الحرية – د: رحيم هادي الشمخي:
رغم أهمية اللقاء المقرر اليوم الإثنين في واشنطن بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي «وقادة أوروبيين متوقع انضمامهم إلى اللقاء».. إلا أنه من غير المتوقع أن تنكسر دائرة الصمت التي ما زالت تحيط بمجريات ومخرجات قمة ألاسكا التي انعقدت الجمعة الماضية بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لقاء اليوم هو بالتصنيف العملي لقاء مصيري لأوروبا، لكن أوروبا ليست من يقرر مصيرها، إنها الحلقة الأضعف في سوق المساومات بين ترامب وبوتين، تستطيع المشاغبة قليلاً، وقد ترفض ما سيعرضه ترامب عليها، لتستمر حرب أوكرانيا أشهراً أخرى، أو حتى عاماً أو عامين، لكنها بالمقابل ستكون لوحدها تماماً إذا ما نفذ ترامب تهديده بالانسحاب من ملف أوكرانيا.
لا شك أن ترامب يستطيع تحصيل الكثير من بوتين على خلفية ملف أوكرانيا، ولا يهمه هنا ماذا ستخسر أوروبا، وعلى هذا «الكثير» الذي سيحصّله يُقاس مستوى ما يمكن أن يُحصّله مما يسمى «دول الصف الثاني» الهند، البرازيل، إيران.. وغيرها، حيث يعتبر ترامب أن صعود هذه الدول مرتبط بصورة أساسية بروسيا «والصين» وإذا ما استطاع ترامب حسم ملف أوكرانيا في إطار احتواء روسيا، فإن دول الصف الثاني ستخسر حلقة رئيسية من حلقات الدعم، ورغم أنه هدف صعب المنال إلا أن ترامب يوحي بأنه بات في متناول يده، ولم يبقَ له سوى أن يصل إلى اتفاق اليوم مع زيلينيسكي والقادة الأوروبيين حوله.
من هنا يأتي تصريح ترامب أمس الأحد حول «التقدم الكبير» الذي أحرزه في لقائه مع بوتين، قائلاً: «انتظرونا»، ثم يستطرد بأنه يعتزم عقد اجتماع ثلاثي يضم واشنطن وموسكو وكييف في 22 آب الجاري، يستعجل ترامب عقد اللقاء الثلاثي لكنه بالمقابل يقر بأن هذا اللقاء مرتبط بنجاح اجتماع اليوم، وما سيتم بحثه مع زيلينيسكي والقادة الأوروبيين، خصوصاً مسألة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، وما يسمى «تبادل أراضٍ» بينها وبين روسيا.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن مصدر وصفته بالمطلع قوله: إن التحضيرات جارية لقمة ثلاثية بين ترامب وبوتين وزيلينيسكي يوم الجمعة المقبل، حيث من المتوقع أن ينضم إليها قائد أوروبي واحد، لم تتحدد هويته بعد.
وتعقيباً.. قال المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أمس الأحد: إن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على ضمانات أمنية لأوكرانيا وأوروبا، وقال ويتكوف عبر شبكة «سي إن إن» الأميركية: لقد اتفقنا على ضمانات أمنية قوية أستطيع أن أصفها بأنها ستغير الوضع تماماً.
مع ذلك فإن هذا اللقاء لا يبدو مُتاحاً، فمن غير المتوقع أن يحظى بموافقة بوتين الذي يقدم عدة شروط في سبيل اللقاء مع زيلينيسكي.
ورغم سعي ترامب الحثيث لإقناع الأميركيين والعالم بأنه عقد (قمة ممتازة) مع بوتين، إلا أن انتهاء القمة من دون بيان ختامي وبمؤتمر صحفي مقتضب، جعل القمة محاطة بما يمكن تسميته دائرة صمت حيال المجريات والمخرجات، وتالياً حيال ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات.. حتى عندما يقول ترامب إنه أطلع زيلينيسكي والأوروبيين على المجريات والمخرجات فإن الثقة ليست كاملة بأنه قال لهم كل شيء، ولا زالت التساؤلات كبيرة حيال ما جرى وما تم الاتفاق عليه. يكفي استعراض عناوين الصحف الأوروبية، وحتى الأميركية، لندرك أن التساؤلات والمخاوف ما زالت قائمة.
صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية وتحت عنوان «ما قيل في قمة ألاسكا وما لم يُقل» أشارت إلى حالة الصمت التي ما زالت سائدة منذ مؤتمر ترامب وبوتين المشترك عقب قمة آلاسكا، مؤكدة أن «القمة تركت من الأسئلة أكثر مما قدمت من الإجابات رغم نبرة الود، بل الدفء الذي اتسم به اللقاء».
ولم تتردد لوفيغارو في وصف القمة بأنها كانت «قمة عامة» رغم الجهود التي بذلها ترامب للترحيب ببوتين الذي ركب معه سيارة «الوحش» ومشى معه تحت قاذفات الشبح «بي2» محاطين بمقاتلات «اف 22» على الأرض، قبل تبادل المصافحات والابتسامات.
إذاً، كانت قمة عامة، لا خلاف، ولكن لا اتفاق أيضاً، وبالتالي يتعين انتظار «الصفقة الكبرى» القادمة التي تباهى بها ترامب مسبقاً، قبل أسبوع تقريباً من انعقاد القمة مع بوتين.
لكن ترامب يعرف كيف يتنصّل في كل مرة من تصريحاته (لنذكر هنا بمهلة الأيام العشرة التي أعطاها لبوتين للتوصل إلى اتفاق بخصوص أوكرانيا ثم انتفت هذه المهلة تلقائياً بعد الإعلان عن القمة بينه وبين بوتين).. الأمر نفسه فعله ترامب مسبقاً فيما يخص هذه الصفقة الكبرى عندما رمى الكرة في ملعب زيلينيسكي والأوروبيين، معتبراً أن الأمر بات يعتمد عليهم، وحاول هؤلاء مسايرته مؤكدين دعمهم للقاء الثلاثي، ولمقترحاته، لكن العبرة في الخواتيم، وهذه الخواتيم التي يعول الأوروبيون عليها متعلقة بشكل أساسي ببوتين الذي سيرفض لقاء زيلينيسكي وهو ما سيجنبهم الحرج والضغوط بمواجهة ترامب.
عندما يتحدث الأوروبيون عن الحرج والضغوط بمواجهة ترامب فهم يتحدثون بصورة غير مباشرة عما يرونه انحيازاً واضحاً لبوتين من قبل ترامب، فهل هذا هو واقع الحال؟
لقد هدد ترامب بفرض عقوبات على روسيا في حال فشل المفاوضات، ولكن هذا التهديد لم يعد قائماً بعد قمة ألاسكا، ترامب قال: بفضل ما حدث اليوم، أعتقد أنني لست مضطراً للتفكير في الأمر «أي فرض عقوبات جديدة على روسيا».
هل هذه المواقف من ترامب ستكون محور اللقاء في واشنطن اليوم، وهل إن دائرة الصمت ستنسحب بدورها على هذا اللقاء فلا يتم كشف المجريات ولا المخرجات؟
هذا متوقع، ولكن على الأقل، بالنسبة لاجتماع اليوم، يمكن تحديد ما إذا كان ناجحاً أو فاشلاً، فهذا مرتبط بما ستكشفه مجريات ميدان أوكرانيا في الأيام المقبلة، وبالتالي يمكن تحديد ما إذا كانت قمة ترامب ناجحة أم لا، أو ما إذا كان الهدف الأساسي من هذه القمة هو أوكرانيا، أم قضايا أخرى هي بالنسبة لترامب وبوتين أكثر أهمية وأولوية؟
كاتب وأكاديمي عراقي