قمة آلاسكا..  ترامب سيحسمها في «دقيقتين»؟!.. وتفاهمات محتملة حول المنطقة 

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – د.رحيم هادي الشمخي:

قبل يومين من قمته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب سقفاً منخفضاً لما يمكن أن يتحقق فيها، ومن غير المعروف إذا ما كان ترامب تعمد ذلك، أم إنه فعلاً لا يتوقع نتائج مهمة؟ لكنه بالمقابل أعاد التذكير بأنه أفضل من يتوصل إلى صفقات.. «هذا ما أفعله» قال ترامب في أحدث تصريحاته للصحفيين اليوم في البيت الأبيض.

ربما تذكر ترامب في آخر لحظة أنه يتحدث عن خصم لأميركا، وهو روسيا- بوتين، فأراد أن يستبق نتائج فشل محتمل للقمة من خلال التصريح بأنها ستكون استطلاعية تمهيدية، وليس قمة فاشلة، وأنها قمة ضرورة ولازمة لفهم ما يدور في ذهن بوتين، هذا الفهم لا يحتاج سوى دقيقتين فقط حسب ترامب وعندها يمكن البناء على هذه القمة باتجاه قمة أخرى.

من نافل القول: إن ترامب يفهم روسيا بوتين جيداً ويعرف مسبقاً سقف ما يمكن أن يتم التوصل إليه، ولأنه كذلك فهو يسعى لإدارة العلاقات والسياسات (وتالياً القمة) بأقصى ما يمكنه من الحنكة والعناية، وبحيث يبدو معها حتى الفشل «إنجازاً» له ولأميركا.. ترامب قال: ربما خلال الدقيقتين الأوليين، سأعرف بالضبط إذا ما كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أم لا.. قد يكون الاجتماع مع بوتين جيداً وقد يكون العكس.. وعندما سأله أحد الصحفيين: كيف ستعرف ذلك؟ رد ترامب: لأن هذا ما أفعله، أنا من يَعقد الصفقات.

بالمجمل فإن الانطباع العالمي العام هو أن القمة ستنتهي إلى لا شيء، فيما الأوروبيون هم الأكثر تشاؤماً وبعبارة أدق الأكثر ذعراً، فهم لا يثقون بترامب ويرون أنه سيعقد صفقة مع روسيا على حسابهم وحساب أوكرانيا، لكنهم بالمقابل لا يستطيعون فعل شيء من دون أميركا ومن دون رضى ترامب الذي لا يكف عن تهديدهم، مقابل امتداح بوتين (وروسيا التي تعرف كيف تنتصر في الحروب، فقد هزمت هتلر ونابليون، كما يكرر ترامب دائماً ).. وبالتالي فإن الأوروبيين لا يملكون مع ترامب إلا التصريحات التي تبقى عند حدود القول فقط من دون فعل يذكر.

ويبقى أكثر ما يخشاه الأوروبيون (وأوكرانيا طبعاً) هو حديث ترامب عن إعادة أراض أو تبادل أرض، وأنها ستكون على طاولة مباحثاته مع بوتين خلال القمة التي من المقرر أن تنعقد يوم الجمعة المقبل في آلاسكا.. ترامب صرح أمس بأن روسيا احتلت جزءاً كبيراً من أوكرانيا، إنها أراض رئيسية، وسنحاول أن نعيد بعضها لأوكرانيا.

ولكن مقابل ماذا، ما الذي سيقدمه لروسيا لتقبل بالتخلي عن الأراضي التي احتلتها؟ وعندما يقول ترامب «بعض الأراضي» فهذا لن يرضي أوكرانيا ولا الأوروبيين الذين يعتبرون ذلك هزيمة نهائية لهم سيترتب عليها مستقبل قاتم لأوروبا على مستوى الدفاع والأمن والاقتصاد، وعلى مستوى العلاقات مع روسيا نفسها؟.. والأهم ماذا سيكسب ترامب، وأميركا؟

منذ أيام يتركز الحديث الأميركي عن قرارات مؤلمة وأن إنهاء حرب أوكرانيا سيتطلب تنازلات من الطرفين، ويجب أن يكونا على استعداد لذلك، خصوصاً أوكرانيا، وإلا فإن الحرب ستستمر، والرابح فيها روسيا.

الواضح حتى الآن بالنسبة لهذه القرارات المؤلمة أنها تتعلق بالدرجة الأولى بعملية «تبادل أراض» ولكن من غير الواضح حتى الآن ما هي الأراضي التي يمكن لروسيا التنازل عنها لأوكرانيا، علماً أن أوكرانيا لم تطالب مطلقاً بأي أراضٍ روسية.

أوروبا لا تعجبها فكرة تبادل الأراضي التي يطرحها ترامب، معتبرة أن بوتين يريد «اتباع النهج القديم المتمثل في تقسيم الأراضي ومناطق النفوذ» في محادثاته مع ترامب، وفق كايا كالاس، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية التي تضيف إن أوروبا كانت واضحة في أنها لن تقبل أي اتفاق لا توافق عليه أوكرانيا.

بانتظار وضوح عملية تبادل الأراضي، ستستمر التصريحات الأميركية، ومعها الانتظار العالمي، والترقب لكل ما يصدر عن إدارة ترامب التي تتطلع إلى أن يتقدم بوتين «بصفقة عادلة» وفق تعبير ترامب الذي قال إنه سيبلغ الأوروبيين والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي وقادة حلف شمال الأطلسي (ناتو) بمجريات قمته مع بوتين، ترامب قال: سأتصل مع زيلينسكي أولاً وربما أقول له أتمنى لك التوفيق، واصل القتال! أو ربما أقول يمكننا التوصل إلى اتفاق.

علماً أن ترامب يهاجم زيلينسكي باستمرار ويلقى باللوم عليه في الحرب التي تدور رحاها منذ شباط 2022. ولذلك فإن ترامب لم يلح كثيراً في طلب أن يكون زيلينسكي حاضراً في قمة آلاسكا طالما أن روسيا لا تفضل ذلك، ربما يكون حاضراً في قمة أخرى إذا ما تم التوصل في القمة المقبلة إلى تفاهمات مبدئية، أو كما يقول ترامب قمة استطلاعية يستطيع من خلالها تقرير ما ستكون عليه الخطوة اللاحقة.

ولطالما قلل الكرملين من توقعات لقاء بوتين زيلينسكي، حيث أكد بوتين مؤخراً أن شروط اللقاء لا تزال بعيدة التحقق، فيما يصرح زيلينسكي بأن أي اتفاق دون مشاركة بلاده سيكون حبراً على ورق.

 

ورغم أن أوكرانيا ملف رئيسي على طاولة قمة آلاسكا إلا أن قضايا الشرق الأوسط ستكون حاضرة أيضاً في ظل تقاطع مصالح البلدين في المنطقة بما في ذلك القضية الفلسطينية. وإذا كانت قمة آلاسكا ستسجل فشلاً على مستوى أوكرانيا كما تقول أغلب التوقعات، فإن هذا الفشل قد لا ينسحب على قضايا المنطقة خصوصاً في هذه المرحلة حيث وصلت ملفات المنطقة في معظمها إلى أسخن النقاط بمعنى مستويات حرجة في تطوراتها، أو لنقل إلى المستوى الذي لا بد فيه أن تجلس أميركا مع روسيا (ومع الصين لاحقاً) لبحث «تقاطع المصالح». وتميل التوقعات بالمجمل إلى تحقيق تفاهمات على المدى القريب، وأننا لن ننتظر طويلاً لنرى ترجمة لها على الأرض.

كاتب وأكاديمي عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار