الحرية – باسمة اسماعيل :
يعيش كثير من الطلبة الناجحين في الشهادة الثانوية حالة من القلق والتوتر والانتظار المؤلم، ترقباً لصدور مفاضلة القبول الجامعي أو المعاهد، وسط صدمة من علاماتهم، أو خيبة أمل لعدم تحقيق المعدل الذي يؤهلهم لدراسة التخصص الذي لطالما حلموا به.
وما بين تحمس بعضهم لاختيار مستقبله الأكاديمي، يشعر البعض الآخر بأنه في مواجهة مؤلمة مع واقع لا يشبه الطموحات، وهو ما ينعكس أيضاً على الحالة النفسية للأهل الذين يحاولون امتصاص صدمة أبنائهم ومساعدتهم في اتخاذ القرار الأصعب.
طلاب بين الصدمة والقلق
ميس طالبة حصلت على علامة /٢٢٥٠/ في الفرع العلمي، تبين لصحيفة «الحرية» كنت أحلم بدراسة الطب منذ الإعدادية، وقد حصلت في الشهادة الإعدادية على مجموع /٣٠٥/ من /٣١٠/ لكني اليوم أعيش خيبة حقيقية، لا أريد دراسة شيء لا أحبه، وأعلم بأنني سأكلف أهلي مصاريف فوق طاقتهم لدراسة ما أرغب، فأنا في حيرة بين حلمي وتحمل أهلي أعباء حلمي الذين يصرون على تحقيق حلمي.
الطالب أحمد الحاصل على علامة /٢٠٥٠/ لا أملك خيارات كثيرة حسب علاماتي وسأدرس الفرع الذي يؤهله تحصيلي، الانتظار يقتلني أكثر من النتيجة نفسها.
أما يزن الحاصل على علامة /٢١١٠/ فيقول: تخصصي المفضل هندسة الحاسوب، لكن بحسب المفاضلات السابقة، قد لا يتاح لي، لا أعرف إن كان من الأفضل أن أدرس شيئاً قريباً أم أعيد السنة.
الانتظار أصعب من الامتحان
ومن جانب آخر في استطلاع لصحيفة «الحرية»، عبر بعض الطلاب الناجحين عن أن مرحلة ما بعد النتائج أقسى مما توقعونا، الامتحان كان واضحاً، لكن الآن لا نعرف ما ينتظرنا، نشعر بأننا تعبنا سنة كاملة بلا جدوى.
وأغلب الذين التقتهم «الحرية» من الطلبة والأهالي طالبوا من خلال صحيفتنا أن يكون هناك دورة تكميلية، ونأمل من وزارة التربية الأخذ بعين الاعتبار استثنائية هذه السنة بالظروف التي مرت بها الكلية وانقطاعهم لفترات عن الدراسة، وهي أحق من أي دورة سابقة، ولا أحد يعطينا إجابة واضحة.
الأهل بين التطمين والحيرة
الحالة النفسية للطلبة انعكست مباشرة على أجواء الكثير من البيوت، حيث يحاول الكثير من الأهل طمأنة أبنائهم، لكنهم في الوقت ذاته يعيشون القلق ذاته، خاصة إذا كانت العلامة أقل من المتوقع.
أم لينا، والدة طالبة من الفرع الأدبي بينت، كنا ننتظر علامة أعلى، وكانت ابنتي تحضر نفسها لتخصص الإعلام، اليوم لا نعرف إن كانت المفاضلة ستسمح لها بذلك، نحاول أن نبقى هادئين، لكن القلق ظاهر في كل حديث بيننا.
وأبو محمد والد طالب حائر، ننتظر المفاضلة على أمل أن يحدث شيئاً غير متوقع مدورة تكميلية أو معدلات تراعي ظروف الطلبة، أحاول أنا وزوجتي والمقربون له على تشجيعه على أن يبحث عن بدائل، لكننا نعلم أنه حزين من الداخل، كيف نطلب منه أن يتنازل عن حلمه ببساطة؟
مختصون لا للحكم على المستقبل من مفاضلة واحدة
ترى اختصاصية إرشاد تربوي هيام أحمد، أن ما يمر به الطلبة طبيعي لكنه يحتاج إلى احتواء، نحن نتحدث عن طلاب أعمارهم 17 أو 18 عاماً، عاشوا عاماً دراسياً مضغوطاً، ثم فجأة يطلب منهم تقرير مصيرهم بناء على ورقة نتائج، هذا ضغط كبير، وكثير منهم يشعر بأن حلمه انتهى، وهذا وهم يجب تصحيحه.
ولفتت إلى أهمية تغيير النظرة إلى المفاضلة باعتبارها مصيراً نهائياً، وعلينا أن نفهم أبناءنا أن المفاضلة أداة قبول إداري، لا علاقة لها بقيمة الطالب أو مستقبله الحقيقي، وأن هناك فرصاً للتعديل لاحقاً، بل وحتى فرص عمل خارج نطاق التخصص.
الدعم النفسي ضروري
ونوهت بأنه يجب اتباع عدة أمور بعد النتائج من قبل الجهات المعنية والمجتمع الأهلي، كتقديم الدعم النفسي المباشر للطلبة في المدارس بعد النتائج، تنظيم لقاءات مفتوحة مع مختصين وأكاديميين لشرح واقع المفاضلة والبدائل، تعزيز ثقافة أن التخصص ليس هوية دائمة بل قابل للتعديل والتحول، دعوة الأهل إلى احتضان أبنائهم وعدم مقارنتهم بالآخرين، نشر الوعي بأن الفشل في دخول تخصص معين لا يعني الفشل في الحياة.
مرحلة مفصلية
وأشارت إلى أن المفاضلة ليست مجرد أرقام تكتب في قائمة، بل هي مرحلة مفصلية تضع الطالب أمام مرآة الواقع، حيث تتقاطع الرغبات مع الإمكانيات، والطموحات مع المتاح، وبين ألم الانتظار ومرارة التنازل عن الحلم، يبقى الأمل بأن تكون هذه الخطوة الأولى في رحلة نجاح، لا نقطة النهاية لحلم ولد قبل سنوات.