الحرية– محمد زكريا:
لعبت الاحتياطيات الأجنبية قبل الثورة السورية، دوراً حيوياً في الاقتصاد السوري، إذ ساعدت في دعم قيمة الليرة، حيث كان سجل سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار حوالي /50/ ليرة بالمتوسط بين أعوام 2005-2010، الأمر الذي ساهم في استقرار المستوى العام للأسعار، وقلل من مخاطر التضخم، يضاف على ذلك دعم الاحتياطيات الأجنبية للتجارة الخارجية، حيث كانت كافية لتغطية المستوردات الأساسية من السلع والخدمات، ما عزز من قدرة سوريا على تلبية احتياجات السوق المحلية، كما ساهمت هذه الاحتياطيات في تلبية الالتزامات المالية الخارجية، مثل سداد الديون الخارجية وأقساطها وفوائدها.
من 17 ملياراً إلى 250 مليون دولار
الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله قزاز أشار إلى أنه حسب البيانات الصادرة عن الصندوق النقد الدولي، فإن الاحتياطيات الأجنبية لدى سوريا في عام 2010، قُدرّت بحوالي /17/ مليار دولار، ومع بدء الثورة السورية في عام 2011، بدأت تلك الاحتياطيات في التراجع بشكل ملحوظ نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة، موضحاً أنه مع تصاعد أعمال العنف والإجرام التي انتهجها النظام البائد خلال سنوات الثورة، تأثرت هذه الاحتياطيات بشكل كبير، ما أدى إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد السوري بشكل عام، حيث انخفضت الاحتياطيات بشكل كبير، إذ قدرت بحلول عام 2016 بحوالي /5/ إلى /6/ مليارات دولار، في حين قدرت في العام 2018 بحوالي مليار دولار فقط!، مضيفاً: مع سقوط النظام البائد صدرت عدة تقارير أشارت إلى سرقة المجرم بشار الأسد لحوالي /250/ مليون دولار من خزائن مصرف سوريا المركزي والتي من المؤكد كانت الاحتياطي النقدي الأجنبي الكامل لسوريا للأسف «من أهم هذه التقارير هو تقرير لفاينانشال تايمز صدر بتاريخ 15/12/2024».
مسببات الانخفاض
ويعزى الانخفاض في الاحتياطيات الأجنبية خلال سنوات الثورة -حسب قزاز- إلى أنه نتيجة للعديد من العوامل، أهمها الإنفاق العسكري من قبل النظام البائد على عملياته العسكرية العدوانية ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى أثر العقوبات الاقتصادية الدولية، وتوقف التصدير وبالتالي نضوب موارد القطع الأجنبي، وتراجع الإيرادات من النفط حيث خرجت آبار النفط عن سيطرة النظام البائد، وكذلك انعدام الاستثمارات، وبالتالي لم يعد هناك أي مصدر داعم للاحتياطيات الأجنبية.
استراتيجيات البناء
وبالنسبة لبناء الاحتياطيات الأجنبية في سوريا بعد انتصار الثورة بين قزاز أن ذلك يتطلب استراتيجيات واضحة وتعاوناً دولياً، حيث يجب التركيز على البدء بالإنتاج وتحسين جودة المنتجات السورية وزيادة الصادرات إلى الأسواق الدولية، ما يسهم في زيادة الإيرادات بالعملات الأجنبية (التركيز على قطاع الإنتاج السلعي أكثر من قطاع الخدمات كالمصارف وشركات التأمين والفنادق..)، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال تحسين بيئة الأعمال وتقديم حوافز للمستثمرين (تخفيض الضرائب على الأعمال التجارية على الأقل في السنوات الثلاث القادمة، وتسهيل الحصول على رخص إنشاء الشركات، وتسهيل السحوبات المصرفية وعدم تقييد السحوبات على المستثمرين الجدد، وإقامة مدن صناعية عصرية مزودة بكافة الخدمات)، ما يعزز من الاحتياطيات الأجنبية، واستعادة السياحة كمصدر رئيسي للإيرادات والتي يمكن أن تسهم بشكل كبير في زيادة الاحتياطيات الأجنبية، وتعزيز الزراعة والصناعة يمكن أن يزيد من الإنتاج المحلي ويقلل الاعتماد على المستوردات، وإعادة بناء العلاقات مع الدول العربية والأجنبية يمكن أن يسهم في تسهيل التجارة والاستثمار، والأهم من ذلك كله هو المنح والهبات التي يمكن أن يحصل عليها مصرف سوريا المركزي من الدول الشقيقة والصديقة والتي تساهم بشكل مباشر في تنمية الاحتياطيات النقدية الأجنبية دون أن تؤثر على القرار الاقتصادي السيادي لسوريا.
