يحتاج دعماً حكومياً.. التحول إلى الري الحديث ضرورة إستراتيجية يفرضها التغير المناخي 

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – رفاه نيوف: 

التحول إلى الري الحديث لم يعد ترفاً أو حكراً على المقتدرين من المزارعين، بل ضرورة حتمية تفرضها التغيرات المناخية التي تشهدها سوريا بشكل عام، وطرطوس بشكل خاص، وخاصة خلال السنوات الأخيرة من شح الموارد المائية وصولاً لحالة جفاف غير مسبوقة.

فأين وصل مشروع التحول للري الحديث في طرطوس، وما المعوقات والتحديات التي تواجه انطلاقته؟؟

١٩٤٦١ هكتاراً قابلة للتحول

تتوزع مساحات الأراضي المروية في محافظة طرطوس كما بيّن مدير فرع صندوق تمويل المشروع الوطني للتحول للري الحديث بطرطوس المهندس مازن محمد (بالتكليف) لـ “الحرية” بحسب مصادر الري التي تتوزع على (الآبار، مشاريع ري حكومية، أنهار و ينابيع)، وتبلغ المساحة الإجمالية من الأراضي الزراعية المروية من هذه المصادر/ 29668 /هكتاراً، وبلغت مساحة الأراضي المحولة للري الحديث بطرطوس أكثر من/ ١٠٢٠٦ / هكتارات شبكات ري بالرذاذ وبالتنقيط، وتبقى المساحة الإجمالية القابلة للتحول /١٩٤٦١ / هكتاراً مزروعة الأشجار المثمرة المحمية والخضار والتي يمكن تحويل مساحات منها للري الحديث.

صعوبات تواجه التحول

وأكد محمد وجود مجموعة من الصعوبات تقف عائقاً في وجه تطبيق أنظمة الري الحديث أبرزها يتمثل في: شبكات الري الحكومية وضرورة تركيب فلاتر رملية، وتأمين الضاغط اللازم للتشغيل وبالتالي ارتفاع التكلفة على المزارع.

وصعوبة تأمين المصدر المائي المطابق للشروط المطلوبة، بسبب صعوبة الحصول على رخصة تركيب جهاز ضخ. وعدم إقبال المزارعين، بسبب صعوبة الإجراءات، والشكوى من الضمانات التي يطلبها المصرف الزراعي.

إضافة لوجود تفاوت كبير في جودة شبكات التنقيط تبعاً للشركات المصنعة، حيث إن مستلزمات الشبكات المقدمة يجب أن تكون مطابقة للمواصفات القياسية السورية والتي تشترط اعتماد حبيبات البولي إيثيلين في التصنيع، بينما يوجد الكثير من الورش التي تصنع أنابيب الري، تعتمد على المواد المعاد تصنيعها، لذلك نرى تفاوتاً كبيراً في الجودة والأسعار، يضاف إلى ما سبق صغر مساحات الحيازات الزراعية بالمحافظة.

جمعيات مستخدمي المياه

وبيّن محمد أن أهم المقترحات لتشجيع المزارعين لتحويل أراضيهم للري الحديث، ضرورة إعطاء موافقة لاستثمار الآبار الجوفية لتركيب شبكات الري الحديث عليها، وخاصة للزراعات المحمية التي تروى في فترة توقف شبكات الري الحكومية عن العمل.

وإنشاء جمعيات مستخدمي المياه، بالتعاون ما بين اتحاد الفلاحين والموارد المائية بطرطوس، في المناطق التي تروى شبكات الري المضغوطة، وبالتالي توزيع كلفة الفلاتر الرملية على أعضاء الجمعية، ما يسهم في تخفيض تكلفة التحول إلى الري الحديث، والسماح لأصحاب الآبار غير المرخصة بالحصول على شبكة ري حديث،. والاكتفاء بالكشف الحسي للمهندسين، باعتبار أن الغاية الأساسية توفير المياه، إضافة لدعم فرع المشروع بالمحافظة بالمتاجر الفني ومستلزمات العمل.

