الحرية– مها سلطان:
لا شك في أن اللقاء العربي/ الإيراني- على مستوى وزراء الخارجية – المزمع عقده في العاصمة النرويجية أوسلو… لا شك في أنه لقاء مهم للغاية، وعلى الأكيد ستتضاعف أهميته إذا ما أفضى إلى لقاء ثنائي سوري إيراني، بين وزير الخارجية أسعد الشيباني المتواجد في أوسلو حالياً، وبين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
هذا اللقاء الثنائي غير مؤكد بعد وإن كان متوقعاً ويجري الحديث عنه بصورة تتوسع باتجاه أنه لقاء لا بد منه، وإذا ما تم فعلياً فسيكون أول لقاء دبلوماسي مباشر بين البلدين منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول الماضي، وهو السقوط الذي أنهى عملياً كل دور لإيران في سوريا، وأضعف التأثير العربي/الإقليمي لها بصورة كبيرة.
حتى الآن لم يتم الإعلان عن موعد انعقاد اللقاء العربي الإيراني، فقد يتم بين يوم وآخر، إلا أنه استقطب حالة اهتمام واسعة، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أنه لقاء مغلق، أي لن يكون هناك حالة إعلان – بالضرورة – عما تم بحثه أو التوصل إليه. قد يكون هناك تصريحات عامة تركز على التهدئة واحتواء التصعيد من خلال الوساطات وتقريب المواقف، إلا أن النتائج غير مضمونة لناحية أن يتم تحقيق النتائج المرجوة، على الأقل ليس خلال لقاء واحد. قد يحتاج النجاح المأمول إلى المزيد وإلى سلسلة من اللقاءات المتتابعة.
كذلك لم يتم الإعلان حول من هي الجهة التي اقترحت أو عرضت أو توسطت لعقد مثل هذا اللقاء، علماً أن هناك من تحدث عن مصر كجهة اقترحت وتوسطت، خصوصاً وأن عراقجي كان قد زارها مؤخراً، وكان هناك تصريحات لافتة منه حول ما سماه «تقارب غير مسبوق» في العلاقات المصرية الإيرانية، ولا شك في أن هذا النوع من التقارب، مُضافاً إليه زيارة عراقجي لمصر، كان محل متابعة وقلق من أكثر من طرف إقليمي ودولي، خصوصاً إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، ولا يخفى هنا أن مصر ما زالت محل تركيز شديد في التصريحات الإسرائيلية السلبية والتي تم تصنيف بعضها في خانة التهديد المباشر لمصر، سواء على مستوى التصريحات أو حتى الأفعال فيما يخص ملف تهجير الفلسطينيين والإجراءات الإسرائيلية على معبر صلاح الدين (فيلادلفي) وحتى ما يتعلق بسيناء.
على الجانب الموازي، هناك جولة جديدة من المفاوضات الإيرانية الأميركية، مقررة السبت المقبل حسب المُعلن حتى الآن، وقد يكون مكان انعقادها في أوسلو. ولا يخفى على واشنطن أن إيران تسعى لكسب أوراق إقليمية جديدة، وأن مصر تبدو هدفاً لإيران بعد خسارتها سوريا، ولا ننسى هنا أن مصر تتمتع بنفس الأهمية الجيوسياسية لسوريا، مع فروقات بسيطة، وأنه ليس من مصلحة واشنطن خسارة مصر إذا ما أرادت لمفاوضاتها مع طهران أن تنتهي إلى النتائج التي تريدها، لناحية عزل إيران عربياً وإقليمياً.
