مؤتمر «قسد» ضد سوريا الوطن والشعب والدولة.. واجهات انفصالية وأهداف مشبوهة

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

كيف يُمكن لحديث الوحدة الوطنية الذي يطلقه من يُسمون أنفسهم قادة مكونات، أو يدّعون أنهم كذلك، أن يستقيم مع حديث انفصالي مباشر يتم ترجمته على الأرض بمؤتمرات انفصالية لا تخفى أهدافها الخبيثة؟

كيف يُمكن أن يستقيم «حديث المظلومية» الذي يطلقه هؤلاء زوراً وخبثاً، مع فعلهم الميداني المتمثل بالعصيان والتمرد وحمل السلاح بمواجهة الدولة ومنع مؤسساتها من الوجود على الأرض وتقويض جهودها في سبيل تحقيق وحدة وطنية ونهضة شاملة لكل سوريا؟

بعد مؤتمر «قسد».. السوريون سيعيدون تصويب البوصلة ولن يصح إلا الصحيح.. سوريا وطن واحد جامع

كيف يُمكن لهؤلاء إقناع السوريين بوطنية أهدافهم فيما هم يدعونهم للانقسام والتقسيم تحت شعارات مزيفة عنوانها اللامركزية والإدارات الذاتية والأقاليم الطائفية.. والأخطر من ذلك مساعيهم لفرضها على السوريين كأمر واقع مستغلين العصبيات المذهبية للبعض والمصالح الشخصية للبعض الآخر، وأيضاً الاستثمار في رموز النظام السابق واستقطابهم لتحقيق واقع انفصالي يمزق سوريا أرضاً وشعباً إلى كيانات صغيرة هشة فتتلاشى سوريا التاريخية وأهلها إلى الأبد؟

كل هذه الأسئلة لم يُجب عليها مؤتمر «قسد» المسمى «وحدة موقف مكونات شمال شرقي سوريا» الذي انعقد أمس الجمعة، مستضيفاً شخصيات/واجهات دينية انفصالية معروفة لجميع السوريين. وفيما خرج المؤتمر ببيان ختامي شدد على «ضرورة ترسيخ التعدد القومي والديني والثقافي في البنى السياسية، واعتماد دستور ديمقراطي يضمن لا مركزية الحكم والمشاركة الفعلية لجميع المكونات» لم يوضح المؤتمرون كيف يمكن تحقيق ذلك بمؤتمرات انفصالية تلتف على جهود الدولة في الداخل والخارج، وتعمل على تأليب الداخل، ثم مخاطبة المجتمع الدولي طلباً للحماية والمساندة، وبما يفتح الباب واسعاً نحو تدخل أطراف دولية سبق لها وتآمرت على سوريا وأهلها فكانت «شريكة دم» مع النظام السابق.

مؤتمر قسد لم يجب على أسئلة السوريين حول كيفية تحقيق وحدة وطنية وبناء دولة قوية عبر مؤتمرات مناطقية وعبر استضافة واجهات دينية انفصالية وفرضها ممثلاً لمكونات سورية دون استفتائها

هذه المؤتمرات التي تنظمها قسد وغيرها، مشبوهة بشخصياتها وأهدافها.. لماذا هي كذلك؟

– لأن بين قسد والدولة اتفاقاً (في 10 تموز الماضي) على الاندماج ضمن مؤسسات الدولة مع الحفاظ على وحدة الأراضي ورفض أي تقسيم أو فيدرلة، ويُفترض أن يكون ضمن التطبيق أو في نهايات التطبيق، لكن قسد لم تلتزم به، وعمدت إلى خرقه مرات عدة، وصولاً إلى الانقلاب عليه أمس الجمعة في ذلك المؤتمر.

