لماذا اتخذ ترامب قراراً فردياً مفاجئاً بخصوص العقوبات على سوريا؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

لا زال السؤال أعلاه قائماً رغم مرور أسبوع تقريباً على قرار ترامب، وفيما يفترض أن الجواب معروف ‏والذي يتم ربطه بشكل عام بتكوين شخصية ترامب وسياساته القائمة على المفاجآت وخلق حالة من ‏الاستقطاب من قبل ومن بعد، إلا أن هذا الربط لا يبدو مقنعاً بصورة كافية، فما زال فريق واسع من ‏المحللين والمراقبين يطرحون التساؤلات حول قرار ترامب.‏
حول ذلك كتبت صحيفة «ناشيونال انترست» الأميركية مقالاً اليوم الإثنين للكاتب غريغ بريدي قالت ‏فيه: فاجأ الرئيس ترامب العديد من المراقبين الخارجيين بإعلانه رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، ‏وما كان ينبغي أن يكون هذا القرار مفاجئاً إلى هذا الحد، إذ تمت الإطاحة بنظام بشار الأسد، الذي فُرضت ‏عليها العقوبات، في أوائل كانون الأول 2024.‏
ووصفت الصحيفة الأميركية القرار بأنه تحول جذري معتبرة أنه «من المنعش رؤية الرئيس ترامب ‏يكسر بعضاً من التفكير الجماعي المتحجر، مرسخاً ذلك بعقد اجتماع مع الرئيس السوري أحمد الشرع».‏
وتضيف: في أعقاب سقوط الأسد ركز جزء كبير من الخطاب في واشنطن على كيفية حكم سوريا داخلياً. ‏ومن المؤكد أننا لا نرغب في رؤية انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، لقد تركزت معظم المناقشات ‏المبكرة حول العقوبات على طبيعة هيئة تحرير الشام، محذرة من رفعها بالكامل، ومطالبة بإعفاءات ‏محدودة لتغطية المساعدات الإنسانية، وقد سنّت إدارة بايدن تلك الإعفاءات لقطاعات الطاقة والإمدادات ‏الإنسانية والتحويلات المالية في كانون الثاني الماضي، ومع ذلك، كان من المقرر أن تظل معظم ‏العقوبات بموجب «قانون قيصر لعام 2020» سارية حتى عام 2029.‏
‏ وجادل كثير من السياسيين في المؤسسة الأمريكية بأن الإعفاء الكامل من العقوبات مشروط بالوفاء ‏بسلسلة من «معايير الحكم الرشيد» التي وضعتها الولايات المتحدة وأوروبا، والتي ستكون بالضرورة ‌‏«عملية طويلة» بما في ذلك صياغة دستور جديد مقبول لدى القوى الغربية، وكان من الضروري أن ‌‏«تستحق» الحكومة السورية الجديدة تخفيف العقوبات، وتحقق ذلك من خلال النهج الأولي لإدارة ‏ترامب، إلى جانب تقليص متواضع للوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، وكانت حكومة ‏الشرع متفهمة بشكل عام لمطالب إدارة ترامب الأولية، لكنها قالت أيضاً إن بعضها يتطلب «تفاهمات ‏متبادلة» فيما يتعلق بالسيادة السورية.‏
وتتابع «ناشيونال انترست»: من الناحية العملية ربطت السياسة الأولية بين تخفيف العقوبات وبين ‏مجموعة من المطالب ستُبقي عقوبات قيصر سارية المفعول، وسمحت الإعفاءات الأولية من العقوبات، ‏لمدة 6 أشهر، بإدخال الغذاء وإمدادات الإغاثة الأخرى إلى سوريا، لكنها تمنع الاستثمارات الكبيرة ‏اللازمة لوضع الاقتصاد السوري على طريق التعافي. وتحتاج سوريا تحديداً إلى إصلاح واستبدال البنية ‏التحتية الحيوية، مثل محطات الطاقة وسلاسل التوريد وأسواق التصدير والروابط المصرفية الدولية. ‏
في غضون ذلك، تزايد الحديث في إسرائيل في الأشهر الأخيرة عن ضرورة إبقاء دمشق ضعيفة، أو ربما ‏حتى تقسيم سوريا، واتخذت إسرائيل، على نحوٍ مفهوم، بعض الإجراءات لتعزيز مكاسبها في أعقاب ‏ضعف حزب الله وسقوط الأسد، فقد سيطرت على أراضٍ شمال وشرق مرتفعات الجولان، واستخدمت ‏الغارات الجوية لتدمير ما تبقى من البنية التحتية العسكرية لنظام الأسد قبل أن تتمكن «هيئة تحرير ‏الشام» من السيطرة عليها، وبدأ اليمين الإسرائيلي أيضاً مناقشة السعي إلى تقسيم سوريا، حيث اقترح ‏وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن الحرب الحالية لا يمكن أن تنتهي إلا بتقسيم سوريا.‏
وتطرقت الصحيفة الأميركية إلى محاولات إسرائيل استمالة الأقلية الدرزية، عبر اجراءات اقتصادية ‏ودينية واجتماعية، مشيرة إلى أن ذلك «ما كان هذا ليُثير القلق لولا الحديث عن التقسيم، والذي يبدو إلى ‏جانب ذلك أنه محاولة لإضعاف دمشق أو ربما عزل منطقة درزية عن السيطرة السورية». ‏
ومع ذلك، فقد حققت الحكومة الجديدة في دمشق التوقعات بشكل عام من حيث الحفاظ على الاستقرار ‏وتجنب الأعمال الانتقامية واسعة النطاق ضد الأقليات، على الرغم من فشلها في منع الهجمات على ‏الطائفة العلوية في آذار الماضي، ولا يزال من الممكن شراء مشروب كحولي في دمشق، كما يُسمح ‏للنساء بالتواجد في الأماكن العامة دون حجاب، ومع ذلك، فإن هذه المقاييس ليست هي المحركات ‏الرئيسية لمصالح الولايات المتحدة. ‏
وتشير «ناشيونال انترست» إلى سلسلة تطورات الداخل السوري منها صياغة بديل للدستور الحالي، وأن ‏تكون الشريعة الإسلامية مصدراً للفقة، وما يثار من جدل حول التعددية.. الخ، وتعتبر أن مثل هذه الأمور ‏ستؤثر على النظرة الغربية بخصوص الديمقراطية كما يفهمها الغرب. وتقول: من غير المرجح أن ‏يُرضي هذا الليبراليين والمحافظين الجدد الذين يجادلون بأن الإعفاء الكامل من العقوبات يجب أن يكون ‏مشروطاً بتحقيق «المعايير».‏

