنصفة بالنسبة للعمالة، أي أن هناك جملة من الإجراءات تحتاج للتعديل بما يتفق مع التطورات الجديدة..

الحلاق: استقرار سوق القطع المكون الأهم لجذب الاستثمارات المهاجرة والقادمة من دون تجاهل دور الدولة في عملية ضبط الإيقاع واستقرار السوق..

لا نريد الاستعجال

ويرى الحلاق أن المشكلة ليست بعودة الأموال والاستثمارات المهاجرة، بقدر ما هو متعلق ببيئة العمل الواجب توفيرها، لتنشيط بيئة الاستثمار والعمل بحرية، ولكن بالمقابل لا نريد الاستعجال بقدر ما نريد تحسين بيئة العمل، وحل كل المشكلات المرتبطة بقوانين العمل، وحقوق العمالة وغيرها من الإجراءات الضريبية والمالية، وخاصة ما يتعلق بموضوع استقرار سوق القطع، وهو العنصر الأهم لجذب الاستثمارات المهاجرة والقادمة، من دون تجاهل دور الدولة في عملية ضبط الإيقاع واستقرار السوق، ووضوح استقرار مسار سعر القطع الأجنبي، إلى جانب إلزام الفعاليات العمل في المدن الصناعية، وغيرها من الإجراءات التي تشكل عامل جاذب للاستثمار المحلي والخارجي..

فوائد منتظرة

وبالتالي دخول هذه الاستثمارات إلى سوق العمل لابدّ من فوائد ينتظرها الشارع السوري، يراها الخبير الاقتصادي “الحلاق” في قضايا عدة تبدأ من جاذبية الاستثمار المرتبطة بمواقع العمل، لأن المال كالمغناطيس أينما وجد يحقق الربحية، والريعية الاقتصادية المطلوبة، لكن الأمر يحتاج إلى بيئة منظمة موفرة لعناصر الربح، ومولدة لفرص الإنتاج، تتحكم بتوازن قانون السوق “العرض والطلب”، جملة هذه المعطيات عامل جاذب للاستثمار، لكن المشكلة الأهم التي تعترض الجميع، تكمن في تدني مستويات الدخل، فإذا لم يتم تحسين هذا المستوى، وتحقيق قدرة شرائية كافية وفائض منها، والجانب المهم أيضاً مراعاة الخبرات والكفاءات الوطنية التي رفضت مغادرة البلاد خلال سنوات الحرب، والاستفادة منها في تحريك قوة العمل الوطنية ..

استثمار المدخرات

وهذا الأمر بدوره له انعكاس واضح على الحركة التجارية، التي يسعى الجميع لتحسينها، وتبسيط إجراءاتها بما يحقق المرونة الكافية للعاملين بهذا القطاع، حيث يؤكد “الحلاق” أنّ هذا القطاع من السهل إعادة تنشيطه وإحيائه من جديد، ولا خوف عليه، بل الخوف على قطاع الصناعة وخاصة اليد العاملة، وخبراتها الكفوءة والمدربة خلال السنوات السابقة، والأهم العمل على تطوير قانون العمل المرتبط بصورة مباشرة بالعمالة المنتجة، وتطويره بصورة يلحظ فيها تأمين متطلبات العمالة وإنصافها بما يتناسب مع قوة الإنتاج وربحيته..

والمشكلة الأكبر في قطاع الزراعة تكمن في تفتت الملكيات وطريقة ضبطها وحل مشكلاتها وفق قوانين مرنة، وهذا يمكن أن يتم من خلال إحياء الشركات المساهمة، بطريقة مرنة سلسة وواضحة، تضمن الحقوق لأصحابها، الأمر الذي يحقق إيجابية واسعة على صعيد الكل، وذلك من خلال تنشيط سوق الأوراق المالية، وتنشيط سوق العمل وزيادة فرص التعيين، والأهم استثمار المدخرات وتنشيطها رغم ما أصابها خلال الأزمة الحالية، لكن المهم ضرورة العمل على استثمار المدخرات بطرق قانونية تحفظ حقوق المدخرين والمصلحة العامة على السواء..

الحلاق: المشكلة الأهم التي تعترض الجميع تكمن في تدني مستويات الدخل

هوية اقتصادية واضحة

واليوم نحن بحاجة للعمل على تأمين الهوية الاقتصادية السورية، حيث يرى “الحلاق” أن هذه الهوية غير واضحة المعالم اليوم، ونحن بحاجة لتوضيحها أكثر من أي وقت مضى، وهناك نقاط صغيرة لابدّ من معالجتها، وتطويرها بما يتناسب مع التوجهات الجديدة، ولابدّ من دراستها للخروج بمخرجات مفيدة تخدم الجميع..

ويرى الحلاق أنه لا يمكن تحقيق العدالة بصورتها الكلية، ولا يمكن معالجة جراحنا الماضية، من دون جراحة قاسية، أو معالجة الأمراض السابقة التي أصابت بعض جوانب اقتصادنا الوطني، وعند ذلك نستطيع الخروج بمقدمات اقتصادية مفيدة على صعيد الإنتاج والربحية، وقبلها تشغيل اليد العاملة، التي تضمن بالمحصلة اقتصاداً قوياً منفتحاً قادراً على استيعاب الاستثمارات من أوسع الأبواب…

Leave a Comment
آخر الأخبار