الحرية – حسام قره باش:
يبدو أن تدهور قطاع صناعة الجلود مستمر في سقوطه ولن تنتهي معاناته ما لم تجرَ له عملية جراحية عميقة بتحويل المسار، ليستعيد ألقه المفقود بعد أن كان يشكل ثالث مورد للخزينة بعد النفط والقمح، ويساهم بما نسبته 40٪ من الدخل المحلي، عدا عن سمعة المنتج السوري المشهود له عالمياً بمتانته وطراوته وجودته وتفوقه الصناعي والحرفي في دباغة وتصنيع الجلد الطبيعي بكل مراحله وتنوعه منذ آلاف السنين، إلى أن انحدرت هذه الصناعة إلى القاع بسبب ممارسات النظام البائد، وصارت على وشك الانقراض والنسيان، ما يجعلها اليوم بأمس الحاجة إلى خطة إنقاذية اقتصادية تعيد إليها اعتبارها ومجدها الضائع.
المسببات
يشخِّص رئيس لجنة صناعة الجلود في غرفة تجارة دمشق محمد خير درويش في تصريحه لـ”الحرية” بأن المشكلة باتت كبيرة جداً بعد قرار السماح باستيراد جلود الأحذية غير السورية، ما أدى إلى العزوف عن الصناعة المحلية وتوقف حوالي 3 آلاف ورشة عمل بشكل كامل في حلب ومثلها في حماة ودمشق، عدا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج من المحروقات وسعر الصرف وأجور العمالة والنقل والضرائب وعدم تصريف الإنتاج، ما جعل الصناعي غير قادر على المنافسة خاصة بعد اعتماد السوق المفتوحة، حيث يوجد في السوق المحلية بضائع كالأحذية المستوردة، تباع من دولار إلى خمسة دولارات، جعلت منافسة المنتج الوطني لها مستحيلة.
وقال درويش: أدى ذلك إلى نزول قيمة الجلد المحلي إلى النصف لعدم وجود شراء، وهذا بدوره أثر على الورش والمعامل الكبيرة في حلب، فأحد المعامل كان لديه 17 مكبس (حقن) وينتج عدة منتجات أصبح يعمل بمكبس واحد، وكذلك أحد المعامل الضخمة كان لديه 1800 عامل أصبح لديه 100 عامل وكان يصدر ثلاث حاويات في الأسبوع أصبح يصدر حاوية واحدة في الشهر، مؤكداً بكلامه أن الوضع إذا استمر على حاله فالعام القادم، ستنتهي صناعة الأحذية عندنا وتصبح في خبر كان.
وشدد على المعاناة في صناعة دباغة الجلود في المنطقة الصناعية بعدرا من مشكلة المياه كون نوعها كبريتية ومحطة التحلية لا تعمل، فيضطر الصناعيون لشراء صهريج الماء بسعر 1,8 مليون ليرة وكذلك أسعار الكهرباء ما تزال مرتفعة 2500 ليرة للكيلو واط الساعي، ما يرفع التكاليف وصعوبة تغطيتها.
مطالب محقة
في هذا السياق، يوضح رئيس لجنة صناعة الجلود بقوله: نحن لسنا ضد أن يكون بلدنا سوقاً مفتوحة، إنما نحتاج لحماية المنتج الوطني بتقييد دخول المستورد وإيقافه ولا يكفي ما فعلته الحكومة من رفع سعر الطن (الأحذية) من ألف دولار إلى ثلاثة آلاف.
وتابع: المواد الأولية مسموح باستيرادها لكنه كله بالقطع الأجنبي، حيث ارتفع اليوم سعر الدولار إلى 11 ألف ليرة، ما يشكل عبئاً إضافياً على الصناعة وتكاليفها ولهذا من المفترض أن تكون جمارك المواد الأولية للإنتاج صفراً لا أن تكون الفاتورة 7٪ إضافة للرسوم.
ووفقاً لدرويش، أصبح المواطن السوري يعزف عن شراء حذاء الجلد الطبيعي المحلي الذي سعره 400 ألف ليرة ويفضل شراء المستورد من الجلود العادية (المشمع) بسعر 75 ألف ليرة بسبب غلاء المعيشة، ما جعل قوة بيع المنتج الوطني متدنية جداً وأدى ذلك لكساد البضائع المحلية رغم أن جلود السوق المحلية انخفضت أسعارها إلا أن السوق تفيض بالبضاعة الصينية والفيتنامية والتركية الأرخص والتي بدورها أثرت على المنتج المحلي.
وأكمل حديثه: في الحقيقة صناعة الجلود عندنا عادت إلى الصفر وليست بخير، وعليه نطلب من حكومتنا تشكيل لجان تخصصية تأخذ بقراراتها وقف الاستيراد لتستمر الورش في عملها ودعم المنتج المحلي وفرض ضوابط تجاه السوق المنفتحة التي تقضي على صناعاتنا.
مقارنات
يبين درويش للحرية، أننا قبل 2010 كنا نذبح 6 آلاف رأس غنم في المسالخ وحالياً حوالي 250 رأساً ومع هذا يوجد فائض جلود بعد أن كنا نذهب ونحضر الجلود من العراق ولبنان، لأنه كان لدينا إنتاج وتصريف لدول العالم، أما حالياً فلدينا إنتاج ولا يوجد تصريف له رغم نزول أسعار جلود الغنم والبقر إلى 50٪ من قيمتها.
ورأى أن نسبة التصدير اليوم لا تتعدى 5٪ من الأحذية، ويصدر أيضاً الجلد الخام المدبوغ (نصف المصنَّع) إلى إيطاليا ثم يكملون تصنيعه ويبيعونه بأسعار باهظة لدول العالم بأكثر من ألفي دولار لزوج الأحذية.
وأشار إلى أن سوريا كانت تصدر منتجاتها الجلدية لأغلب دول العالم وكانت السوق الأردنية تحديداً في 2010 تستوعب ثلثي إنتاج حلب من الأحذية وتوقفت حالياً نهائياً بحجة أن لديها صناعة وطنية رغم أنهم يستوردون من مصر وتركيا وتايلند بحدود 5 مليون دولار سنوياً وصناعتهم لا تغطي 5٪ من حاجتهم، ولذلك نريد الطلب من الأردن السماح بدخول بضائعنا إليها كونها سوقاً قوية لمنتجاتنا إضافة للعراق ودول الخليج العربي والتعامل بمبدأ المعاملة بالمثل وأن ينعكس القرار السياسي على القرار الاقتصادي مع تحسن الوضع السياسي عقب التحرير، إضافة إلى حماية المنتج المحلي الذي يذهب إلى لبنان بمنشأ سوري ويعاد تصديره هناك بمنشأ لبناني.
وأخيراً، ختم تصريحه بأننا دولة تبني نفسها للأحسن، ونحتاج لتطوير صناعتنا التي تزخر بحرفييها الذين نتحدى بهم العالم ونحافظ عليهم، كما نحتاج أيضاً إلى إعادة النظر بالقرارات الحكومية لتعزيز واقع المنتج الوطني، وقد اشتركنا في معرض دمشق الدولي بأعلى جودة وبشهادة الوفود العربية والأجنبية الذين ذهلوا بأن لدينا صناعة كهذه، لذلك نحتاج إلى الحماية والدعم.