مواقع تحقق الغرض

بدوره أكد مدير الموارد المائية في طرطوس المهندس محمد محرز لـ “الحرية” أن المساحات المروية من شبكات الري الحكومية في محافظة طرطوس تبلغ 15151 هكتاراً، نصف هذه المساحة تقريباً عبارة عن شبكات ري مطمورة بضاغط يحقق استخدام بعض تقنيات الري الحديث، موزعة ضمن شبكات ري سد الأبرش وسد خليفة وسد تل حوش.

ولفت محرز إلى أن المديرية قامت ببعض الإجراءات الفنية التي تمكن من استخدام بعض تقنيات الري الحديث على مشروع الآبار الجوفية من خلال مآخذ ري متعددة المنافذ على الآبار، وتوزيع الأدوار من خلالها، بشكل يحقق العدالة بين المزارعين، ما يعود بمردودية اقتصادية أفضل وتوفير بكميات المياه.

الدعم الحكومي

وأوضح محرز أن ارتفاع تكاليف شبكات الري الحديث بأنواعه إضافة الى وجود جزء مكشوف من شبكات الري تعدّ أحد أكثر صعوبات التحول إلى الري الحديث، ولتشجيع المواطنين على اعتماد هذه التقنيات تقوم المديرية بكافة الإجراءات الفنية على الشبكة التي تضمن إمكانية استخدام الري الحديث، من خلال تحويل أجزاء من الشبكات المكشوفة الى مطمورة، وإعطاء مآخذ ري من الآبار الجوفية كما منح القرار الخاص برسوم الري الأخير ميزة تخفيض برسوم الري لكل مزارع يقوم باستخدام طرق الري الحديثة. وأحد أهم المقترحات لتشجيع المزارعين على استخدام هذه التقنيات من خلال تقديم الدعم الحكومي ومنح القروض الميسرة لتركيب هذه الشبكات.

29 جمعية في طرطوس

وأكد محرز أن مكتب الإرشاد المائي وجمعيات مستخدمي المياه في المديرية تتولى أعمال تشكيل جمعيات مستخدمي المياه، ومتابعة استصدار قرارات تشكيلها وتشكيل مجالس الإدارة الخاصة لكل جمعية ومتابعة أعمالها.

حيث قامت المديرية بتشكيل /29/ جمعية موزعة على المصادر المختلفة في المحافظة خارج شبكات الري الحكومية، من آبار وينابيع وقنوات ري وخزانات ورامات و تم إعداد مقترحات لتقسيم شبكات الري لكل مشروع، بشكل يمكًن من تشغيل وصيانة كل جزء بالتشاركية بين المديرية و جمعيات مستخدمي المياه بعدد يبلغ /72/ جمعية.

وينتظر لاحقاً حصول هذه الجمعيات على تسهيلات بما يخص تقديم شبكات الري الحديث و القروض الزراعية وتكاليف رسوم الري، وضمان عدالة توزيع المياه بين جميع المستخدمين وفقاً للاحتياجات

خيار إستراتيجي

ويرى رئيس اتحاد فلاحي طرطوس المهندس رائد مصطفى أن التحول إلى الري الحديث يُعد خياراً إستراتيجياً لا غنى عنه في ظل شحّ الموارد المائية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، لكن على أرض الواقع يواجه الفلاحون عدة معوّقات، أهمها: ارتفاع التكاليف الأولية لشبكات الري الحديث، ولا سيما في المشاريع الحكومية، حيث تحتاج إلى تجهيزات مكلفة (فلاتر رملية – ضواغط – محابس – صيانة دورية)، وهي فوق قدرة معظم الفلاحين.

إضافة إلى ضعف التمويل والدعم، فالدعم المتوفر حالياً غير كافٍ أو غير مستدام، والقروض إن وُجدت فهي أحياناً بشروط لا تتناسب مع دخل الفلاح.

يضاف إلى ما سبق مشاكل فنية وتشغيلية من ناحية عدم انتظام الضخ، وتقادم الشبكات الحكومية، انسداد الفلاتر، ضعف الصيانة الدورية، وكلها تؤدي إلى عزوف بعض الفلاحين عن الاستمرار بالري الحديث. ويشير مصطفى إلى العبء المشترك بين عدة جهات، حيث تتداخل المسؤوليات بين الموارد المائية، اتحاد الفلاحين، جمعيات مستخدمي المياه، والجمعيات الفلاحية، أحياناً ما يؤدي إلى تأخير الحلول.

المطالبة بتوسيع الدعم الحكومي

وبيّن مصطفى أن اتحاد فلاحي طرطوس يقوم بعدة أدوار في هذا المجال، منها: نقل مطالب الفلاحين إلى الجهات المعنية، وخاصة ما يتعلق بتخفيض تكاليف التحول للري الحديث. والتنسيق مع وزارة الزراعة والموارد المائية بخصوص أعطال الشبكات الحكومية. إضافة لدعم التعاون بين الجمعيات الفلاحية وجمعيات مستخدمي المياه لضمان استمرارية المشاريع. والمطالبة بتوسيع برامج الدعم الحكومي والقروض الميسّرة الخاصة بالري الحديث.

مؤكداً أن الإمكانات المتاحة حالياً لا تتناسب مع حجم المشكلة، وأن الحل يحتاج إلى تدخل مركزي ودعم مالي أكبر.

بحاجة لتعزيز دورها

وعن أهمي جمعيات مستخدمي المياه أكد مصطفى أنها تلعب دوراً محورياً في إدارة وتشغيل شبكات الري، لكن دورها ما زال بحاجة إلى تعزيز، خاصة في النقاط التالية: إدارة التشغيل والصيانة حيث إن الجمعيات معنية مباشرة بتشغيل الشبكات، لكن تركيب الفلاتر الرملية والضواغط يُعد من المهام المكلفة التي تفوق إمكاناتها الذاتية، والتكاليف المرتفعة لتركيب وتجديد الفلاتر والضواغط تشكل عبئاً أساسياً، خصوصاً في الشبكات الحكومية، ما يتطلب دعماً مباشراً من الموارد المائية، ودورها المنتظر تنظيم الاستخدام العادل للمياه، تخفيض الهدر، والمشاركة في الصيانة الوقائية، إضافة للتنسيق مع الموارد المائية واتحاد الفلاحين لتأمين المستلزمات الأساسية.

مقترحات اتحاد الفلاحين

ومن المقترحات التي قدمها اتحاد فلاحي طرطوس لتشجيع الفلاحين للتحول للري الحديث ، تحمّل الجهات الحكومية (الموارد المائية) تكاليف الفلاتر الرملية والضواغط باعتبارها جزءاً من البنية التحتية الأساسية، و تقديم دعم مالي مباشر أو قروض ميسّرة طويلة الأجل للفلاحين للتحول إلى الري الحديث، و تأهيل وصيانة شبكات الري الحكومية بشكل دوري لتخفيف الأعطال والخسائر، تعزيز التعاون المؤسسي بين اتحاد الفلاحين والجمعيات الفلاحية وجمعيات مستخدمي المياه والموارد المائية. إضافة إلى التدريب والإرشاد الفني للفلاحين على الاستخدام الأمثل للري الحديث لتقليل الأعطال والتكاليف.

أخيراً : رغم وجود تعاون واضح بين الجمعيات الفلاحية وجمعيات مستخدمي المياه، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الموارد المائية في أعمال الإصلاح والصيانة، إلّا أن نجاح التحول إلى الري الحديث يبقى مرهوناً بـدعم حكومي أكبر، وتوزيع واضح للمسؤوليات.

Leave a Comment
آخر الأخبار