الحرية ـ علي الرّاعي:
تواصل المبادرات الثقافية الأهلية في سوريا إثراء المشهد الفني في مختلف المحافظات على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، ومن بين تلك الفرق نتوقف عند فرقة العراب؛ وهي تجمع شبابي يسعى إلى تفعيل الحركة المسرحية والمشاركة في إنعاش المشهد الثقافي السوري مهما ساءت الظروف، ضمن تجمع يهدف إلى إعادة دور الشباب في الحركة المسرحية باعتبارهم شريحة كبيرة وقادرة على تقديم الفن الموازي للعديد من القضايا التي يرزح تحتها واقعنا السوري منذ سنوات. أو تقديم المعادل الفني لكثير من مشكلات وواقع المجتمع السوري، دون أن تكون العروض تسجيلية بل بعيدة عن المباشرة الفجة. ذلك من خلال تقديم كل هذه القضايا بعين عروض الجمال والمتعة البصرية وبما يُقدّم الفن مُحلقاً بجناحيه: الشكل والمضمون.
عشق مسرحي
هذه الفرقة التي يقودها اليوم المسرحي عصام علام كاتباً ومخرجاً وممثلاً.. الذي أسسها – كما يذكر – سنة 2022 مع الفنانة التشكيلية ليزا غازي، والتي عملت معه هي الأخرى كممثلة ومساعدة مخرج.. وحينها ضمت الفرقة مجموعة من الشباب والشابات الذين يُشكل المسرح وفرجته عشقهم الجميل. حيث عروضها للكبار والصغار. قدمت الفرقة حتى اليوم (37) عرضاً مسرحياً، وذلك في ثلاث محافظات هي: طرطوس ودمشق واللاذقية. وكانت تلك العروض لأربعة عشر عملاً مسرحياً من تأليف وإخراج قائد هذه الفرقة. ومن عروض الكبار كان: أجيال، سعادة المواطن، طريق النحل، زائلون، القارب22، قمح وماء، صيد المنايا، رؤوس أحلام، عذاب، ثلاثون ثانية، والمواطن بحر.. أما الأعمال المسرحية الموجهة للصغار واليافعين فهي: شروق، النور، وبيت ودفا.

14 عرضاً
وعن مسرحية (أجيال) يذكر مخرجها ومؤلفها إنه: عمل يتحدث عن الصراع الفكري بين جيل الكبار في السن وجيل الشباب وقيمة كلّ منهما في الحياة مع إلقاء الضوء على ضرورة إعطاء الجيل الجديد قيمة ودور في بناء البلاد. أما مسرحية (سعادة المواطن) فهي: عمل يتحدث عن كاتب صحفي يرفض التنازل عن قيمه ومبادئه في الكتابة عن الوطن وهموم المواطن، كما يرفض الانقياد مع موجة الفن الهابط، فيعيش صراعاً مع عادات المجتمع المنتهية الصلاحية، وكذلك مع ذاته. أما مسرحية (ثلاثون ثانية) فهي: عمل مسرحي أضاء على خبايا نفوسنا لحظة وقوع الزلزال الكبير من سنوات قريبة، وما نتج عنه من خوف وندم على أخطائنا السابقة، وقد جسّد العرض أربع شخصيات تكون مجتمعة في مكان ما لحظة الزلزال. حيث غاص العرض في النفس البشرية التي تنهار لحظة الخوف، لكنها للأسف تعود كما كانت وكأن شيئاً لم يكن عندما ينتهي الخطر ويزول. وكذلك مسرحية (طريق النحل) فهي: عرض يعالج قضية الزواج الخاطئ ونتائجه والتي من أبرزها الطلاق، وتفكك الأسرة، كما يضيء العرض على طرائق تفكير المرأة وخباياها الجوانية، ومعاناتها المجتمعية من خلال أربع زوجات مطلّقات. فيما مسرحية (قمح وماء) فهي: عمل فيه شيء من التناص التاريخي من خلال استحضار أسماء تاريخية كـ”زنوبيا وأذينة”. فيما تتحدث مسرحية (القارب 22): عن قضية سفر السوريين على مدى سنوات عبر البحر وبطرق غير آمنة من أجل البحث عن حياة أفضل. بمعنى أنّ عروض فرقة (العرّاب) تنوعت شواغل عروضها وغاياتها الجمالية والفكرية والبحثية.
ونذكر من أعضاء هذه الفرقة: نور أبو ثلجه، ماريا شلدح، سحاب حسن، خضر يونس، ابتهاج علي، لارا أبو ثلجه، محمود الجمعة الأحمد، وأمل أنيس.. كما تضم المجموعة الكثير من المواهب الفنية غير موهبة التمثيل مثل: العزف والغناء والرقص.
فرقة تجمعنا
عن عروض هذه الفرقة يذكر الكاتب المسرحي علي صقر: حتى وإن اختلفنا بالرؤية البصرية لعروض (فرقة العراب)؛ فهذا يعني أننا نتفق في اختلافنا على أشياء حول عروضها.. ومن جهتي الشخصية – يُضيف صقر – فقد أدهشني في عمل الفرقة هذا الإصرار والمثابرة والجد، وحتى النحت بالحديد وصهره في مسرحياتهم لتتحول إلى شخصيات. فهي وعلى مدار ثلاث سنوات ونيف فقد وصل عدد أفرادها لأكثر من مئة ممثل وممثلة ومن الأعمار كافة.. حيث إن المسرح اليوم يكاد يكون هو الناجي الوحيد من الذكاء الاصطناعي، ويكاد يكون الوحيد أيضاً الذي يقف في وجه العنف والكراهية. ورغم انضواء عروض (فرقة العرّاب) تحت مصطلح شواغل (المسرح الفقير)، فقد قدمت عروضها بالكثير من الصبر والأناة والكثير من الشغف والحب المسرحي..
ويختم الكاتب علي صقر: أذكر مرة أني التقيت عصام علام – مدير الفرقة – في أحد شوارع طرطوس يجمع علباً كرتونية؛ فقلت له مازحاً هذه “آخرة” الفنانين لم وجمع الكراتين.. ليجيبني مبتسماً: غداً ستشاهد تلك الكراتين ديكوراً لمسرحية (القارب ٢٢)، وبالفعل فقد تحولت تلك الكراتين إلى ديكور في منتهى الوظيفية والروعة.
