كيف نؤمن عودة سالمة لصناعتنا الوطنية المهاجرة..؟!

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى:
عندما نقرأ الواقع الصناعي السوري، ونمعن النظر في خطوات تطوره، وإخفاقاته خلال عقود زمنية ليست بالقليلة، ندرك تماماً حجم القوة التي يمتلكها هذا القطاع، وهذه بدورها تعتمد على مكونات غاية في الأهمية من البشري، ومنها المادي فرضت وجودها على النسيج الصناعي، وظهر ما ظهر من حالات تطور تماشت إلى حدود معقولة مع التطورات التقنية والتكنولوجية، لا سيما لجهة ما يتعلق بقطاع “النسيج والغذاء” وحتى الصناعات الهندسية والكيميائية، إلا أن “النسيج والغذاء” يعتمدان في تكوينهما على المادة الأولية المتوافرة في السوق المحلية، والتي تغذي إنتاجية تمتد مساحتها على كامل الجفرافية السورية، لا بل تتعداها إلى جغرافية بلدان كثيرة.

مفردات صعبة القراءة حول بيئة الاستثمار المشجعة للعودة، والتي تطرح سؤالاً واحداً هل تحتاج الصناعة للرعاية أم الحماية..؟!

الحامل الأكبر

لذلك ليس من المستغرب عندما نقرأ أرقاماً إنتاجية، تحاكي قوة تصنيع تكون الحامل الأكبر لقوة الاقتصاد الوطني، تفرد في مكوناته قصص التنوع في السلع والجودة، المؤسسة لحالة تنافسية لم تغب عن الأسواق الخارجية، طيلة العقود الماضية، رغم تعثرها واصطدامها بأزمة” أطرافها حرب، وحصار اقتصادي، وعقوبات اقتصادية” فرضت واقعاً صعباً على قوة الإنتاج الوطنية ظهرت بعدة أوجه” تخريب وتدمير لآلاف المنشآت الصناعية، – وسرقة الموارد– هروب الخبرات والكفاءات العلمية- مروراً بفساد الإدارات والإجراءات، واستغلال القوانين وتجييرها لمصلحة بعض المتنفذين في مواقع العمل والإنتاج، ليس على مستوى القطاع العام فحسب، بل الخاص أيضاً، لكن أخطر ما في الأمر هروب الرساميل الوطنية، وكبار رجال الأعمال والمصنعين السوريين، بحثاً عن بيئة تناسب إمكاناتهم واستثمارها حيث أبدع هؤلاء، في كافة المجالات.

صناعي يرى أولى خطوات الحماية تبدأ بضبط الاستيراد، وانفتاح الأسواق بإجراءات مقيدة، لا تحمل صفة المنع، معكوسة بإجراءات محسنة لبيئة الاستثمار والإنتاج المحلي

ونحن اليوم أمام تحسن الواقع السوري، وذهاب النظام البائد مع الرموز الفاسدة، والمسيطرة على مقدرات الشعب، بأمس الحاجة لعودة المال السوري المهاجر، ورجال الأعمال للمساهمة في تطوير الإنتاجية الوطنية، والمشاركة في أعمال التنمية بكافة مستوياتها، والسؤال هنا ما هي البيئة الواجب توافرها، والتي تسمح بعودتهم، إلى حضن الوطن، بشروط العقل والمنطق والوطنية الخالصة، والانتماء الذي يحاكي مصلحة الجميع..؟!

رعاية مطلوبة

المهندس محمد مهند دعدوش عضو مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها، يرى أن الصناعة الوطنية اليوم، حتى تكون قوية، بحاجة إلى رعاية خاصة ولفترة محدودة، حدها الأقصى سنتان، “على اعتبار” أن المصانع التي بقيت تعمل خلال فترة الـ ١٥ سنة من الحرب، وصلت إلى مرحلة منهكة، ولا تملك رأسمال كافٍ للاستمرار بعملها بشكل يجعلها قادرة على المنافسة، مؤكداً “دعدوش” على أن فتح الأسواق الداخلية، أمام الألبسة الجاهزة المستوردة، وبرسوم جمركية تصل فقط إلى 4 دولارات للكغ، هو رقم منخفض أمام ارتفاع الرسوم الجمركية للمواد الأولية، الداخلة في تركيبة الصناعة السورية، كما أن ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، أمام العملات الأخرى، أدى إلى زيادة الرواتب والأجور، وارتفاع أسعار حوامل الطاقة، من كهرباء ومازوت وغاز وفيول، وارتفاع كتلة الضرائب ما يشكل تحدياً كبيراً، يتطلب العمل على معالجة كل هذه العوائق، بحيث تعود الصناعة للوقوف على قدميها وتعود الى ساحة المنافسة .

