الحرية – أنطوان بصمه جي:
في قبو مبنى مديرية المالية بحلب، حيث يفترض أن تكون الأموال العامة تحت سقف الرقابة والشفافية، كانت مفاجأة تنتظر فريق التفتيش، بينما كانت عجلة الفساد تدور بعيداً عن الأعين، كشف تحقيق صحفي ميداني أجرته “الحرية” بحلب عن وجود “جمعية استهلاكية” تحولت في أهدافها من تخديم المنتسبين لها إلى مركز للتصوير وبيع الطوابع وبالتالي تحقيق للثراء غير المشروع دون رقيب أو حسيب.

ما كشفه مدير المالية الجديد عبد الله محمد رزوق في تصريح خاص لـ”الحرية” ليس مجرد مخالفة بسيطة، بل يشير إلى شبكة فساد منهجية تخترق مؤسسة حكومية هامة بحسب ما أكده، فوجود أكثر من 50 مليون ليرة سورية موجودة فعلياً، لكنها “غير موجودة” في السجلات الرسمية، ودون أن تحول تلك المبالغ إلى المصرف أصولاً، وطوابع مالية تُباع فيها منذ 2015، ومقر عمل دون وجود إعلان أو عقد رسمي يشغله القائمون على الجمعية منذ 10 سنوات وكأنه إقطاعية خاصة!
الأكثر إثارة للصدمة أن هذه الجمعية – التي تأسست رسمياً عام 1987 لخدمة موظفي المالية والجمارك والاقتصاد تحولت إلى “مركز تجاري” غير قانوني وتحولت إلى ندوة اجتماعية، مركز تصوير، بيع طوابع، كل ذلك في قلب مبنى حكومي وبموافقة مسؤولين سابقين دون وجود عقد رسمي ما يثبت ذلك.
عبد الله محمد رزوق مدير مالية محافظة حلب كشف أنه من خلال المتابعة الميدانية لأمور المديرية، تم الكشف في الطابق الأرضي من مبنى المديرية بحلب عن وجود جمعية استهلاكية تتبع لمديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك والتي من أهدافها تخديم العاملين في الجهات العامة التابعة لها.
وأضاف من خلال المتابعة تبين إشغال الجمعية حالياً لمساحة 150 متراً مربعاً من الجهة الشمالية، ووجود مبالغ مالية كبيرة تقدر بأكثر من 50 مليون ليرة سورية في مقر الجمعية ولم ترحل هذه الأموال إلى المصرف الذي من الواجب إيداع الأموال فيه أصولاً، ولوحظ وجود طوابع ذات قيمة مالية تحصل عليها الجمعية بموجب ترخيص أصولي وتبيعها للمواطنين ولم يتم الوقوف على سعر المبيع الحقيقي بهدف الربح أم لا.
وأكد مدير مالية محافظة حلب انحراف أهداف الجمعية عن عملها الأساسي، وهو تأمين السلع الاستهلاكية وتحولت إلى مؤسسة ربحية، وباتت تشغل المقر كندوة ومركز تصوير وبيع الطوابع، حيث تم تشكيل لجنة من قبل مدير المالية الحالية لتقدير البدل الاستثماري عن الأعوام السابقة، وقد أحيل هذا الموضوع إلى فرع الجهاز المركزي للرقابة لمالية بحلب، لمتابعة الإجراءات والتحقيق للوقوف على ملابسات وجود حالات فساد من عدمها.
وبيّن مدير مالية محافظة حلب أنه في العام 2015 تم نقل مقر الجمعية من قبو المديرية إلى الكشك في الجهة الشمالية من مبنى المديرية بناء على أمر مدير المالية السابق، دون أن تقدم الجمعية أي طلب لتغيير مقرها، ودون وجود عقد رسمي لإشغال المقر منذ العام 2015 حتى تاريخه.
ولدى التدقيق والبحث عن تاريخ إشهار الجمعية وأهدافها، استطاعت _الحرية_ الحصول على نسخة إعلان إشهارها وتبين أنه في الجريدة الرسمية وجود إشهارها بالعدد رقم 16 تاريخ 23/4/1987، وإعلان خاصة للجمعية التعاونية الاستهلاكية، يفيد بأنها متخصصة للعاملين في المالية والجمارك والاقتصاد بحلب.
وفي إعلان عقد تأسيسها يتبين أن مقر الجمعية حلب وتشمل منطقة عملها محافظة حلب، في حين أن الغرض من الجمعية هو تحسين ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، عن طريق تأمين ما يحتاجه الأعضاء من السلع الاستهلاكية، والأدوات المنزلية ومواد ” النوفوتيه” بالجودة العالية، والأسعار النظامية وإنتاج وتسويق هذه السلع بنفسها أو بالتعاون مع غيرها، ونشر الوعي والثقافة التعاونية.
وأضاف مدير مالية محافظة حلب أنه تم تشكيل لجنة لجرد قيمة الطوابع من قبل مديرية مالية حلب ( قسم الخزينة) وتوصلت اللجنة إلى وجود زيادة في الرصيد النقدي عن الرصيد القيدي، ونظراً لعدم وجود عقد رسمي بين الإدارات السابقة، ورؤساء الجمعية السابقين ستتم المطالبة بدفع بدل الإيجار وفقاً للأسعار الرائجة عن الأعوام السابقة، التي شغلت بها الجمعية جزءاً من مبنى مديرية مالية حلب، وبما يحقق إيراداً لخزينة المديرية.