في رصيده ثلاثة آلاف أغنية… نظمي عبد العزيز صاحب التجربة الغنيّة 

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- لبنى شاكر :

غاب الشاعر نظمي عبد العزيز 1936-2024 عن عالمنا قبل أشهر، من دون وقفةٍ تليق بتجربته، التي تكتسب خصوصيتها في مُعاصرته لأجيال من الفنانين السوريين والعرب على امتداد أكثر من ستين عاماً، كتب خلالها كلمات لقصائد وأغنيات، أوجدت لنفسها مكاناً في الساحتين المحلية والعربية، حيث لحّن له أكثر من ثلاثين ملحناً وغنى له مطربون كبار أمثال “نجيب السراج، صباح فخري، صفوان العابد”، عدا عن كتابته الشعر والقصة والمسرح، وما قدمه من مقالات نثرية وأوبريتات واسكيتشات، حتى وصل رصيده إلى ثلاثة آلاف أغنية، من أشهرها “شو بيصعب عليي”، “تيهي صباً وتألقي”، “يا أروع ما خلق الله”، وغيرها الكثير ضمن تسجيلات إذاعتي حلب ودمشق.

لم يكن الحظ دائماً إلى جانب عبد العزيز كما كان يتمنى في غناء أهم عمالقة الطرب لكلماته

الانطلاقة

بدأ عبد العزيز مشواره في إذاعة حلب عام 1961، كان الشاعر الوحيد فيها تقريباً، إلى جانب أسماء معروفة “صباح فخري، مصطفى ماهر، محمد خيري، سمير حلمي”. لاحقاً انتقل هؤلاء جميعاً إلى إذاعة دمشق مع تأسيس التلفزيون. وكانت تجربته الأولى أغنية “لو ضاع عمري” التي لحنها “ابراهيم جودت” وغناها “سمير حلمي”، ثم تعاون مع فنانين آخرين وازدحمت تجربته بألوان “الشعبي، العاطفي، الوطني”، ليصدر عام 2001 مجموعته الشعرية الوحيدة “كل قصائدي عيناك”.

مع العمالقة

لم يكن الحظ دائماً إلى جانب عبد العزيز كما كان يتمنى في غناء أهم عمالقة الطرب لكلماته، ففي السبعينيات كان “فوزي كيالي” وزيراً للثقافة، زار مصر مع وفد رسمي، هناك التقى السيدة “أم كلثوم”، فدعاها إلى سورية، ثم زار الشاعر في بيته وطلب منه قصيدة يقدمها للسيدة لكنها للأسف توفيت. وكانت القصيدة من نصيب “نجيب السراج” الذي لحنها وغناها، ثم تكرر الأمر أيضاً مع “نجاة الصغيرة” التي اختارت أغنية له، ولم يكتب للأمر أن يستمر. ومع ذلك بدا الشاعر متصالحاً مع نفسه وراضياً عن كل ما قدمه، ولاسيما إصراره على التأليف باللهجة السورية حصراً، ودوره في تجديد كلمات عدد من القدود الحلبية فترة الستينيات. يومها جمع رئيس الدائرة الموسيقية في إذاعة حلب “ممدوح الجابري”، كثيراً من القدود وأعاد تسجيلها، وطلب منه تجديد الكلام على اعتبار أن بعضه كان غير صحيح.

حاضر الأغنية

يقول عبد العزيز في حديثٍ سابق، إن استحضار البدايات مؤلم إذا ما وصلنا إلى انقطاع حصل بين ماضي الأغنية السورية وحاضرها، حيث بلغت حالة مزرية يمكن تلمسها في الوطن العربي عامة. ولا مبالغة في التفكير بأن هناك مؤامرة بدأت منذ زمن طويل على الذائقة الفنية، لا تنفصل عن الحالة السياسية، فكلنا يعرف بأن حضارة الأمم ترتبط بموسيقاها وأغنياتها. ويضيف “سابقاً كنا نسمع؛ الشحرورة، أم كلثوم، القصبجي، مها الجابري، كان الفن عالماً بحد ذاته في سورية ولبنان ومصر، مع الغناء العراقي، لكن شيئاً فشيئاً أصبحت الساحة فارغة ممن يستحقون الاستماع إليهم مقابل أفواج من الجراد، أصوات وألحان متشابهة، وفنانات يقدمن مهرجانات للتعري والرقص، قبل هذه الفورة، كان المطرب يجتاز امتحانات ولجاناً ليُقبل صوته، كذلك اللحن والنص الشعري، أما حالياً فيكفي أن تمتلك المال لتصبح فناناً بل ومشهوراً أيضاً”.

“من المؤسف أن تنال الدراما السورية نصيباً من الانتشار والنجومية، وهي تستحقه بالتأكيد، في حين تتراجع الأغنية من دون أي اهتمام”

في التردي

ويرى الشاعر أن حالة التردي تدرجت حتى مرحلة الخواء، ساهمت في ذلك المحطات الفضائية، وعلى حدِّ تعبيره “من بيده الأمر فضّل الكلام التافه وشجع الصوت النشاز على حساب الشاعر الموهوب والملحن الأصيل”.

إضافة إلى الفضائيات، لعبت الإذاعة دوراً في تناسي الزمن الجميل، فعندما يكون الرجل المناسب في المكان المناسب يختلف كل شيء، لكن المسؤولين عن الفن في الإذاعة برأيه لم يكونوا دوماً فنانين ولا حتى متذوقين للطرب، تالياً من الطبيعي أن تكون الأدراج مصير تسجيلات غنائية رائعة، كانت معروفة ومطلوبة قبل أن يتم التعتيم عليها حتى غابت كلياً!.

رعاية جدية

في المحصلة، يقول: “الأغنية تحتاج إلى رعاية جدية وداعمة تمتلك تصوراً لكيفية تقديم الغناء وإعادة أمجاده القديمة، فمن المؤسف أن تنال الدراما السورية نصيباً من الانتشار والنجومية، وهي تستحقه بالتأكيد، في حين تتراجع الأغنية من دون اهتمام من أحد مع غياب شركات منتجة أسوة بالإنتاج الدارمي”.

رغم كل شيء، لدينا باستمرار أصوات جميلة لا تلقى الدعم والاحتواء المطلوبين في بلدنا، لذلك سرعان ما تتجه إلى لبنان، حيث تجري صناعة النجوم، الأمر الذي لم نستطع تحقيقه كما يُؤكد، مع الإشارة إلى بعض المحاولات غير الناضجة، والتي تظهر بشكل هزيل وباهت مع ما تقدمه من أصوات جميلة.

يتساءل الشاعر “لمَ علينا أن نقدم ما هو أقل جودة وجاذبية مقارنة ببرامج المواهب والأصوات التي قدمتها محطات لبنانية ولاقت نجاحاً ومتابعة؟؟.

شاهدنا مسارحَ ضخمةً، إضاءة وأصوات مبهرة، لِمَ علينا أن نُقدّمَ الأقل؟”.

Leave a Comment
آخر الأخبار