فساد بنكهات مختلفة.. «الخصخصة» تفرض نفسها كحل ينهي المشكلة من الجذور!

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:
كشفت التحديات الاقتصادية والإدارية التي كان يعاني منها اقتصادنا الوطني، وما زال بعضها قائماً خلال السنوات السابقة، هشاشةَ المعالجة التي كانت تقدمها الحكومات السابقة وأهل الخبرة من اختصاصيين ورأي وحتى أصحاب القرار، ومنها ما يتعلق بحجم الفساد بنكهاتِه المختلفة، وشخصنة العمل الوظيفي والإداري، وتغلغل حسابات المنفعة والمحسوبيات في معظم مفاصل العمل الحكومي، وغير ذلك من قصص الترهل الإداري والإنتاجي التي حطمت كل مفردات التفاؤل لدى القوى العاملة، ويظهر ذلك جلياً في مستوى المعيشة المتدني، الذي كان عنوان كل مرحلة امتازت بسوء التنفيذ والتخطيط والسرقة.

هل تنطبق حسابات «البيدر كما الحقل» ويبدأ الاقتصاد السوري مرحلة التعافي المطلوبة؟

تحديات بالجملة

ما ذكره يقودنا إلى مشكلات لا تقل خطورة عن سابقاتها، تتعلق بجملة تحديات كبيرة: أفعالُ أهل الخارج والمؤامرات التي حيكَت ضد سورية وفرضُ حروب استمرت لسنوات دمرت معظم مكونات الاقتصاد الوطني. أدى ذلك بشركات القطاع العام، وخاصة الصناعية منها، إلى الهاوية بصورة تدريجية، حتى وصلت إلى حالة متردية دفعت الحكومة الجديدة إلى تطبيق مفهوم اقتصاد السوق الحر والانتقال إليه تدريجياً. تبدأ الآلية بخطوات خصخصة شركات ومؤسسات القطاع العام وطرحها للاستثمار المحلي والخارجي، اعتماداً على ذلك كخيار استراتيجي ينطوي على عدم تحميل الدولة أخطاء العهد البائد المتراكمة، والعمل على إنقاذ ما تبقى من شركات مفلسة وخاسرة، إضافة إلى تخفيف الضغط عن الخزينة العامة والأعباء المالية التي يمكن توظيفها في مجالات أكثر إنتاجية تعود بالنفع الكبير وتؤسس لمعيشة أفضل.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال في غاية الأهمية حول استثمار شركات ومؤسسات القطاع العام: هل يقتصر الأمر على الخاسرة منها أم يطال الجميع خشية الوقوع في مطبات الخسارة، ولا سيما بعد تطبيق سياسة الأسواق المفتوحة؟

وجهات نظر

تباينت الآراء حول إيجابيات ومخاطر هذا التحول، خاصة أن الاقتصاد الوطني ينتقل من الحالة الاجتماعية الراهنة إلى اقتصاد السوق الحر وتطبيق سياسة الانفتاح على معظم مكونات الاقتصاد والخدمات المرافقة له، فبين من رآه إنقاذاً لجسم القطاع العام، يرى آخرون أنه خطوة محفوفة بالمخاطر.
قارب الدكتور عمار يوسف، الخبير في مجالات الاقتصاد والإدارة، الحقيقة إلى حد كبير، حيث أشار إلى أن الحكومات السابقة قدمت دعماً واسعاً للمواطن في قطاعات الكهرباء والمحروقات والصحة والتعليم، فضلاً عن مصانع كانت توفر المواد بأسعار مدعومة، وبعد الانتقال إلى اقتصاد السوق الحر، ستواجه الأسرة السورية صدمة كبيرة، لأن السعر سينعكس إلى قيمته الحقيقية مع إضافة هامش أرباح للشركات المنتجة التي خُصخصت أو تحولت إلى نظام العمل الحر.

خبير اقتصادي: الخصخصة بيئة جاذبة للاستثمار باعتبارها أحد الحلول لإنهاء نكهات الفساد شرط ألا تتخلى الدولة عن مسؤوليتها

غير مشجع

ويواجه هذا التحول تحدياً كبيراً يتمثل في واقع القطاع العام المدمَّر، سواء بفعل الحرب أو الفساد والترهل الإداري والنهب الذي شهدته السنوات الخمس الماضية، لذا يبدو هذا القطاع غير جذاب للاستثمار الخارجي أو الخصخصة بالشكل الصحيح، باعتباره منهكاً، خصوصاً شركاته ومصانعه الإنتاجية التي لم تُحدَّث أو تُطوَّر منذ عقود. كانت هذه الشركات تدفع رواتب موظفيها من الخزينة العامة رغم خسارتها المتواصلة بسبب الأعباء الاجتماعية، فلا تبدو مجالاً مشجعاً للاستثمار قبل إعادة تجهيزها وصيانتها، كما في قطاع الشركات الصناعية الذي يمكن استثمار بنيته التحتية بصورة تحقق عائداً خدمياً واقتصادياً في آن واحد.

جواب صريح

هذا الواقع يثير أسئلة عديدة لدى أهل الخبرة والاقتصاديين والقائمين على تلك المؤسسات، وأهمها: هل الخصخصة الخيار الوحيد لمعالجة هذا الواقع؟ هذا سؤال كبير يحتاج إلى أجوبة واضحة وصريحة، خاصة ما يتعلق بالعمالة واتجاه الاستغناء عنها، وهل ستحقق الشركات أرباحاً مرتفعة على الخدمات، والأهم هل ستتحسن معيشة المواطن بشكل يتناسب مع تطورات الحالة الاقتصادية العامة؟
يرى يوسف أن المدى القريب سيكون مزعجاً للمواطن السوري باعتباره من أقل دول العالم انخفاضاً في الدخل، لكن مستقبلاً، إذا تحسنت مستويات الدخل، قد تكون الخصخصة الحل الوحيد لمعالجة الفساد والترهل الإداري والإنتاجي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، مع مراعاة دور القطاع الخاص وشركاته في هذه المسألة. ومن هنا نخلص إلى أن الخصخصة سلاح ذو حدين، يجب معرفة كيفية استخدامه.

البداية ستكون قاسية، لكن مع تحسن الأوضاع ودخول مرحلة التعافي سينعكس ذلك إيجابياً على مصلحة المواطن. فإذا تأخرت التحسينات، ستنعكس سلباً على حياة المواطن في التعليم والخدمات والصحة، فقد تصبح الطبابة كارثة حقيقية بالنسبة للضمان الصحي إذا خُصخصت دون توفير دخل مناسب، وينسحب الأمر على التعليم والمرافق العامة الأخرى التي كانت تحظى بدعم الدولة رغم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. لذلك يبدو أن الحل الوحيد لتحسين معيشة المواطن وتعافي الاقتصاد هو توفير بيئة جاذبة لخصخصة شركات القطاع العام مع تحمل الدولة جزءاً من هذه الخصخصة لضمان حقِّيْن: حق الدولة وحق المواطن، دون التخلي عن مسؤولية الدولة أو مشاركتها في كافة مكونات العمل الاقتصادي والإنتاجي.

Leave a Comment
آخر الأخبار