الحرية – سامي عيسى:
تحديات كبيرة كانت حجرة العثرة أمام الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة الماضية أخطرها “البيروقراطية- فساد الإدارات- شخصنة العمل” هذه التحديات كانت من الداخل، أما صعوبات الخارج فكانت كثيرة ومتنوعة أدت الى ظهور ما ذكرت، مع فرض أجندة عمل محددة، وكل إجراء لا يتفق معها هو حكماً باطل، الأمر الذي أدى بشركات القطاع العام وخاصة الصناعي منه إلى الهاوية بصورة تدريجية، إلى أن وصلت إلى الحالة المتردية والتي دفعت الحكومة الجديدة باتجاه الخصخصة، إعلانها بيع أكثر من 107 شركات صناعية، اعتمدته كخيار إستراتيجي ينطوي على عدم تحملها لأخطاء العهد البائد، المتراكمة في هذا المجال من جهة، والعمل على إنقاذ ما تبقى من الشركات من حالات الافلاس والخسارة من جهة أخرى، ليس هذا فحسب، بل تخفيف الضغط عن الخزينة العامة والأعباء المالية، التي يمكن توظيفها في مجالات أخرى، أكثر أهمية من الناحية التنموية والاقتصادية وغيرها..
لكن السؤال هنا هل يقتصر الأمر على الشركات الخاسرة، أم أن التوجه يطول الجميع ضمن توجهات الدولة باتجاه اقتصاد السوق، لتخفيف الأعباء المالية والإدارية عن الدولة خلال هذه المرحلة الانتقالية..؟
ومالفائدة المرجوة التي تحققها الدولة باعتبارها طرفاً في عقود الخصخصة مع المستثمرين الجدد..؟
مقاربة واقع
الخبير الاقتصادي الدكتور “عمار يوسف” يقدم رأياً يقارب حقيقة ما حصل خلال ستين سنة الماضية، والتي اعتاد فيها المواطن السوري على نوع من الدعم، خاصة فيما يتعلق بالقطاعات الخدمية من كهرباء ومحروقات وطبابة، وتعليم ومصانع معينة كانت تقدم المواد بأسعار بسيطة ومدعومة، وبالتالي بعد هذه المرحلة سيواجه المجتمع السوري صدمة بموضوع “الخصخصة” وخاصة أن هذه سوف تعطي السعر الحقيقي للسلعة المستهلكة، مع إضافة هامش من الأرباح للشركات المنتجة والتي قامت بشراء شركات القطاع العام، أو التي وقع عليها فعل الخصخصة..
إضافة لذلك سنواجه مشكلة حقيقية، تكمن في واقع القطاع العام الصعب، فمعظمه مدمر سواء من ناحية الحرب خلال السنوات الماضية، أم من خلال حالات الفساد والترهل الإداري والنهب والسرقة، التي كانت موجودة خلال الفترة الماضية، وخاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبالتالي فهو غير جاذب للاستثمار الخارجي، ولا حتى الخصخصة بشكلها الصحيح، باعتباره “منهكاً” خاصة ما يتعلق بمصانعه وشركاته الإنتاجية، والتي لم تخضع للتحديث والتطوير والتعديل منذ عشرات السنين، علماً أنها كانت تدفع رواتب ومستحقات عمالها من خلال الخزينة العامة لأنها كانت قطاعات خاسرة “مع كل أسف” بسبب الأعباء الاجتماعية، وبذلك لا تعتبر مجالاً مشجعاً للاستثمار والخصخصة، لأنها بحاجة لإعادة تجهيز من جديد، مثلا كقطاع الشركات الصناعية، والتي يمكن الاستفادة من بنيتها التحتية والخدمية، إضافة لمواجهة مشكلة كبيرة، “وهي حجم العمالة” في الشركات التي سوف تخضع لعملية الخصخصة..
