فقدان الأحبة يغير علاقتنا بالأماكن والعادات.. فهل يعيد تشكيل تفاصيل حياتنا اليومية؟

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية ـ دينا عبد:
يُعد فقدان الأحبة من أصعب المشاعر التي يمر بها الإنسان، إذ يترك أثراً عميقاً في النفس ويغيّر الكثير من تفاصيل الحياة اليومية. ولكل شخص طريقته الخاصة في التعامل مع هذا الشعور، فهناك من يختار الابتعاد عن كل ما يذكّره بالراحل، بينما يتمسك آخرون بكل ما يخلّد ذكراه.

بين خيار التغيير وخيار التمسك بالذكريات

مروة، وهي طالبة جامعية، قررت بيع منزل العائلة بعد وفاة والدتها قبل أشهر، لأن كل زاوية في المنزل كانت تعيد إليها ذكريات مؤلمة، رأت أن تغيير مكان الإقامة هو الحل الوحيد للتخفيف من وطأة الحزن، مؤكدة أن نسيان شخص قريب إلى القلب ليس أمراً يسيراً.
في المقابل، اختار الحاج أيمن أن يبقى في المنزل الذي جمعه بزوجته الراحلة منذ سنة، وأصر أبناؤه على الاحتفاظ بكل ما تركته، حتى العكاز التي كانت تتكئ عليها بقيت عند باب المنزل كرمز حي لذكراها. وبين خيار التخلي وخيار التمسك، يظل السؤال قائماً: كيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع شعور الفقد دون أن يتأذى نفسياً؟

مراحل الحزن

أخصائية الصحة النفسية الدكتورة غنى نجاتي أوضحت في حديثها لصحيفة «الحرية» أن الفقدان، سواء بالموت أو بالانفصال، يولّد شعوراً بالحسرة العميقة، مشيرةً إلى أن تقبّل هذه الحقيقة يحتاج إلى وقت، إذ يمر الإنسان بداية بمرحلة الإنكار والرغبة في العزلة، وهنا يجب احترام حاجته إلى الانفراد لأنه يسعى لاستيعاب ما حدث، ثم تأتي مرحلة الغضب، وهي الأخطر، حيث قد تنشأ خلافات مع الأسرة والمحيطين نتيجة الألم النفسي الناتج عن الخسارة.

محطات خطرة في رحلة الفقد

وأضافت نجاتي: الإنسان يدخل بعد ذلك في نوبة من الحزن والبكاء والندم واسترجاع الذكريات، وإذا طال هذا الاكتئاب فإنه يستدعي تدخلاً طبياً ومساعدة من مختصين، أما إذا تجاوز هذه المرحلة بسلام، فإنه يصل إلى مرحلة التقبّل، حيث تتحول الفكرة من الإنكار والرفض إلى الاعتراف بأن الشخص قد رحل بالفعل، حتى وإن لم يكن مستعداً تماماً لذلك، وأكدت أن ردود الفعل تختلف من شخص إلى آخر بحسب درجة القرابة وطبيعة الوفاة.

الذكريات الإيجابية كجسر نحو الحاضر

وشددت نجاتي على ضرورة أن نربي أبناءنا على أن الموت حقيقة لا يمكن إنكارها، وأن نكون مستعدين لتقبّلها في أي وقت. وأوضحت أن الفرد لا ينبغي أن يتخلى عن ذكرياته، بل عليه أن يتعايش معها أو يصنع ذكريات جديدة مع أشخاص آخرين في حالات الانفصال. أما في حالة الوفاة، فإن التعامل مع الذكريات يتم عبر طقوس إيجابية تعزز حضور الراحل في حياتنا بطريقة صحية، دون أن تمنعنا من عيش الحاضر.
واختتمت حديثها بتأكيد أنه لا توجد طريقة واحدة مثالية للتعامل مع الفقد، لكن الأهم هو ألا يتحول إلى اكتئاب مزمن أو عائق أمام الإنتاجية.
وإذا كان الشخص الذي فقدناه ذا مكانة خاصة في حياتنا، فمن الجميل أن نستذكره من خلال بعض الأنشطة أو زيارة أماكن ارتبطت به بين الحين والآخر، كنوع من الارتباط الروحي الذي يحافظ على الذكرى ويمنحنا القوة للاستمرار.

Leave a Comment
آخر الأخبار