ومن المقرر أن يشارك وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي، في اللقاء العربي الإيراني الذي يعقد على هامش منتدى أوسلو للسلام، إلى جانب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي (والشيباني وعراقجي). وقد ينضم إليهم مسؤولون دوليون (رفيعو المستوى) وفق بيان وزارة الخارجية النرويجية الذي أضاف أن المنتدى «يُعقد فيما نمر بحقبة نشهد فيها العديد من الحروب والصراعات الكبرى واستقطاب متزايد وتحالفات جديدة ومنافسة بين القوى العظمى». وتابع بيان الخارجية النرويجية أن «المشاركين سيناقشون بين أمور أخرى وقف إطلاق النار واستخدام قنوات الاتصال غير الرسمية وجهود السلام وحل النزاعات في عالم يتسم بديناميكية سياسية تتغير باستمرار».
عملياً، وفي البيانات والتقارير الإعلامية المتداولة، لم يتم تناول مجريات المحادثات خلال اللقاء العربي الإيراني، خصوصاً ما يتعلق بمسار سير الحديث المتبادل بين وزيري خارجية سوريا وإيران، الشيباني وعراقجي، وهل سيكون هذا الحديث مباشراً وبما يُغني عن اللقاء الثنائي، وهل أنه يُفضل أن يكون الحديث المباشر ضمن هذا اللقاء العربي الإيراني، وبما يحقق حالة ضبط معينة في حال خرج الحديث عن مسارات الدبلوماسية والسياسة؟.. علماً أنه معروف عن الشيباني دبلوماسيته شديدة الهدوء، حتى فيما يتعلق بإيران، أو بغيرها من الدول التي هي في الموقع نفسه.
بالعموم فإن أغلب الملفات التي ستطرح على الطاولة، هي ملفات معروفة، ورغم أن لا تفاؤل كبيراً بالوصول إلى نتائج مهمة، إلا أن مصادر دبلوماسية تحدثت عن صفقات، أو لنقل اتفاقات، سيتم عرضها، وفق الخريطة الجيوسياسية الجديدة للمنطقة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، على أن يتم الرد عليها من قبل الأطراف المعنية بعد الدراسة والبحث، أي ليس بصورة فورية، فوفق المصادر الدبلوماسية آنفة الذكر فإن الهدف ليس فقط مناقشة نظريات التهدئة وخفض التوتر، بل السعي إلى تهيئة بيئة حوار بين أطراف الخلافات الإقليمية، بعيداً عن عدسات الإعلام والضغوط السياسية المباشرة.
لذلك فإن اللقاء الوزاري (العربي/الإيراني) يعد – وفق فريق واسع من المحللين – اختباراً جديداً لجهود التهدئة في المنطقة، والتي تقودها دول عربية مثل سلطنة عمان ومصر وقطر، عبر مبادرات وساطة مكوكية بين الفرقاء الإقليميين والدوليين. وتسعى هذه الدول إلى كسر الجمود في الملفات الرئيسية، سوريا، غزة، اليمن، والاستفادة من الزخم الدولي الحالي المتركز عليها.
ووفق المحللين أنفسهم، في حديثهم عن منتدى أوسلو بالمجمل، فإن هذا المنتدى يكتسب أهميته من الطابع غير الرسمي والسري للجلسات ما يسمح للمشاركين بطرح مواقفهم بمرونة، من دون التقيد ببيانات رسمية. ويُتوقع أن تساهم مداولات المنتدى في إعادة بناء قنوات الاتصال بين دول متخاصمة أو متنافرة سياسياً، على أمل التمهيد لخطوات تهدئة أكبر في الأشهر المقبلة.
ورغم الطابع الإيجابي الذي تسوّق له النرويج بشأن المنتدى، تبقى الهوة واسعة بين نيات التهدئة وواقع الصراعات المعقدة في الشرق الأوسط، حيث تُسيطر الاعتبارات الأمنية والتحالفات المتشابكة على معظم مواقف الأطراف. ومع ذلك، فإن مجرد جمع هذه الأطراف في مكان واحد يُعد مؤشراً على وجود رغبة – ولو محدودة – في تفادي المزيد من الانزلاق نحو التصعيد، في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ المنطقة الحديث.