العقبات
وبخصوص العقبات التي تواجه بناء الاحتياطيات، أوضح قزاز لصحيفتنا «الحرية» أنّ استمرار الأوضاع الأمنية غير المستقرة قد يعيق جهود التنمية، ويقلل من ثقة المستثمرين في الاقتصاد، بالإضافة إلى بقاء بعض العقوبات المفروضة على سوريا قد تعرقل الوصول إلى الأسواق الدولية، وتعقد العمليات التجارية المتبادلة بين سوريا والدول الأخرى، وكذلك تحتاج سوريا إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية المتضررة، وهو ما يتطلب وقتاً وموارد مالية كبيرة (تقدر بحوالي /400/ مليار دولار حسب تقرير للبنك الدولي صدر عام 2017).
وعن كيفية مساهمة الاحتياطيات الأجنبية في إعادة الإعمار، نوه قزاز أنه يمكن استخدام جزء من الاحتياطيات المتراكمة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، ما يساعد على استعادة الاقتصاد (طبعاً بعد بناء احتياطيات أجنبية قوية وملائمة، وتحقق استقرار الاقتصاد اللازم للاستثمار).
مشيراً إلى أنه مع وجود احتياطيات قوية، يمكن للحكومة السورية أن تستثمر في القطاعات الحيوية التي تدعم النمو الاقتصادي (مثلاً تأهيل المناطق السياحية، ودعم المشاريع الزراعية وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم مشاريع البنية التحتية)، ومن خلال زيادة المستوردات اللازمة لتلبية احتياجات السكان، فإنّ ذلك سيسهم في تحسين مستويات المعيشة.
آلية استثمار الأصول
وعن آلية استثمار الأصول الأجنبية المملوكة لمصرف سوريا المركزي وتحقيق العوائد منها (المجمدة والتي من المقرر استعادتها والمستقبلية المتوقع بناؤها وتراكمها)، أكد قزاز أنّ ذلك يتطلب استراتيجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والسياسية الخاصة بسوريا، حيث يمكن استثمار الاحتياطيات النقدية الأجنبية في سندات حكومية لدول أو سندات شركات ذات تصنيف ائتماني جيد، ما يوفر عوائد ثابتة، كذلك يمكن الاستثمار في أسواق الأسهم الدولية ما يوفر فرصاً لعوائد أعلى، رغم المخاطر المرتبطة بذلك، وأنه يمكن لمصرف سوريا المركزي التعاون مع صناديق الاستثمار العالمية لإدارة الأصول بشكل احترافي، ما يسهم في تحقيق عوائد نقدية أجنبية جيدة، أو تخصيص جزء من الاحتياطيات للاستثمار في مشاريع تنموية ومشاريع البنية التحتية الأساسية مثل النقل والطاقة والذي يمكن أن يؤدي إلى عوائد مستدامة ويعزز من الاقتصاد بشكل عام، والاستثمار في الذهب والمعادن الثمينة كوسيلة للتحوط ضد التغيرات الاقتصادية العالمية، وابتكار أدوات مالية جديدة مثل السندات والصكوك الإسلامية.