قبل أن تمضي سورية نحو أخطر إجراء اقتصادي.. اختبار ما قبل قرار “التعويم المُدار” وتساؤلات خبير تنتظر الإجابة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحريّة – نهى علي:
لا تبدو خطوة ذات شعبيّة بالمطلق، تلك التي أعلنها مصرف سورية المركزي بخصوص اعتزامه اعتماد سياسة التعويم المُدار لليرة.. وإن لم يكن ثمة مجال للحديث عما هو شعبي في المسائل النقدية “كار النخبة”، فإن الرأي الأكاديمي يبدو مهماً في هذا المجل، ففي القطاع النقدي تقترب كثيراً وتزداد التقاطعات بين الرأي التنفيذي والآخر الأكاديمي.

د. قوشجي: غياب الاحتياطي النقدي الكافي لدى مصرف سوريا المركزي.. مما يحدّ من قدرته على التدخل الفعّال

هواجس

إعلان “المركزي” لاقى ردود أفعال متباينة، فإن كان ما أعلنه خطوة “شجاعة”، إلا أن ثمة مخاوف لم يخفها كثيرون ومنهم الخبير الاقتصادي والمصرفي إبراهيم نافع قوشجي في حديثه لصحيفتنا الحرية.. فهو يرى أن هناك بعض التحديات التي تواجه مصرف سورية المركزي في تطبيق هذه السياسة.
فالتحدّي الأول برأيه.. هو غياب الاحتياطي النقدي الكافي لدى مصرف سورية المركزي، مما يحدّ من قدرته على التدخل الفعّال.
أما التحدي الثاني فهو.. ضعف الأرصدة المصرفية (رصيد المكوث) لدى البنوك التجارية، مما يقلّل من إمكانياتها في التحكم بسعر الصرف أو تمويل المستوردات.
والتحدّي الثالث.. اكتناز كميات كبيرة من الدولار الأمريكي خارج الجهاز المصرفي، ما يساهم في إضعاف قدرة السوق الرسمية على ضبط عمليات الصرف.
وهناك التحدّي الرابع وهو .. هروب رؤوس الأموال خارج الاقتصاد السوري خلال العقد الماضي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة النقدية.

د. قوشجي: تطبيق سعر الصرف العائم المُوجه قد يؤدي إلى زيادة الضعف الاقتصادي وعدم استقرار الأسواق لفترات طويلة.. وهو أمر قد لا يتحمله المجتمع السوري في ظل الفقر وتدني الأجور

نصائح

يتحدّث الخبير قوشجي بلغة وأبعاد أكاديمية، دون أن يهوّل لا سلباً ولا إيجاباً، وبدا حريصاً على الحديث وفق معطيات علمية متأنية.
ويشير في حديثه لنا إلى أن هناك العديد من سياسات إدارة سعر الصرف، ومن بينها سعر الصرف المُدار (العائم المُوجه)، وهو نظام يتم فيه تحديد سعر العملة وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق، مع تدخل البنك المركزي عند الحاجة لضبط التقلبات الحادة والحفاظ على الاستقرار النقدي. هذا يعني أن مصرف سوريا المركزي لا يترك الليرة السورية لتتحرك بحرية تامة، بل يتدخل عبر أدواته النقدية لضمان عدم حدوث تقلبات غير مرغوبة.
وهنا يُفصح عن وجهة نظره بخصوص آلية تدخل لتحديد سعر الصرف وقيادته عند سعر محدد، وينصح باستخدام الاحتياطي النقدي لضبط العرض والطلب على العملات الأجنبية، ثم تحديد نطاقات سعرية يتحرك ضمنها سعر الصرف، بحيث لا يتجاوز حدوداً معينة.
وكل ما سبق مقترناً إجراءات رقابية لمنع المضاربات غير المشروعة التي قد تؤدي إلى تقلبات حادة.
يعود الخبير المصرفي إلى واقع تحرك مصرف سورية المركزي في تحديد سعر الصرف منذ 2011، ويشير إلى أنه منذ عام 2011، لم يتمكن مصرف سورية المركزي من قيادة تغيّر سعر الصرف، بل أصبح التعديل الرسمي للأسعار تابعاً لحركة السوق السوداء حتى يومنا هذا.

د. قوشجي: إذا امتلك البنك المركزي احتياطات نقدية قوية يمكنه تبنّي سعر صرف مدار والتدخل عند الحاجة لضبط السوق.. أما في حال انخفاض الاحتياطات فإن التعويم المُوجه يصبح غير واقعي

بيئة غير ناضجة للقرار

عند تجاوز كافة التحديات المذكورة، يظل السؤال الأهم: كيف اختار مصرف سوريا المركزي هذه السياسة؟ فتبني نظام التعويم المُدار، برأي د. قوشجي عادةً ما يتم بناءً على مجموعة من العوامل الاقتصادية، السياسية، والتنموية، التي تكون جزءاً من استراتيجية اقتصادية تهدف إلى استقرار الاقتصاد وزيادة قدرته على تحقيق النمو.

وأول هذه العوامل.. ما يتعلّق بطبيعة الاقتصاد المحلي، إذ تعتمد سوريا بشكل كبير على التبادل التجاري الخارجي، لكنها تعاني من ضعف الإنتاج المحلي. لذا، فإن تطبيق سعر الصرف العائم المُوجه قد يؤدي إلى زيادة الضعف الاقتصادي وعدم استقرار الأسواق لفترات طويلة، وهو أمر قد لا يتحمله المجتمع السوري في ظل الفقر وتدني الأجور.

أما العامل الثاني فيتعلّق بمستوى الاحتياطي النقدي والقدرة على التدخل: إذا امتلك البنك المركزي احتياطات نقدية قوية، يمكنه تبنّي سعر صرف مدار والتدخل عند الحاجة لضبط السوق، أما في حال انخفاض الاحتياطات، فإن التعويم المُوجه يصبح غير واقعي، حيث يصعب ضبط السوق بكفاءة.

العامل الثالث، هو ما يخصّ معدلات التضخم والاستقرار النقدي: سوريا تعاني من معدلات تضخم مرتفعة، وقد يؤدي عدم قدرة مصرف سورية المركزي على تثبيت سعر الصرف إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير جداً، مما يزيد الأعباء المعيشية.

ويصل الخبير الاقتصادي والمصرفي إلى نتيجة مفادها، أنه في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، يبقى تبنّي سعر الصرف المُدار (العائم المُوجه) خطوة تتطلب دراسة دقيقة وإجراءات مكملة لضمان نجاحها دون التسبب في اضطرابات إضافية. إن ضعف الاحتياطي النقدي، والتضخم المرتفع، والتحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد السوري، تجعل هذه السياسة محفوفة بالمخاطر ما لم تُرافقها استراتيجيات دعم قوية، تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، تحسين بيئة الاستثمار، وضمان الشفافية في إدارة النقد والسياسة المالية.

السؤال المُحرج

يبقى السؤال الأهم من وجهة نظر محدثنا الخبير والأكاديمي المتخصص هو.. هل يملك مصرف سوريا المركزي الأدوات اللازمة لتنفيذ هذه السياسة بفعالية، أم إن السوق السوداء ستظل العامل الحاسم في تحديد سعر الصرف؟ وحدها المرحلة القادمة ستكشف مدى قدرة هذه الخطوة على تحقيق استقرار فعلي في الاقتصاد السوري، أو إن كانت ستحتاج إلى تعديلات جوهرية لتجنب تداعياتها السلبية.

Leave a Comment
آخر الأخبار