الحرية – مها سلطان:
إذا كان الوضع السياسي/الاقتصادي، واستعادة العلاقات العربية لا يستقيم إلا بزيارة السعودية، فإن الوضع الجيوسياسي بمعناه الإقليمي الأعم لا يستقيم إلا بزيارة تركيا، مع الأخذ بالاعتبار ما تمثله كل من السعودية وتركيا على حدة فيما يخص سوريا الجديدة، ودون التقليل من شأن أي دولة عربية أو إقليمية تدعم سوريا في نهوضها المستقبلي، بدءاً من الأمن واستقرار الجغرافيا، وصولاً إلى السياسة والاقتصاد بالمَديين العربي والإقليمي، وارتباطاتهما دولياً.
من هنا فإن مسار الزيارات الخارجية التي يعتمدها السيد الرئيس أحمد الشرع تنم عن فهم استراتيجي عميق، لمكانة كل دولة ودورها، وتبعاً لما تحتاجه سوريا فعلياً من أجل تثبيت خطوات الدولة الجديدة، من هذا الفهم الاستراتيجي كانت زيارة الشرع إلى السعودية، وبعدها إلى تركيا اليوم الثلاثاء.
من السعودية إلى تركيا
وإذا كان الاقتصاد عنوان زيارة الرئيس الشرع إلى السعودية فإن الأمن والوحدة الجغرافيّة هي عنوان زيارته إلى تركيا حيث يلتقي الرئيس رجب طيب أردوغان وعلى طاولة البحث بينهما ملفات عديدة وكبيرة، فيما جدول الاتفاقات المُعلنة قد يتضمن اتفاقاً دفاعياً وفق ما يتم تناقله في التقارير الإعلامية، ولا يخفى أن ملف الأكراد سيكون على طاولة البحث أيضاً.
يزور الرئيس الشرع تركيا بدعوة رسمية من رئيسها أردوغان وفق رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون الذي كشف أن الرئيسين سيناقشان التطورات في سوريا والدعم الذي يمكن أن تقدمة تركيا، بالإضافة إلى الإجراءات المحتملة لدفع الاقتصاد وتحقيق الأمن والاستقرار الدائمين، وأضاف: نؤمن أن العلاقات التركية – السورية .. التي عادت إلى طبيعتها بعد استعادة سوريا لحريتها .. سوف تتعزز وتكتسب بعداً جديداً مع زيارة الرئيس أحمد الشرع والوفد المرافق له»..
الرئيس الشرع في تركيا بعد السعودية.. زيارات جيو- اقتصادية تشيع أجواء الارتياح والتفاؤل بين السوريين
أهمية الزيارة لا تنسحب على سوريا فقط، بل على تركيا أيضاً، وبقدر ما تعول سوريا الجديدة على تركيا باعتبارها داعماً أساسياً منذ بداية الثورة، وعلى استمرار هذا الدعم، وهي الدولة الإقليمية الأهم إذا ما أخذناها بمقياس الجغرافيا (القرب الجغرافي/ بل اللصيق بسوريا) فإن تركيا بالمقابل تعول كثيراً على العلاقات مع سوريا، فتركيا منذ انتصار الثورة وإعلان التحرير في 8 كانون الأول الماضي تعلن على الدوام استعدادها لمساعدة سوريا في كل المجالات/ في الاقتصاد والتجارة والأمن وإعادة الإعمار وبناء الجيش/. وكان الرئيس أردوغان جدد في 23 كانون الأول الماضي التأكيد بأن نهج تركيا الثابت هو حماية وحدة الأراضي السورية تحت كل الظروف، محذراً من أن أي انتهاك لهذه الوحدة سيكون بمنزلة تجاوز للخط الأحمر بالنسبة لتركيا.
وأكد أردوغان أيضاً أن تركيا تجري حواراً وثيقاً مع السيد أحمد الشرع وأن الزيارات إلى سوريا ستزداد، وأن مجلس الوزراء في تركيا يبحث تقديم كل الدعم المطلوب الذي تحتاجه القيادة الجديدة.
وبالفعل ازدادت الزيارات المتبادلة بين البلدين، بمستواها الوزاري العالي، وبما مهد لزيارة الرئيس الشرع الحالية، وهي زيارة كان يترقبها السوريون في أي يوم، باعتبارها كانت متوقعة إلى حد كبير، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الشرع للسعودية، إذ إن سياق الفهم الاستراتيجي لما تحتاجه سوريا الجديدة يفترض أن خريطة العلاقات العربية والإقليمية يجب أن تكون وفق هذا المسار، وهو ما ينظر له السوريون بارتياح وتفاؤل كبيرين.
التركيز على زيارة الرئيس الشرع إلى تركيا لم يقلل من استمرار التركيز على زيارته إلى السعودية، فما زالت هذه الزيارة تحظى باهتمام وتحليل كبيرين، خصوصاً أن الرئيس الشرع جدد في مقابلة تلفزيونية (غداة الزيارة) رؤيته لسوريا الجديدة، ومسارات تحقيق الأمن والاستقرار والوحدة الجغرافية والهوية الجامعة.
تأكيد الأولويات
ففي مقابلة مع «تلفزيون سوريا» وبتفاصيل أكبر وأوضح، أعاد الرئيس الشرع تأكيد الأولويات على مستوى الداخل، وأن بعضها تم إنجازه مثل معركة التحرير وإسقاط النظام بمعركة كانت استثنائية بحرفيتها لناحية التخطيط والتكتيك/ العسكرية والإعلامي/ والتواصل مع مختلف المحافظات، ومع السوريين من كافة الشرائح والمستويات والانتماءات، وهو ما استمر لخمس سنوات، ثم جاء التنفيذ بأعلى درجات الانضباط والمحافظة على السلم الأهلي وبما طمأن الجميع، كما أكد السيد الشرع.
وهناك من الأولويات ضبط السلاح وحصره بيد الدولة وهو ما تعمل عليه القيادة الجديدة.
وهناك أولويات يتم العمل عليها حثيثاً وبزخم متواصل، خصوصاً في الاقتصاد، وقال الرئيس الشرع: هناك فريق اقتصادي واسع يُشكل الآن من داخل البلد وخارجه يقوم بتحليل البيانات لوضع سياسة اقتصادية تستمر لعشر سنوات، مشدداً على أن بناء الاقتصاد يحتاج إلى روافع تدعم الإنتاج واستقراره ومنها توفير البنى التحتية، على مستوى الطاقة والمصارف وإصلاح المؤسسات الاقتصادية، مؤكداً في الوقت ذاته محاولاته لتجنيب سوريا حالة المحاصصة في المناصب، لتكون الكفاءة هي المعيار.
وبيّن الرئيس الشرع أن «السوق الحر وتسهيل الاستثمار في سوريا يوفر فرص عمل كثيرة ولهذا يجب توفير المقومات اللازمة لذلك من بيئة استثمارية صالحة وقوانين» موضحا أنه «يجب أن نبتعد عن سياسة إطفاء الحريق لأن هذه السياسة تستنفد الدولة بشكل كبير ويجب أن تكون أهداف الدولة واضحة».
وشدد على أن الخطوات نحو إرساء نظام سياسي مستقر، لا بد أن تكون في الاتجاه الصحيح، سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان أو الانتخابات الرئاسية أو المؤتمر الوطني، أو الدستور.. الخ.
وتكتسب هذه المقابلة أهمية كبيرة في ظل الزيارات الخارجية للرئيس الشرع، لناحية تقديم أوضح وأوسع رؤية للقيادة السورية الجديدة بخصوص الداخل، ولناحية ما تفعله هذه القيادة لتعزيز السلام والسلم الأهلي، وهو محط اهتمام كبير من الخارج.
تعويل كبير وترقب واسع
وحتى تنجلي نتائج زيارة الشرع الحالية إلى تركيا، فإن زيارته إلى السعودية لاتزال محل تركيز شديد من قبل المحللين والمراقبين خصوصاً الاقتصاديين، وأيضاً محل رصد ومتابعة لما سيتبعها، خصوصاً وأن التعويل كبير على ما ستقدمه السعودية، لاسيما اقتصادياً.
صحيفة «الاقتصادية» السعودية أشارت في تحليل لها أمس إلى توقع قفزة في التجارة والاستثمار بين السعودية وسوريا. وحسب تحليل أجرته وحدة التحليل المالي في الصحيفة فمن المتوقع أن تشهد العلاقات الاقتصادية نمواً ملحوظاً خلال المرحلة المقبلة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سورية في ظل رئاسة أحمد الشرع للبلاد والمضي في عمليات إعادة الإعمار.
وكشفت «الاقتصادية» أن الجنسية السورية جاءت رابع أعلى الدول حصولاً على تراخيص للاستثمار الأجنبي في السعودية خلال الربع الثالث من العام الماضي، بـ246 ترخيصاً، تمثل 6% من الإجمالي البالغ 3810 تراخيص.
وقالت: إن السعودية تقود جهوداً دبلوماسية رفيعة المستوى لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بأسرع وقت، لإتاحة الفرصة للنهوض باقتصاد البلاد، ودعم العيش الكريم للشعب السوري.
«زيارات من ذهب»
وتحت عنوان «زيارات من ذهب» نشرت قناة «روسيا اليوم» آراء لخبراء اقتصاديين أكدوا فيها المسار الإيجابي الفوري لزيارة الرئيس الشرع إلى السعودية، حيث تواصل الليرة السورية تحقيق المكاسب مقابل الدولار مدعومة بآمال وتطلعات لاستثمارات سعودية واعدة.
ويقول الاقتصاديون في حديثهم لروسيا اليوم: إن زيارة الرئيس الشرع للسعودية كانت «ضربة معلم» إذا ما نظرنا إليها اقتصادياً بالإضافة إلى أهميتها السياسية المرتبطة بالثقل الجيوسياسي للسعودية وما يمكن أن تضفيه علاقاتها مع سوريا من استقرار متعدد الأوجه.
وأشاروا إلى أن الاستقبال الحافل والترحيب الذي حظي بهما الرئيس الشرع من قبل المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سيفتح آفاق استثمارات سعودية واعدة فالمملكة تُعنى كثيراً بوضع الخطط الاقتصادية بعيدة المدى موضع التنفيذ، ولا يضيرها تشميل وربط اقتصاديات الدول الإقليمية الصديقة باقتصادها بطريقة ترضي جميع الأطراف.
أما حول زيارة الرئيس الشرع إلى تركيا فيقول الخبراء الاقتصاديون إن تركيا ستسهم أيضاً في دعم الاقتصاد والليرة السورية، نظراً لأن الأتراك يمتلكون فائضاً من الخبرة في التعامل مع الحكومة السورية الحالية أثناء فترة إدارتها لإدلب. فالقرب الجغرافي وتشابه الاقتصاد في البلدين سيمنح الشركات التركية مجالات واسعة ومهمة في العمل ضمن السوق السورية، ما يتيح للسوريين الاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال.