كيف تنظر بغداد إلى رفع العقوبات عن سوريا وأي سقوف للتعاون الاقتصادي وفي أي اتجاهات؟.. رأي ‏من العراق

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:

كما كانت دول الجوار السوري متضرراً أساسياً من العقوبات المفروضة على سوريا، فهي اليوم مستفيد ‏أساسي من رفع هذه العقوبات، وهذا أمر بدهي على قاعدة الجغرافيا الجامعة التي تتوحد معها الدول ‏المتجاورة في المكاسب والمصالح كما في الخسائر والمِحن، في هذه المعادلة يشكل العراق طرفاً حاكماً، ‏بمعنى أنه يشكل بالنسبة لسوريا طرفاً قوياً في المعادلة الاقتصادية الداخلية ما بعد رفع العقوبات ‏الأمريكية ثم الأوروبية.‏
لطالما شكل العراق امتداداً اقتصادياً لسوريا بمعنى مختلف عن دول الجوار الأخرى، لبنان، الأردن ‏وتركيا، والعراق بموقعه وثرواته يتمايز عن لبنان والأردن اللذين يعتمدان في اقتصادهما على الجوار ‏وعلى المساعدات الخارجية، ويشكل العراق قوة اقتصادية يمكن لها أن تصب بقوة في خدمة الاقتصاد ‏السوري، هذا ما كان يُفترض أن يكون، لكن السياسة دائماً ما لعبت بصورة معاكسة لتنتفي المنافع ‏الاقتصادية بين البلدين، ومن نافل القول الحديث عن ابتلاء المنطقة لعقود بـ «محاور» عمقت- من جهة- ‏حالة فقدان المنافع وبما حاصر كل نهوض اقتصادي ودفن كل إمكانية لقيام تكتلات اقتصادية في المنطقة ‏على غرار تكتلات عالمية مثل «آسيان» رغم أنّ كل مقومات التكتل والنجاح قائمة، وتالياً لم تأخذ دول ‏المنطقة الغنية بمواردها وثرواتها دورها ومكانتها المستحقة على ساحة الفعل والتأثير الدولية. ‏
ومن جهة أخرى فإن هذه «المحاور» عمّقت التداعيات الكارثية للعقوبات الغربية، لتطول آثارها الجميع، ‏وليس سوريا فقط، لذلك ومع سقوط النظام في سوريا في 8 كانون الأول الماضي وصعود قيادة سورية ‏جديدة، كان هناك عمل دائم(عربي- إقليمي) باتجاه رفع هذه العقوبات، نجح في الـ13 من هذا الشهر في ‏رفع العقوبات الأمريكية، وفي الـ20 منه في رفع العقوبات الأوروبية.‏
كان العراق في مقدمة المرحبين برفع العقوبات معتبراً أنها تفتح آفاقاً واسعة للتعاون، وحتى للتكامل ‏وتحقيق شراكة اقتصادية إستراتيجية مع سوريا، وسبق للعراق في منتصف آذار الماضي أن طرح فكرة ‏تأسيس «مجلس تعاون» خلال مؤتمر صحفي، حينها، بيّن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين ووزير ‏الخارجية السوري أسعد الشيباني «إضافة إلى طرح إنشاء غرفة عمليات لمحاربة تنظيم داعش»، وشدد ‏الوزير حسين حينها على أنّ «الاستقرار في سوريا يهم العراق، فهو يؤثر مباشرة في الوضع في البلاد» ‏مؤكداً أنّ «العلاقات مع سوريا تاريخية وأنه تمت مناقشة تطوير العلاقات الاقتصادية لتكون الفائدة ‏مشتركة للشعبين».‏
بدورها، ردت سوريا بصورة ودّية/متعاونة في سبيل تطوير العلاقات. في 17 أيار الجاري قال الوزير ‏الشيباني- على هامش أعمال القمة العربية الخامسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي انعقدت في بغداد ‏بالتزامن مع انعقاد القمة العربية في دورتها الـ34 وكان الشيباني يُمثل سوريا فيها.. الشيباني قال رداً ‏على سؤال حول تطوير العلاقات:«نحن نذهب إلى المكان الذي يختاره العراق في هذه العلاقة»، ‏المحللون قرؤوا حينها تصريحات الشيباني بأنها رغبةٌ سوريّةٌ في إعادة بناء العلاقات على أساس الاحترام ‏المتبادل والتفاهم المشترك.‏
في المسار الاقتصادي يركز العراق على الأمن والاستقرار، ويرى أن رفع العقوبات يسهم في تعزيز ‏الأمن والاستقرار، فهناك ارتباط عميق بينهما؛ بقدر ما يؤدي اتساقهما إلى تعميم الفوائد، يؤدي ‏تنافرهما إلى بقاء العقوبات واستمرار الانفلات والفوضى الأمنية.‏
‏.. والآن تمّ رفع العقوبات فماذا عن تحقيق الأمن؟
الجواب متروك للأيام المقبلة، وما إذا كان رفع العقوبات سيقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار، وهذا ‏ينسحب على عموم المنطقة وليس على سوريا فقط.‏
بالمجمل فإنّ رفع العقوبات سيقود بلا شك إلى تعزيز المسارات الاقتصادية، وهذه ستقود بدورها إلى ‏تعزيز الأمن والاستقرار، على قاعدة أنّ الرخاء الاقتصادي يدفع الناس باتجاه حمايته والدفاع عنه، أي ‏عدم التفريط به، ومن البدهي القول إنّ جميع الدول ترى في الأمن ضمانة أساسية لدخول استثماراتها إلى ‏سوريا، ومنها العراق فكيف سيكون دوره وتأثيره في المرحلة المقبلة؟
في إطار استثمارات وشراكات إقليمية/ دولية، من المنتظر أن تتحقق، فإنّ العراق يسعى لأن يكون في ‏مواقع متقدمة، سواء على مستوى التبادل التجاري أو على مستوى الشركات ومشاريع إعادة الإعمار في ‏سوريا، أو على مستوى الطاقة، حيث إن انخفاض تكلفة الاستيراد وحرية التعاون الاقتصادي وحيث إن ‏المنتجات السورية ستكون متاحة مع أسواق متوفرة «بفعل رفع العقوبات» سيعود كلُّ ذلك بفوائد كبيرة ‏على العراق «وعلى سوريا بطبيعة الحال».‏