أسئلة مشروعة
وبالتالي السؤال هنا هل عملية الخصخصة في ظل هذا الواقع أمر سليم؟، وهو سؤال عريض يحتاج لأجوبة عديدة، لكن نحن نقف عند سؤال محدد، هل آلية الخصخصة سوف تتجه لفصل العاملين، بفعل الحاجة لها أم لا؟، وهل سيتم تقاضي أرباح كبيرة على الخدمات التي تقدمها الشركات؟، والأهم هل ستتحسن معيشة المواطن بشكل عام، بما يتناسب مع موضوع الخصخصة ومفهومها الاقتصادي..؟
في “رأي يوسف” على المدى القريب الأمر مزعج للمواطن السوري، باعتباره من أكثر دول العالم انخفاضاً في الدخل، لكن مستقبلاً من الممكن في حال تحسين مستويات الدخل، أن تكون الخصخصة هي الحل الوحيد لمعالجة حالات الفساد والترهلات الموجودة في الجسم الإداري والإنتاجي في القطاع العام..
“وبالتالي الخصخصة” سلاح ذو حدين، في بداية الامر سيكون الوضع قاسياً، لكن إذا بدأت الأوضاع بالتحسن ودخلت مرحلة التعافي، سوف تنعكس الأمور إيجاباً على مصلحة المواطن، فمثلاً إذا لم تتحسن الأوضاع فهناك نتائج سلبية على حياة المواطن منها على سبيل المثال، موضوع الطبابة فإذا تم تخصيصه من دون دخل جيد، نحن أمام كارثة حقيقية بالنسبة للضمان الصحي، والأمر ينسحب على التعليم والمرافق العامة الأخرى وخاصة التي كانت تحظى بدعم من الدولة، وبالتالي الحل الوحيد لتحسين معيشة المواطن وتعافي الاقتصاد، توفير بيئة جاذبة لخصخصة شركات القطاع العام، تتحمل الدولة جزء من هذه الخصخصة لضمان حق الدولة والمواطن..
مرتكزات مهمة
أيضاً الخبيرة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب تذهب بنفس الاتجاه حول موضوع “الخصخصة “، وتضيف إنه يمكن النظر إلى القرار من منظور المنعكسات والمتطلبات الاقتصادية، لاتخاذ هكذا قرار بهذا الحجم الكبير، لا بد من تحقق المرتكزات التالية حتى نتلافى سلبيات الخصخصة ويمكن تحقيق حد أدنى من المنافع:
المرتكز الأول: الخصخصة لا تأتي بمعزل عن الرؤية الاقتصادية للدولة، وهي جزء من سياسة اقتصادية كلية غير موجودة، وهذه لم تتبلور بالشكل المطلوب في ظل الظروف الحالية.
المرتكز الثاني: لم يوضح السيد وزير الاقتصاد ما شكل الخصخصة التي يتحدث عنها، هل يتحدث عن بيع للأصول ونقل الملكية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وهل القطاع الخاص محلي أم أجنبي؟ أم يتحدث عن نقل الإدارة من القطاع العام إلى القطاع الخاص؟ أم يتحدث عن تشاركية بين القطاعين العام والخاص؟ وغيرها من صيغ الخصخصة المتنوعة، وكل صيغة حتى تحقق الإيجابيات المرنو إليها تحتاج توافر مقومات محددة ومدروسة بعناية.
في حين المرتكز الثالث يتضمن اتخاذ القرار بالخصخصة يتطلب دراسة تفصيلية لواقع القطاع العام (كل شركة وكل مؤسسة على حدة)، وبالتأكيد لا يمكن القول إنه خلال الشهرين المنصرمين من تولي الحكومة السُلطة التنفيذية أنه تم إجراء الدراسات الكافية والكفيلة باتخاذ القرار الذي يضمن عدم ضياع حق الشعب السوري في أمواله العامة.
المرتكز الرابع: تعاني سوريا من تركز شديد في الثروة وترهل في المؤسسات الحكومية وانتشار الفساد الكبير، وفي ظل هذه المعطيات فإن الخصخصة تحت أي شكل من الأشكال لن يؤدي سوى إلى إعادة تمركز الثروة وعدم نزاهة العملية، فضلاً عن غياب الشفافية التي ستؤدي حكماً إلى تحقق السلبيات دون الإيجابيات.
