الحرية- هويدا محمد مصطفى:
تتنوع أعمال محمد هدلا بين المناظر البحرية ومشاهد المرأة والعمارة القديمة حيث يركز على التراث المعماري بتقنيات متنوعة ولغة تعبيرية تعكس جمالية اللوحة الفنية من خلال التعبير الذاتي وانفعالات أحاسيسه الذي اعتمده في أعماله في مشاهد ورؤى تصل إلى السوريالية، فهو يتأثر بتبدلات اللون والضوء ويوازن بين الجانب التعبيري والجانب التقني من خلال ابتكار نسيج بصري حركي يتخطى الرؤية الواقعية التقليدية، وعلى هذا الأساس تكشف لوحات محمد هدلا عن شغفه البالغ بالعودة إلى ذاته من خلال العفوية والتلقائية في أكثر لوحاته. وللحديث عن أعمال الفنان التشكيلي محمد هدلا كان لنا معه هذا الحوار:
*- في أغلب لوحاتك حضور مميز لطرطوس القديمة ماعلاقتك بالمدينة البحرية؟
**_ولدت في طرطوس القديمة وأعيش فيها، إنها أجمل مدينة فينيقية على شاطىء المتوسط تمتاز بأبنيتها القديمة وآثارها التي تعود إلى حضارات قديمة فينيقية ورومانية وإسلامية، فالمدينة القديمة مبنية من الحجر الرملي الخشن وألوانه تحمل درجات اللون البني من الفاتح إلى الغامق، كما يمتاز طراز البناء فيها بالأقواس والقناطر والقباب والأدراج والأزقة المنفتحة على البحر لهذا فهي مصدر إلهامي .
*_تأخذ المرأة حيزاً كبيراً في أعمالك ما السبب؟
**_في أعمالي أظهر الناحية التعبيرية عند المرأة من حلم وحب وانتظار وأمل ومعاناة وخوف من المجهول.
*_كيف تنظر للعلاقة بين الفن والنقد؟
**_ النقد الفني مهم لإيضاح العمل الفني والناقد هو من يراقب الفنان ويوضح له أين أصاب وأين أخطأ، وهو يشرح للمتلقي العمل الفني ليمنحه لذة الاستمتاع به من خلال تشريح العمل الفني سواء من حيث التكوين أو تناغم الألوان وتضادها أو من حيث الناحية التعبيرية والرمزية.
*_أين أنت من التجريد اللوني المطلق وخصوصاً أنك مرتبط بالواقع أكثر؟
**_أنا ضد التجريد اللوني المطلق، مع أنه لغة فنية عالية وصافية، لكنه لا يناسب واقعنا، فهو يتطلب من المتلقي ثقافة فنية واسعة، فعلى الفنان أن يتفاعل مع بيئته ومجتمعه، ويكون صادقاً حتى يقدم الأفضل .
*_في أعمالك جنوح نحو استخدام بعض التقنيات من دون غيرها، لماذا؟
**_سابقاً كنت أؤسس أعمالي بالرمل البحري وهذا يجعل اللوحة قريبة من موضوعها الذي هو طرطوس القديمة المبنية من الحجر الرملي، بحيث يكون هناك انسجام بين الموضوع والتقنية كما استخدم الخيش والتلصيق “الكولاج”من ورق جرائد ومجلات وقطع قماش قديمة، وهذا من أساليب الفن الحديث وهو يمنح سطح اللوحة إحساساً جميلاً وملمساً مميزاً.
*_ما المراحل التي يتم بها إنجاز لوحتك؟
**_في البداية تكون فكرة اللوحة كالومضة تمر في خاطري ثم أبدأ بعمل دراسات سريعة “اسكتشات”لها ثم أقوم بتنفيذ اللوحة ومن الممكن أن تمر اللوحة بعدة تغييرات وتبدلات حيث تأخذ شكلها الأخير قبل توقيعها.
*_مامدى العلاقة بين الوحدة اللونية والتجانس الفكري في بناء اللوحة ؟
**_التناغم اللوني في اللوحة يخضع لمدلولاتها الفكرية، حيث يجب أن يكون هناك توافق تام وترابط بينهما، فالألوان سواء كانت حارة أم باردة أو محايدة يجب أن تخدم مضمون العمل الفني، فالإيقاع اللوني هو الذي يمد مضمون اللوحة ببعد آخر،حيث تصبح اللوحة أكثر حيوية وتأثيراً على المتلقي وعندها يكون التكوين في اللوحة متيناً، وتكون ذات بعد فكري وألوان متناغمة فإنها لاشك ستصل إلى أكبر عدد من المتلقين.
*_من أين يأتي فهم العلاقة بين اللوحة؛ من الذاكرة أم من الواقع؟ ومالرابط بينهما؟
**_يجب ألّا يكون العمل الفني مرآة باردة تعكس الواقع وألّا يكون شبكة من المغناطيس تلتقط مامرّ بالذاكرة من أحداث ومشاهد وإنما الأفضل أن يكون مزيجاً متوازناً بينهما، حيث إن كلاً منهما يغذي الآخر، فالواقع عندما يكون جميلاً وساحراً و إن شُحنت الذاكرة بمشاهد وذكريات خصبة ، خاصة من مرحلة الطفولة مضافاً إليها انفعالات الفنان ووجدانه العاطفي ومفهومه الجمالي عندها يأتي العمل الفني في أعلى مستوياته الإبداعية.
من الجدير ذكره أن الفنان محمد هدلا من مواليد طرطوس -سوريا عام 1954 بدأ حياته الفنية منذ مطلع السبعينيات، وكثف نشاطه بعد تخرجه من محترفات كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1977، حيث أقام مجموعة من المعارض الفردية إلى جانب مشاركاته في العديد من المعارض الرسمية والخاصة، وقام بجولة اطلاعية على تظاهرة فنون الفياك في باريس عام 2000وعرض بعض لوحاته على الجمهور الفرنسي في أكثر من معرض منفرد وخاص، كان آخرها في قصر المؤتمرات (بيربينيون)