دعدوش: لا بد من تقديم رعاية خاصة للصناعة تؤمن عودة سريعة لها، وهذا بدوره يحتاج فترة حضانة لمدة عامين على الأقل، لمساعدتها في العودة وممارسة النشاط الإنتاجي، وتحمل مسؤولياتها

تجربة خاصة

وهنا أورد” دعدوش” مثالاً عن تجربته الصناعية في مصر فقال: فتحت مصنع في مصر 2021، كانت كلفة المنتج في سورية، أقل من مصر بنسبة 30% ، لكن اليوم الكلفة في مصر، أقل من سورية بنسبة 30% لأسباب تتعلق بانخفاض أسعار حوامل الطاقة، رخص اليد العاملة، استيراد المواد الأولية بكلف منخفضة، وبالتالي هذا الأمر لا يشجع على عودة الصناعيين السوريين إلى سورية، إضافة إلى أن المصانع الصغيرة في سورية، بدلاً من ممارسة العمل التصنيعي، اتجهت نحو استيراد البضاعة الجاهزة، وهنا أقترح رفع الرسوم الجمركية على المستوردات من البضاعة الجاهزة، من “أربع” دولارات للكيلوغرام الواحد الى “ست” دولارات …

إغراق غير مبرر

ويرى دعدوش أن الأسواق المحلية أغرقت بالمنتجات الجاهزة خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك بسبب انخفاض الرسوم الجمركية على المستوردات، وهذا خلاف ما حصل في مصر، من رفع قيمة الرسوم الجمركية للبضائع الجاهزة المستوردة، وتخفيض قيمتها على المواد الأولية المستوردة لزوم المنتج المحلي، وتعزيز تنافسيته، وتغطية حاجة السوق المحلية، والتصدير إلى الأسواق الخارجية.
وأوضح دعدوش أن الألبسة السورية، تدفع رسوماً وجمارك حوالي 80 % من قيمة الفاتورة، إذا صدرت لتركيا، وقيمة الفاتورة تحددها الجمارك التركية، بالتعاون مع لجنة مشكله من اتحاد المصنعين الأتراك، بينما الألبسة المصرية تدخل تركيا بجمارك صفر.

اقتراح واجب التنفيذ..!

وحتى نصل الى هذه المعادلة، وعودة سريعة للصناعة نقترح تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية، وتخفيض أسعار الطاقة للصناعيين، ودعم الصادرات كما تفعل كثير من الدول، رغم أرقام صادراتها الهائلة، مثل تركيا والصين، مبيناً أنه في حال تم العمل على هذه المقترحات فإن من شأنها تسريع عودة رؤوس الأموال، التي هاجرت مع أهلها، ومارست العمل الصناعي، ووصلت إلى مراحل متقدمة من الإنتاج المميز والمنافس، ونرى هنا وجوب تنفيذ هذه المقترحات، تماشياً مع تطورات المرحلة الحالية، والاتجاه نحو اقتصاد السوق الحر، والأهم إعطاء الصناعة الوطنية جرعة كافية من الدعم، لإعادة “ألقها وتألقها” من جديد في الأسواق المحلية والخارجية، وخاصة بعد معاناتها لسنوات بسبب الحرب والحصار والعقوبات الاقتصادية.

أخيراً

ونحن اليوم بأمس الحاجة لهذه الأموال، فإنّ استعادتها مرهونة بتوفير رعاية خاصة لفترة من الزمن، حتى تستطيع بناء جسور العودة من جديد إلى السوق المحلية، وتحقيق العوائد الاقتصادية، التي تخدم الجميع وخاصة زيادة الناتج الإجمالي المحلي، الذي يعكس بمجمله تحسناً في الاقتصاد الوطني، ومستوى معيشة المواطنين، وتوفير حالة جيدة من الاستقرار في السوق المحلية، والانطلاق بعدها إلى الأسواق العالمية، بالصورة المطلوبة، والتي تخطط له الحكومة والفعاليات الاقتصادية والصناعية على السواء.
والسؤال هنا هل يطول انتظارنا نحن كمواطنين، تنفيذ ما يخطط له من الحكومة والفعاليات الاقتصادية، “لصناعة متطورة” تحمل كل مكونات الاقتصاد القوي، وانعكاس ذلك بصورة مباشرة على معيشة الناس، وهذا المقياس الأول، لنجاح أي اقتصاد مهما كان توجهه..؟!
نحن بانتظار قادمات الأيام القليلة حتى نلمس إيجابيات ما ذكرناه…

Leave a Comment
آخر الأخبار