من غرفة العمليات إلى قاعة حظر الأسلحة الكيميائية.. د. كتوب شاهد المجزرة الذي أصبح صوت الضحايا

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية- أمين سليم الدريوسي:

من بين رائحة الكيماوي التي خيمت على الغوطة الشرقية عام 2013، حيث تحولت المستشفيات إلى مراكز للإسعاف الأخير، خرج صوتٌ لم يتوقف عن ملاحقة الجريمة، أنه الدكتور محمد كتوب الذي لم يكن مجرد طبيب أسنان شهد إحدى أبشع جرائم الحرب، بل كان شاهداً حياً تحول إلى صوتٍ دولي للضحايا، يحمل ذاكرتهم من تحت الأنقاض إلى قاعات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

بعد خروجه من سوريا، انخرط كتوب في مسارٍ مهني ودبلوماسي متميز، حيث قدّم شهادات حاسمة أمام لجان التحقيق الدولية ومجلس الأمن.

عمله مع المنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث طوّر خبرته المتخصصة في ملف الأسلحة الكيميائية، ما مهد لانضمامه لاحقاً إلى وزارة الخارجية، حيث أسهم من خلال إدارته ملف المنظمات والمؤتمرات الدولية في تسهيل زيارات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتطوير قدرات الفرق المحلية.

ما يميز تعيين كتوب مندوباً دائماً (بدون رتبة سفير) لدى هذه المنظمة، أنه يجمع بين الأبعاد الإنسانية والقانونية والسياسية، فهو ليس مجرد دبلوماسي، بل هو أيضاً جهة ادعاء مدنية ضد رأس النظام السابق في قضية استخدام السلاح الكيميائي، هذه الصفة تضفي على تعيينه بعداً أخلاقياً فريداً، وتعزز صورة الدولة التي تضع ملف العدالة للضحايا في صلب عملها الدبلوماسي.

وخلفيته الأكاديمية المتنوعة -من كلية طب الأسنان في جامعة دمشق إلى زمالات في الصحة العالمية والدبلوماسية وحقوق الإنسان من جامعة كاليفورنيا في بيركلي- جعلته شخصية متعددة الأبعاد، تجمع بين الخبرة الطبية والمعرفة الدبلوماسية والالتزام الحقوقي.

إن تعيين د. كتوب يمثل أكثر من مجرد تغيير وظيفي، إنها رسالة واضحة بأن صوت الضحايا سيبقى حاضراً في المحافل الدولية عبر من عاشوا التجربة وعايشوا الألم، وهي خطوة تذكرنا أن الدبلوماسية الحقيقية ليست مجرد بروتوكولات ومراسم، بل هي امتداد للذاكرة الوطنية وسعيٌ دؤوب نحو تحقيق العدالة.

كم كلمة هادئة قالها وهو يضمّد جراح الأطفال في ذلك القبو قد تصرخ اليوم في أروقة الأمم المتحدة ، ليكون “أعلى صرخة من أي بيان رسمي”، وهنا تكمن قوة الحقيقة التي تسكن تفاصيل شهادته، والتي تحولت من أداة إثبات في المحاكم إلى سلاح دبلوماسي في وجه نظام الأسد وحلفائه.

وفي النهاية، يظل تعيين د. كتوب تجسيداً لمسيرة شعب من الظلم إلى العدالة، ومن الصمت إلى الصوت، ومن غرفة العمليات تحت القصف إلى مقعد الدبلوماسية تحت الأضواء، إنها إحدى المعادلات النادرة في السياسة الدولية، حيث تنتصر إنسانية الضحية على آلة القمع، ويحضر الماضي بألمه ليس كعبء، بل كبوصلة أخلاقية ترسم مستقبلاً مختلفاً.

Leave a Comment
آخر الأخبار