الحرية – محمد زكريا:
لم يكن القرار الصادر عن وزارة الاقتصاد والصناعة بخصوص منع استيراد السيارات المستعملة بالأمر المفاجئ، ولاسيما أن وزير النقل الدكتور يعرب بدر، أكد في عدة مناسبات ولقاءات ضرورة وضع دراسة جديدة لجهة استيراد السيارات، وأن الحال القائم لجهة استيراد السيارات المستعملة لن يتم على الشكل القائم، وبالتالي التوجه نحو السيارات الحديثة، ولكن ربما يكون القرار مفاجئاً لجهة توقيته، ولاسيما أن قرار السماح لم يمضِ عليه أكثر من ستة أشهر.
مؤشرات واقعية
في القراءة الواقعية لما أفرزته فترة السماح باستيراد السيارات المستعملة من فوضى وعشوائية في السوق المحلية، ظهرت العديد من المؤشرات السلبية، أهمها أغلبية السيارات المستوردة، ولاسيما الواردة من دول الإقليم ، مقصوصة أو غارقة، وبحسب الإحصائيات شبه الرسمية، فإن نسبة السيارات المستوردة من دول الاقليم منذ بداية التحرير ولغاية تاريخ قرار المنع، بلغت 80% من العدد الإجمالي للسيارات التي تم إدخالها إلى البلد.
في حين تقدر نسبة السيارات المستوردة من دول أوروبا بحدود 20%. وبحسب ما صرح به مدير عام مديرية استيراد السيارات في وزارة النقل عبد اللطيف شرتح فإن عدد السيارات المستعملة التي دخلت البلد وصل إلى نحو مئة ألف سيارة بقيمة مالية وصلت إلى حدود 3 مليارات دولار، وهذا رقم لا يُستهان به لبلد خارج من حرب استمرت لسنوات طويلة.
بالتأكيد كل ما نتج عن فترة السماح باستيراد السيارات، لم يكن بالمستوى المأمول منه، وذلك لفتح سوق استيراد السيارات على مصراعيه من دون ضوابط فنية محددة. ولعل غياب الشروط والمعايير الميكانيكية والفنية للسيارات المستوردة، أدى إلى توالي القصص حول الوضع الفني المزري لهذه السيارات.
تصحيح للفوضى
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد ياسين زكريا، اعتبر قرار إيقاف استيراد السيارات المستعملة بالقرار الصائب والسليم الذي يصب في مصلحة البلد والمواطن، فالقرار حفظ كرامة ورفاهية المواطن السوري، وهو مدروس بشكل علمي ومناسب للواقع، ويعدّ تصحيحاً لفوضى استيراد السيارات التي حصلت بعد التحرير. كما أنه حماية للمستهلك المتعطش لاقتناء سيارة، حيث إن معظم السيارات التي تم استيرادها كانت بمواصفات تقنية وفنية متدنية بسبب جشع التجار، وبالتالي أسعار منخفضة، ما شجع المستهلك على الشراء من دون حساب العواقب والتبعات.
وأوضح زكريا لصحيفتنا “الحرية”، أنه ربما البعض استنتج من قرار المنع أن أسعار السيارات المستعملة سوف يقفز ربما إلى الضعف، ولكن المنطق الاقتصادي -حسب زكريا- يقول: إن البضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة من السوق، وبالتالي فإن استيراد السيارات الحديثة بأسعار مناسبة وإمكانية التقسيط، يؤدي إلى انخفاض الطلب على السيارات المستعملة، ومنه يؤدي بالضرورة إلى انخفاض أسعارها لمستويات متدنية.
مبيناً أن القرار مدروس بشكل صحيح، ولهذا استثنى من المنع “الرؤوس القاطرة – الشاحنات – آليات الأشغال العامة – الجرارات الزراعية – وحافلات النقل الجماعي بعدد مقاعد 32 فما فوق”، كون هذه الآليات المستثناة تخدم القطاعات الصناعية والخدمية والزراعية وقطاع النقل، وبالتالي استيراد المستعمل منها يوفر على مستخدميها آلاف الدولارات ويخفض تكاليف الإنتاج.
تلوث بيئي
ونوه زكريا بأن القرار لم يكن ساعياً بالدرجة الأولى إلى توفير القطع الأجنبي، ومنع استنزافه، ولكنه أخذ بعداً أكبر، فمن المؤكد أن مصاريف صيانة السيارات المستعملة بدأت من اللحظة الأولى لاقتنائها، ناهيك بعدم توفير قطع التبديل للسيارات التي دخلت إلى البلد مؤخراً، حيث تمت ملاحظة حجم الضغط على الطرقات العامة في الفترة الأخيرة، إضافة إلى ما تسببه هذه السيارات المستعملة من حالة التلوث البيئي، ولاسيما أن أغلبية هذه السيارات تستخدم “الديزل”.
وأضاف: ربما تكون الثغرة الوحيدة في القرار هي حصر استيراد السيارات قبل عامين فقط من عام الصنع، وكان من الأجدى فتح هذه المدة إلى خمسة أعوام سابقة لعام الصنع، وأنه من المتوقع أن يتبع هذا القرار قرارات استبدال متتالية حتى لا يبقى في سوريا سيارة ذات قِدم أكثر من 10 سنوات سابقة.
لا خوف
سيف شيخ الحدادين صاحب مكتب لتجارة السيارات، أشار إلى أنه من المؤكد ستشهد السوق المحلية حالة من الجمود والركود نتيجة هذا القرار، وربما يلجأ البعض إلى رفع الأسعار، لكن ذلك لا يستمر طويلاً، لأن الأفضلية تكون في المبيع للسيارات الحديثة، وبالتالي يخفّ الطلب على السيارات المستعملة، ما يضطر التاجر إلى تخفيض الأسعار نتيجة عدم الطلب عليها كثيراً، موضحاً أن السوق المحلية في كثير من الأحيان تخضع لعملية العرض والطلب من دون النظر لاعتبارات أخرى، مثل الحالات الفنية والميكانيكية للسيارات، وبالتالي لا داعي للتخوف من الارتفاع بأسعار السيارات المستعملة.