الحرية- بشرى سمير:
تحولت ظاهرة التسول خلال السنوات الأخيرة من سلوك فردي ناتج عن الفقر إلى ظاهرة اجتماعية شبه منظمة، تمارس غالباً بشكل احترافي.
ووفقاً لبيانات رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لم تعد الظاهرة تقتصر على الفئات الهشة كالأطفال والنساء، بل باتت تشمل حتى بعض عمال النظافة، ما يشير إلى مدى تفشي الظاهرة وتعمقها في بنية المجتمع.
وعلى الرغم من الفقر والبطالة الناتجين عن سنوات طويلة من الحرب، فإن الجهات المعنية تحذر من أن نسبة كبيرة من المتسولين لم يعودوا ضحايا للظروف الاقتصادية، بل يمارسون التسول كمهنة يومية مدرّة للربح.
250 ألف متسول أكثر من نصفهم من الإناث
وأشار مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بدمشق محمود الخطيب إلى وجود ارتفاع في معدلات التسول بنسبة 25% مقارنة بالعام الماضي، مع تسجيل تزايد ملحوظ خلال شهر رمضان، وعيد الفطر، حيث يتم استغلال المناسبات الدينية والعاطفية لاستدرار تعاطف الناس، وخاصة أمام المساجد وعند إشارات المرور الرئيسية. حيث بلغ عدد المتسولين في البلاد حوالي 250 ألف شخص، أكثر من نصفهم من الإناث (51.1%)، فيما يُقدّر أن نحو 64.4% منهم يمتهنون التسول بشكل دائم ومنظم.
وتكشف الأرقام أيضاً أن الأطفال يشكلون نحو 10% من المتسولين، أي ما يقارب 25 ألف طفل، وهناك كثير منهم يتم استغلالهم من قبل أسرهم أو شبكات منظمة، تسول “منظم” وليس بدافع العوز فقط.
وأضاف الخطيب في تصريح لصحيفة الحرية: إن التسول في سوريا لم يعد حالة فردية ناتجة عن الفقر فقط، بل هناك من امتهنه ووجد فيه وسيلة سهلة للدخل، بل وصل الأمر إلى وجود شبكات تستغل الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة لتنفيذ عمليات تسول مدروسة.
وأكد الخطيب أنه يجري العمل على تنفيذ حملة موسعة بالتعاون مع أجهزة الشرطة لضبط الظاهرة، بالتوازي مع إعادة تأهيل دار الكسوة في ريف دمشق، ليصبح مركزاً لإيواء وتأهيل المتسولين بدلاً من كونه مكان احتجاز مؤقت.
وتم التواصل مع عدة منظمات إنسانية لتطوير هذا المركز، ليقدم خدمات تدريب مهني واجتماعي تُمكّن المستفيدين من الاندماج في سوق العمل، بدلاً من العودة إلى الشارع.
من جانبه، أوضح المحامي مروان سرور أن قانون مكافحة التسول المعدل عام 2019 يتضمن عقوبات رادعة، تتراوح بين الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامات مالية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية، وخصوصاً إذا تضمن التسول استخدام وسائل احتيالية، كالتظاهر بالإعاقة أو اصطحاب أطفال غرباء.
لكن سرور أشار إلى وجود ثغرات في التطبيق، أبرزها الاكتفاء بتوقيع تعهدات دون ملاحقة فعلية، ما يجعل الكثير من المتسولين يعودون لممارسة النشاط فور الإفراج عنهم. واعتبر أن مكافحة الظاهرة يجب أن تركز على ملاحقة الشبكات التي تقف خلف هؤلاء، فهؤلاء أخطر من المتسولين أنفسهم، بحسب تعبيره.
ولفت إلى أن البيانات الرسمية تؤكد أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من الظاهرة، حيث يتم استغلالهم من قبل بعض ذويهم أو جهات مشغلة، ويتم التعامل مع هؤلاء من قبل الجهات الاجتماعية على أنهم ضحايا وليسوا مخالفين، مع محاولات لإعادة تأهيلهم ضمن برامج دعم نفسي واجتماعي، وإن كانت الإمكانيات المتوفرة محدودة و الجهود المبذولة ما زالت دون المستوى المطلوب، نظراً لمحدودية الموارد والدعم.
وقد تم وضع خطط للتنسيق مع عدد من الجمعيات المحلية التي تمتلك مقرات مؤهلة لاستضافة المتسولين والمشردين، مع السماح لهذه الجمعيات بالعمل على مستوى وطني وليس فقط في المحافظة المسجلة فيها.
كما يجري التنسيق مع أقسام الشرطة التي بدأت تعود تدريجياً إلى ممارسة دورها الكامل في هذا الملف، بعد فترات من التراجع نتيجة الظروف الأمنية.
ويرى سرور أن الحل الجذري لمشكلة التسول لا يمكن أن يتحقق دون معالجة الأسباب الاقتصادية العميقة التي تدفع البعض إلى الشارع، فالفقر وارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة، وغياب شبكات الدعم الاجتماعي، كلها عوامل تغذي استمرار الظاهرة وتمنحها غطاءً واقعياً يصعب تجاهله، و أن أي حل مستدام يجب أن يشمل مسارين متوازيين، الأول وقائي يرتبط بتحسين الظروف المعيشية، والثاني ردعي يفرض القانون على من يستغلون التسول كمهنة أو تجارة غير شرعية.