ما يدلل على ذلك أنه ومع العقوبات المفروضة على سوريا وصل حجم التبادل التجاري إلى ما يقارب ‏المليار دولار سنوياً، فكيف والحال مع رفع العقوبات «وإن كان هذا المبلغ شهد تراجعاً كبيراً جداً خلال ‏الأشهر الماضية، بعد سقوط النظام السوري بفعل ضبابية المشهد السياسي والأمني في سوريا»، اليوم مع ‏رفع العقوبات ووضوح المسارات السياسية والتموضعات الإقليمية فإن العراق أحد أكبر المستفيدين من ‏رفع العقوبات على سوريا.‏
قبل أيام، كان للمتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد، رشيد السعدي، حديث مهم حول قرار رفع ‏العقوبات عن سوريا، مشيراً إلى أنه «لم يكن ثمة ملامح واضحة لاستثمارات كبيرة بين البلدين في ظل ‏الظروف السابقة والأحداث التي شهدها العراق لاحقاً» ومع ذلك كانت هناك استثمارات بسيطة قام بها ‏بعض رجال الأعمال العراقيين في مجالات مثل بناء المصانع والشركات والمحال التجارية «والتي ‏تأثرت تراجعاً بمسار التطورات في سوريا». ‏
وحدد السعدي القطاعات المرجح أن تحقق استفادة كبيرة، وفي مقدمتها القطاع المصرفي، يليه قطاعات ‏الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمارات السياحية، بالإضافة إلى إمكانية استئناف تصدير النفط ‏ومشتقاته. ‏
لذلك فإن العراق يتفاءل بحدوث قفزة كبيرة في التعاون الاقتصادي وحجم التبادل التجاري وإن كان ذلك ‏يبقى مرتبطاً أساساً بتوجهات القيادة السورية وقراراتها بخصوص من تريد التعاون معه على مستوى ‏الاستثمارات وإعادة الإعمار، لا شك في أنّ هناك أولويات، وهناك مسارات سياسية ستضغط على المسارات ‏الاقتصادية وسيكون لها تأثير في تحديد اتجاهات البوصلة الاقتصادية السورية.‏
أياً يكن ما ستتخذه تطورات المرحلة المقبلة في اتجاهات وقرارات على المستوى السوري، لطالما كان ‏العراق، رغم تقلبات السياسية، ينظر إلى سوريا من موقع الأولوية المتقدمة، ولطالما كان الشعب العراقي ‏على قلب واحد مع الشعب السوري، وإذا كان السوريون ينظرون إلى العراق كـ«منقذ اقتصادي» في ‏أوقات الشدائد والمحن، فإن العراقيين أيضاً يتطلعون دائماً إلى سوريا لتكون «نِعمَ الجار» كما يقال، ‏ولتكون العلاقات في أفضل حالاتها، مدعومة بروابط شعبية لطالما كانت متميزة ودافعة باتجاه تحسين ‏العلاقات السياسية والاقتصادية. ‏
العراقيون يترقبون ويأملون أن تكون عملية رفع العقوبات فاتحة نحو علاقات جديدة مع سوريا لا تتأثر ‏باصطفافات وتكتلات ولا تهزها رياح التغييرات والتقلبات مهما عصفت واشتدت.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار