واشنطن تطرح مشروع «قرار دولي» لحكم غزة حتى 2027.. ماذا في التفاصيل؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية ـ سامر اللمع:

يدخل قطاع غزة مرحلة دقيقة تتشابك فيها الأبعاد الإنسانية والأمنية والسياسية، ومع توقف القتال تبرز الحاجة إلى ترتيبات واضحة تضمن استمرار الخدمات الأساسية وتمنع الفوضى. وفي ظل غياب سلطة مدنية فاعلة، يتحول النقاش حول «اليوم التالي» إلى بحثٍ عن صيغة إدارة انتقالية توازن بين متطلبات الأمن وضرورات الإعمار.
كما يتم الحديث عن عدة خيارات حول شكل الحكم الممكن في المرحلة المقبلة، تتفاوت بين ترتيبات أمنية مباشرة وصيغ إدارة انتقالية أو مدنية، ضمن محاولات لتحديد من يتولى مسؤولية تسيير شؤون القطاع وإعادة بنائه.

ـ تحرك أمريكي في مجلس الأمن

في هذا السياق، يأتي التحرك الأمريكي في مجلس الأمن لطرح مشروع قرار يتيح إنشاء قوة دولية متعددة الجنسيات في قطاع غزة لمدة عامين على الأقل، تتولى إدارة الشؤون الأمنية والإنسانية خلال المرحلة الانتقالية.
وكشف موقع «أكسيوس» الأميركي, أن الولايات المتحدة بدأت أمس, الاثنين, تحركاً رسمياً في مجلس الأمن, ووفق وثيقة قال الموقع إن تصنيفها «حساس ولكن غير سري» وزعتها واشنطن على عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، فإن المشروع يمنح «القوة الدولية للأمن» تفويضاً واسعاً في قطاع غزة يمتد حتى نهاية عام 2027، مع إمكانية التمديد لاحقاً.
وقال مسؤول أميركي إن أعضاء مجلس الأمن سيُناقشون مشروع القرار خلال الأيام المقبلة تمهيداً للتصويت عليه، بهدف نشر أولى وحدات القوة في غزة بحلول كانون الثاني المقبل.

ـ تفاصيل المشروع الأمريكي

في تفاصيل مشروع القرار الأمريكي, فإن خطة التنفيذ تتضمن تشكيل ما يُسمى بـ”قوة تثبيت الاستقرار” وتعمل بتنسيق مباشر مع كلٍّ من الاحتلال الإسرائيلي ومصر والسلطة الفلسطينية.
ووفق مصادر دبلوماسية في نيويورك، يُتوقع أن يُطرح المشروع للتصويت قريباً، لكن ليس قبل الأسبوع المقبل. ويستند المشروع إلى خطة النقاط العشرين التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أواخر سبتمبر/أيلول، وإلى ما سُمّي بـ«إعلان ترامب للسلام والازدهار المستدام» الذي وُقّع خلال قمة شرم الشيخ في 13 أكتوبر/تشرين الأول، بمشاركة ترامب وعدد من القادة الإقليميين.
وتنص الوثيقة على أن القوة الدولية التي ستُنشأ في غزة ستكون مخوّلة بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية. ويقترح النص خطوات عملية لإعادة إعمار القطاع وتثبيت الأوضاع الإنسانية فيه، من دون تفعيل المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، أي من دون منح تفويض باستخدام القوة العسكرية الملزمة من قبل الدول الأعضاء. كما تتضمن بنود المشروع الاعتراف الرسمي بالخطة السياسية والدعوة إلى تنفيذها بشكل كامل ودون تأخير، وإنشاء هيئة انتقالية دولية تُعرف بـ”مجلس السلام” (Board of Peace)، تتولى الإدارة المؤقتة للقطاع والإشراف على الأموال المخصصة لإعادة الإعمار، إلى جانب التحضير لتسليم الصلاحيات تدريجياً للسلطة الفلسطينية بعد استكمال إصلاحاتها.

ـ تنسيق المساعدات الإنسانية

يشرح مشروع القرار الأمريكي المقدم لمجلس الأمن, بعض مهام «مجلس السلام» في المجال الإنساني, حيث من المفترض أن يتولى تنسيق المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار، والإشراف على لجنة تكنوقراطية فلسطينية «مستقلة وغير سياسية» لإدارة الشؤون المدنية اليومية في غزة، إلى حين إنجاز السلطة الفلسطينية إصلاحاتها واستلامها مهامها بشكل كامل.
أما المساعدات الإنسانية، فستسلم عبر منظمات شريكة لمجلس السلام، منها الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر، مع حظر التعامل مع أي جهة يثبت تورطها في إساءة استخدام المساعدات أو تحويلها عن مسارها.

ـ قوة متعددة الجنسيات

في هذا السياق ، نقلت شبكة «فوكس نيوز» عن رئيسة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، أن 16 دولة و20 جهازاً حكومياً يشاركون حالياً في الإعداد لقوة متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في غزة، مشيرة إلى زيارتها المفاجئة لمركز التنسيق الأميركي في «كريات غات» بإسرائيل ولقائها ضباطاً أميركيين وإسرائيليين.
وأضافت الشبكة أن مسؤولة الاستخبارات الأميركية عقدت اجتماعات مع نظرائها في الاستخبارات الإسرائيلية لمتابعة الترتيبات الميدانية لنشر القوة.
وفي تقرير آخر لصحيفة «تلغراف» البريطانية أكدت مصادر دبلوماسية أن القوات التي ستُنشر على الأرض ستأتي بشكل رئيسي من دول المنطقة لتخفيف الحساسية السياسية والتوتر في غزة.

ـ نموذج هجين للإدارة

عموماً، يبدو أن شكل الحكم الجديد في قطاع غزة, ما بعد العدوان الإسرائيلي الأخير, هو نموذج هجين للإدارة، حيث من الصعوبة بمكان فهم شكله رغم كل التصريحات والرسومات والشروحات التوضيحية المصاحبة.
فما بين الإدارة العسكرية في مستوطنة كريات غات، والإدارة المدنية في العريش، وحكومة التكنوقراط الفلسطينية في قطاع غزة، ومحاولة السلطة الفلسطينية في الضفة إيجاد مكان لها داخل هذا النموذج، واستمرار التقارير الاستخباراتية في خلق علاقة صلاحيات ومسؤوليات ومتابعة ما بين هذه الأذرع، فإنه ما من بنية سياسية واضحة. فهي متراكبة، ومتداخلة، بحيث لا يعرف فيها شكل الحكم عموماً، فهو نموذج جديد كلياً، لا يشبه الانتداب، أو الوصاية، أو الحماية، أو الاستعمار المباشر، بل يكاد أن يكون خلطة من كل ما ذكر.

Leave a Comment
آخر الأخبار