مع ضرورة الانتباه إلى أن سوريا ما زالت ترزح تحت ضغط العقوبات الاقتصادية الدولية التي احترف العديد من رجالات المال التابعين للنظام السابق الالتفاف عليها، وبالتالي سيكونون هم المستفيدين الوحيدين من الخصخصة، أي مزيد من إثرائهم غير المشروع بالسماح لهم بتولي المؤسسات المملوكة للدولة وبعض الخدمات العامة بما يضر المصالح الاقتصادية والإستراتيجية طويلة الأجل للدولة والشعب السوري.
لذا فإن التخلص من الممتلكات العامة للدولة دون الأخذ بنتيجة إغفال كل ما ذكر أعلاه سيؤسس إلى فشل الحكومات التالية، ونحن بغنى عن هذه الخطوة في الوقت الراهن، وإذا تم الأمر نحتاج لمزيد من الانتباه من عودة المسفيدين من العهد البائد الى الساحة بصور مختلفة، وهذه مشكلة كبيرة أمام نجاح عملية الخصخصة، في حال كان هدفها انقاذ الاقتصاد الوطني من حالات الترهل الإدارية والإنتاجية وخسارة المنفعة للدولة والشعب، وخاصة أن الأصول الحكومية كبيرة وضخمة جداً، وإذا تمت إدارتها بشكل صحيح، فإن قيمتها بالنسبة للشعب من حيث المنافع الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تكون عظيمة، ومواردها -في ظل عدم نضوج قطاعنا الخاص- يمكن أن تدعم الخزينة العامة للدولة وتساعد الحكومة في تحسين أدائها الاقتصاديّ وضمان توفير الخدمات العامة الأساسية والدفاع الوطني والأنشطة التي تهم المصالح العامة.
في غاية الأهمية
الخبير الاقتصادي الدكتور رغيد قصوعة أشار إلى مسألة في غاية الأهمية يجب الانتباه لها، تتعلق بالسعر العادل للشركات، وطريقة تقييم الأصول بصورة صحيحة، وللوصول لذلك لابد من إعادة تقييم الأصول وإن كانت متهالكة، لكن يبقى هناك مباني وعقارات تقدر قيمتها بعشرات آلاف أضعاف قيمتها الدفترية، من دون أن نتجاهل البحث في مسألة لا تقل أهمية عما سبق، تتعلق بموضوع التشابكات المالية بين القطاع العام الصناعي ذاته، وبين وزارة المالية وصندوق المعدل للأسعار، كل هذه الأمور تحتاج الى إعادة تقييم ودراسة بصورة متأنية، للوصول الى حلول لها، حتى نصل لكل شركة، وتحديد مالها وما عليها وبالتالي تصفية كل الحسابات، لذا نجد أن موضوع الخصخصة عنوان عريض جداً، يحمل الكثير من المفاهيم والتفصيلات، لذلك لابد من معرفة الخصخصة هل هي بهدف البيع الكلي للخاص، والأخير يتكفل بإعادة التشغيل، أم تبقى الدولة شريكاً له بنسب معينة..؟
بالنتيجة
“الخصخصة ” ليست عصاً سحرية، ولا دواء شافياً لكل الأمراض المتوارثة عن العهد البائد، وينقذ الشركات من الخسارة، بل يجب أن تكون حلاً من جملة حلول ينبغي التفاضل فيما بينها، وخاصة أن القطاع الخاص لايسعى للدخول في شراكات مع شركات خاسرة، بل عينه على الشركات الرابحة، ولنا في ذلك تجارب سابقة حيث أعلنت الحكومات البائدة الكثير من الشركات للاستثمار لكن من دون جدوى…
ونرى أنه مهما كانت التوجهات لإنقاذ الشركات يجب أن تبقى الملكية للدولة، والصناعات الثقيلة تحت يدها، من نفط وطاقة ونسيج والتعدين وغيرها حتى تبقى الصناعة الداعم الاول للاقتصاد الوطني من دون أن ننسى الحفاظ على الحالة الاجتماعية المرافقة لأي نشاط..