كذب المنجمون ولو صدقوا”.. بين سحر الأبراج ووهم التنجيم: ظاهرة تتكرر كل عام

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – لوريس عمران:

مع اقتراب نهاية كل عام، تعود موجة التوقعات الفلكية لتملأ الشاشات والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، حتى تكاد تتحول إلى طقس سنوي ينتظره البعض بحثاً عما تخبئه الأيام المقبلة.

ورغم أن هذه التوقعات لا تتغير كثيراً من عام لآخر وتبقى في إطارها العام والفضفاض، إلّا أن شعبيتها لا تتراجع، مدفوعة بحاجات نفسية يعززها واقع معيشي صعب وضغوط اقتصادية وحروب تجعل الناس أكثر ميلاً للتعلّق بأي خبر يبعث على الطمأنينة والأمل ولو كان مؤقتاً.

آراء مواطنين من اللاذقية

تقول سهى تعمل في قطاع الاتصالات لـ”الحرية “إن علاقتها بالأبراج تقتصر على المتابعة بدافع الفضول، لكنها ترى أن كثيرين باتوا يمنحون تلك التوقعات مساحة أكبر مما تستحق، وكأنها مرجع يمكن الاحتكام إليه في اتخاذ قراراتهم اليومية.

أما رانيا معلمة من مدينة جبلة، فترى أن انتشار التنجيم يرتبط باستغلال الحالة النفسية الهشة لدى بعض الأشخاص، مؤكدة أن التعامل مع التوقعات الفلكية كحقائق قد يدفع الأفراد إلى قرارات غير سليمة ويخلق لديهم صورة مشوشة عن الواقع.

وتوضح منال التي تعمل في مجال التجميل، أن الإقبال الكبير على متابعة الأبراج نابع من رغبة الناس في التشبث بأي أمل، حتى لو كان بصياغات عامة وفضفاضة

وتضيف: “الذاكرة الانتقائية” تجعل المتابع يتذكر ما يصيب من توقعات المنجّمين، بينما يتجاهل الأخطاء المتكررة التي تتجدد كل عام.

من جانبه أشار علي وهو طالب في جامعة اللاذقية، إلى أن الأبراج مجرد مادة ترفيهية، مبيناً  أن تزايد الاهتمام بها يعكس حاجة داخلية لدى البعض لإيجاد شعور بالسيطرة في ظل بيئة معيشية متقلبة وصعبة.

قراءة علمية ودينية

ولفهم الخلفيات العلمية للظاهرة أكد الدكتور مازن شحادة، اختصاصي علم النفس الاجتماعي، أن انتشار التنجيم يعود إلى عاملين نفسيين رئيسين: الرغبة في اليقين والانحياز التأكيدي. فالإنسان بطبيعته يبحث عن أي معلومة قد تهدئ قلقه، ويتمسك بالتوقعات التي تنسجم مع تجاربه، بينما يتجاهل كل ما لا يتطابق معها.

وأشار الدكتور شحادة إلى أن التنجيم مصنف علمياً ضمن العلوم الزائفة، ولا يوجد أي دليل يربط مواقع الكواكب والنجوم بحياة البشر أو خياراتهم.

أما من الناحية الدينية، لفت شحادة  إلى أن الإسلام وغيره من الأديان يحرمون التنجيم ويعتبرونه ادعاءً لمعرفة الغيب، مستشهداً بالحديث النبوي: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر».

المستقبل يصنعه الإنسان

رغم الزخم الكبير الذي يرافق توقعات نهاية العام، تبقى مجرد محتوى إعلامي سريع الاستهلاك لا يحمل قيمة معرفية حقيقية. وبين من يلهث خلفها بدافع الخوف أو الأمل، ومن يراها مجرد تسلية، تظل الحقيقة واحدة: النجوم لا ترسم مصائر البشر، والمستقبل لا تكشفه الأبراج.

إنما يصنعه الإنسان بقراراته وجهده وقدرته على مواجهة تحديات عام جديد لا يحدده موقع كوكب، بل يفرضه الواقع وما نختاره نحن في مواجهته.

Leave a Comment
آخر الأخبار