قصيدة النثر بين الحرية والدهشة: الشاعر عمار المسعودي يتأمل الشعرية والوجود

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – هويدا محمد مصطفى:

ثمة علاقة بين جمرة الشعر وحريق الروح والقلق الوجودي، هذا ما نجده في تجربة الشاعر عمار المسعودي وهو يتأمل أداته تأملاً شعرياً. ويغدو الفكر وسيطاً بين الشعر واللغة، وقد برع الشاعر في تشكيله اللغوي البصري، وفي حشده الصور دلالياً في فضاء سردي ممزوج برؤية شعورية، لتمنح النص مساحة تتسع باستمرار وتمنح القارئ فسحة للتأمل في النص المفتوح الذي يوحي بقراءة لا تنتهي.

صحيفةالحرية التقت الشاعر العراقي د. عمار المسعودي وكان هذا الحوار:

_متى يمكن للشاعر أن يكشف آليات الخطاب الشعري ومدى انفتاحه على تجليات اللحظة الإبداعية؟
_ آليات إنتاج الشعرية هي الشأن الشعري الأكثر غموضاً وخفاء؛ إن كنا معنيين بالكشف عن كيفية حصول كل هذه العلاقات، وهي تشكل شبكة انسجام لغوي يحصل نتيجة هضم عشرات الخطابات المذابة، وهي تخصب بعضها وصولاً إلى لحظة كشف لم يكن للمدوِّن أن يرسم لها لوحاتها ولا ألوانها.
الخطاب الشعري منتج غائب يظهر وقت أن يظهره كاتبه مادة خاماً تتسم بالفطرة والعفوية. فالخطاب الشعري يقف بالضد من الخطابات الأخرى لكونه يشظي المعاني جراء زحزحة اللغة عن أمكنتها ومواضعها، سواء أكان الأمر حاصلاً جراء الاستبدالات العمودية لبعض من المجاز العمودية أو بالمجازات الأفقية، ممثلة بأساليب علم الجملة خبراً وإنشاء. مضافاً إلى كل ذلك اختيار الفضاءات وزوايا النظر.
الشعرية مفهوم بالضياع لا وجودَ في الوجود.

_قصائدك ترجمة للواقع بأسلوب يجمع بين الفلسفة والدهشة، ماذا تقول في ذلك؟

_ لا تخلو أي تدوينات من وجود الواقع؛ يبدأ الاختلاف في نوع المدونة وقوة التخييل، وهي تدير عملية الإبداع، تلك العملية الفاصلة بين الحاصل الثابت بعناصره وثبات دلالاته اللغوية. فإن كان الشعري يعيد المعنى نفسه مرسومات متطابقة معجمياً كان مجرد واصف مطابق غير منشغل بتهشيم العالم ثم يقوم بإتمام ترتيبه وفقاً للرؤية الإبداعية؛ ليكون الشعر فناً جميلاً مسانداً ومساعداً على تقديم الكون بطريقة جديدة، فاتحاً النوافذ لا مكرراً الأسيجة، فاتحاً موسعاً على الإدراك مسارات الأمل، مخلفاً الدهشة المتحققة من الجدة التي في المشهديات المبتدعة.

_الكثير من الأدباء يعبّرون عن آرائهم من خلف ستار شخصياتهم، هل عمار المسعودي موجود في كتاباته كشاهد لكل عصر؟

_ أؤمن بموت الشاعر؛ فالحضور يعني المعاني الثابتة المكررة مثل طريق المدرسة. بغياب الشاعر أو موته تحضر اللغة متحدّة مع جدية المخيلة في التحاف واتحاد، وهما يقدمان العالم بطريقة لا يمكن أن يستدل منهما على المدون، لكون حضوره يعني أن هناك قصدية أو غرضية تبعد الفعل الشعري عن الوصول إلى توهجه، سياحة عامة تسعى لجمع الشظايا وبث الفوضى لا ترتيب الأحجار، حدّاً صلباً يمنع العين عن النظر. لأن للمعنى والغرض جهة واحدة تمنع ثلاث جهات من الوجود، ما يحرمنا أو يسلبنا حرية التواجد الحر، سياحة بين كل هذه الجهات.
قد يظهر الشاعر وفقاً لفضائه الشعري أو من مناطق اشتغاله، توهجه وانطفائه، قربه وبعده.

_ما زالت هناك جدلية حول قصيدة النثر، وأنت تكتب قصيدة النثر، برأيك ما الذي يميزها عن بقية الأنماط الشعرية؟

**_ بدءاً يمكن أن أقول إن الشعرية لا تخضع للتجنيس، وما الشكل إلّا ضرورة تخضع لزمان ومكان وفقاً لحاجات لا مجال ولا محل لها هنا للخوض تفصيلاً عنها.
الشكل ليس إيديولوجياً، لذا لا يمكن أن نعد الكتابة الواقعة خارج اشتراطات فنية معينة إشكالية. علينا أن نتبارى تحت ألويتها أحباراً مُسالة ندية.
أنا عشت وجودي تحت مظلة قصيدة النثر كاتباً قارئاً، وهذا لا يعني أني واقف شكلانياً تحت تنظيراتها، مدافعاً منافحاً الأشكال الفنية التي كتبنا عنها وحفظنا وتمثلنا وترنمنا.
الشعريات لا تخضع للقوالب، إنها وجود وحده، تجده في غيمة مشاكسة للريح، في تشكيل أو في فوتوغراف أو في سينما أو في موقف أو في رفيف أو في برق يزيل الظلمة عن عينيك.
قصيدة النثر شكل شعري وجدت فيه…عرض المزيد

قصيدة النثر شكل شعري وجدت فيه ما يلبي وجداني في الضياع لا في الوجود، في المحو لا في التدوين.
تحتاج قصيدة النثر لغرفة سيطرة تشرف على تفتيت الثوابت ثم إعادة تشكيلها، هي غرفة إدارة تقاطع مختلف الخطابات وصولاً لتشكيلة تؤدي بك للغياب ولاتؤدي بك إلى الحضور.
*_هل ترى أن ثقافة الشاعر تخدمه شعرياً أو شعره يخدمه ثقافياً ؟
**_الشعر هو الفطرة والقدرة على إعادة الطفولة للأشياء ؛ ما يجعل الشاعر هو الحادس المنتظر لا المبين المتيقن .
الثقافة هي سعة الخزين الذي يمتح الشاعر منه صوراً ورؤى وتمثلاث ومقاربات .

الشعر لا يأتي من الفراغ بل الشعر بعد كل المعرفة عليه أن يذهب إليه وأعني الفراغ ؛ فالامتلاء يقف ضداً من سببية اختراع الشعر فناً جميلاً يقدم هذا العالم بطريقة فتح النوافذ وصناعة التشكيلات المدهشة .
الخطابات التي لابدّ من مقاطعتها داخل النص الواحد تحتاج معارف وأحداساً وهذه كلها توجد بيانات وعرفانات لابدّ للعقل الشعري من استيعابها.
*_”مايتعطل من أسئلة”إحدى مجموعاتك الشعرية ماذا تتضمن المجموعة وهل برأيك العنوان يحقق الشهرة للشاعر؟
**_ كل الشعريات تبحث في المقولات المقموعة في ظل أنظمة استبدادية تمنع الأسئلة وهي تخلق وجوداً مضاداً لأجوبتها الثابتة .
العنوانات هي العتبات القرائية الأولى ؛ لذا لابدّ من أن تتحقق الدهشة والصدمة من معاينة العنوان ؛ فالكتب الشعرية التي تجيد صدمة العنوان ؛ سيكون من الحتمي من أنها قادرة على تقديم مدونات شعرية تحقق غرضها الجمالي بكامل الأناقة.
*_كيف تجد الواقع الثقافي في ظل الحروب بالعالم العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص؟
**_كل المغامرات الإبداعية كتبت في أجواء الصراعات والحروب كون الفنون تقف معادلاً مدنياً ضد استبداد الحروب وعبثيتها فالحروب تشوِّه والكتابة تزين.
المدونة الشعرية العراقية ماعدا قصائد التعبئة الحربية أُنتجتْ بردة فعل لهذا التشوية.
قصيدة النثر العراقية ازدهرت رداً واعياً ضد الخراب والعبث التي انتجتهما عقلية الحرب التي لا روح لها ولا فلسفة وجود إنسانية.
*_من خلال تجربتك في مجال النقد ومن خلال مانشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي من نقد لبعض النصوص الشعرية هل هذا هو النقد الحقيقي الذي يخدم النص الشعري ؟
**_(الميديا) هي الأداة المركزية في التواصل وهي وسيلة جماهيرية شعبوية مع وجود أرباب الإبداع الحقيقي من هنا يكون الجواب: مثلما نجد كتابات لا قيمة إبداعية لها سنجد حتماً كتابات نقدية قد لا ترقى لمشروطيات المدونة النقدية لذا سيكون الأمر متروكاً للقارى النوعي الذي يميز بين الجيد والرديء.
عن اشتغالاتي النقدية يمكنني القول: أنجزت كتابين نقديين عن المدونة الشعرية العمودية فضلاً عن عشرات المقالات الشعرية والسردية في المشهد الإبداعي العراقي والعربي.
*_كيف تتجلى صورة المرأة في قصائدك ؟
**_ عنصر رئيس من عناصر الكتابة لكونها تناصفنا الوجود لكني لم أوظفها كما هي في الواقع بل أقوم بتشظيتها، ابثها، أناجيها :
أقول: الصمتُ أنوثة، الكلام أنوثة وأنا ما بينهما أقول لامرأتي : هذا المخدع أغواني ؛ فتنفرش عن يميني وعن شمالي.
*_ماالقصيدة التي تسكن ذاكرتك؟
( مناجاة)
ربِّ إنها غاباتك فلا تجعلني صابئاً عن خضرتها أكثر مما أنا صابٍ .
ربِّ أنا أقرب إليك في هذه الغابات.
ربِّ لا تسمِّ هذه الأنهار، هذه الأشجار، هذا الهدير؛ فإن سميتَ كل ذلك؛ أنسيتني اسمي فوق ما أنا ناسٍ.
ربِّ امنحني من خضرتك قلماً ودواة لأسجل فوق صحراء روحي غابات لا تمحى.

Leave a Comment
آخر الأخبار