ولكن لحسن الحظ – كما تقول الصحيفة الأميركية –  تخلص الرئيس ترامب من جمود المؤسسة ‏السياسية في واشنطن واختار اتباع نهج واقعي وواضح، وكسر الجمود بشأن العقوبات. إذ أدإن إبقاء سوريا ‏ضعيفة أو مقسمة لن يخدم المصالح الأمريكية بالطريقة التي يمكن أن تخدمها سوريا مستقرة وموحدة. ‌‏«وفي كلتا الحالتين، لن تمتلك سوريا الموارد اللازمة لبناء جيش قادر على تشكيل تهديد خطير ‏لإسرائيل» وفق تعبير الصحيفة.‏
وتختم بالقول: في النهاية ستتمكن دول الخليج العربية الثرية ورجال أعمالها من الاستثمار في ترميم ‏البنية التحتية السورية وبناء اقتصاد مستقل عن المساعدات الخارجية، وقد تنخرط الجهات الغربية في ‏نهاية المطاف مجدداً في تنمية الموارد الطبيعية السورية، وستكون سوريا حرة في تطوير نظامها ‏الحكومي الخاص، ولن تخضع لتدخلات في سيادتها. وهذه الشروط وحدها كفيلة بمنع دمشق من الانجرار ‏وراء اصطفافها القديم على حساب السلام الإقليمي.‏
يشار إلى أن مقال «ناشيونال انترست» جاء غداة تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية أكد بدء ‏المراجعات الفنية لرفع العقوبات، ونقلت عن مصادر مطلعة قولها: إن أالقرار أدى إلى حالة من ‏الاستعجال داخل الحكومة الأمريكية لتفعيله، وسط مراجعات فنية معقدة يتوقع أن تستغرق عدة أسابيع.‏
وأوضح مسؤولون في وزارة الخزانة أن الإدارة تعتزم إصدار تراخيص عامة خلال الأسابيع المقبلة، ‏تهدف إلى توسيع نطاق الاقتصاد السوري الحيوي ودعم جهود إعادة الإعمار، على أن تستمر هذه ‏التراخيص حتى رفع العقوبات بالكامل.‏
وأشار ثلاثة مسؤولين أمريكيين إلى أن الإدارة بدأت بالفعل مراجعات فنية للعقوبات، تمهيداً لتخفيفها، ‏إلى جانب نيتها رفع القيود على الصادرات إلى سوريا دعماً لعملية إعادة بناء الاقتصاد.‏

Leave a Comment
آخر الأخبار