بالمقابل تؤكد الدولة على حق التجمع السلمي والحوار البناء على المستوى الوطني والمناطقي، وحق التعبير عن الرؤى السياسية وتأسيس الأحزاب ضمن الأطر القانونية الوطنية «شريطة أن يكون في إطار المشروع الوطني الجامع الذي يلتف حول وحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادة» وأن يكون «نشاطها سلمياً، وألا تحمل السلاح في مواجهة الدولة، وألا تفرض رؤيتها على شكل الدولة السورية» وهذا حق الدولة على مواطنيها، أي ضمن واجبات المواطنين لبناء السلم الأهلي والنهوض المجتمعي، وصولاً إلى تحصين الدولة الأرض والشعب والمؤسسات.

ما تفعله قسد أنها تستبق خطوات الدولة التي لا بد أن تأخذ وقتها الكافي في التنظيم والدراسة والتنفيذ وبالتالي هي تلتف على الدولة وتعمل على تقديم نفسها بديلاً في مناطقها وليس عوناً للدولة على المستوى الوطني

– لأن قسد بهذا المؤتمر، وبمجمل خطواتها على الأرض، تنتهج طرح التفاهمات الفئوية/الانفصالية، وليس الإطار الوطني الجامع، وتعمل على طرح أهداف متعارضة مع أهداف الدولة التي تسعى إلى تفاهمات جامعة وصولاً إلى مؤسسات دستورية قانونية ومنتخبة تضمن مشاركة جميع السوريين، ومنها دستور دائم عبر الاستفتاء الشعبي.

ما تفعله قسد، ومعها الواجهات الدينية الانفصالية، أنها تستبق خطوات الدولة التي لا بد أن تأخذ وقتها الكافي في التنظيم والدراسة والتنفيذ، وتلتف عليها، وتعمل على تقديم نفسها بديلاً في مناطقها، وليس عوناً للدولة على المستوى الوطني، أو تعمل على احتكار تمثيل مكونات بقوة الأمر الواقع وبإسناد خارجي مشبوه.. ولأن كل مرحلة انتقالية لا بد أن تتضمن أخطاءً وثغرات، فإن قسد ومن لف لفها تسعى إلى استغلال ذلك بالتأليب والتحريض، فلا يكون السوري عوناً لأخيه السوري، ولا يكون كلاهما عوناً للدولة، عوناً لسوريا التي تحتاج كل أبنائها في الجهد والعمل لتخطي المرحلة الانتقالية بتحدياتها، وهي كبيرة جداً داخلياً وخارجياً.

– لأن مؤتمر قسد يمثل هروباً من استحقاقات اتفاق 10 آذار، وتنكراً للثوابت الوطنية القائمة على جيش واحد، حكومة واحدة، وبلد واحد، وهذا ما يضاعف تحديات المرحلة الانتقالية،  بل يستدعي مخاطر كبيرة تهدد بدفع سوريا إلى الفوضى، واستدعاء التدخل الخارجي، وحتى إلى الاقتتال الأهلي إذا لم تعد قسد إلى جادة الصواب الوطني، وتقدم الوطن على مصالحها الشخصية المذهبية المناطقية.

قسد اختارت أن يكون مؤتمرها في توقيت حساس قبيل اجتماعات باريس واختارت أن توجه رسالتها للمجتمع الدولي من الحسكة وليس من دمشق كعنوان وطني جامع

– لأن قسد اختارت أن يكون مؤتمرها في توقيت حساس، خصوصاً أنه يأتي قبل اجتماعات مقررة في العاصمة الفرنسية باريس (بين قسد والحكومة السورية)، حيث إن قسد اختارت أن توجه رسالتها للمجتمع الدولي من الحسكة وليس من دمشق كعنوان وطني جامع، أي إنها اختارت رسالة انفصالية تستقوي بواجهات دينية محسوبة على السوريين كأمر واقع، وليس ضمن نسيج وطني جامع، وإذا ما كان هناك استفتاء حقيقي لمواقف السوريين وآرائهم فإن هذه الواجهات ستكون خارج المشهد كلياً.

وعليه يحق للدولة السورية أن تُخرج نفسها من هذا المشهد الانفصالي بأهدافه التقسيمية، وتالياً رفض المشاركة في اجتماعات باريس على قاعدة عدم الجلوس على طاولة التفاوض مع أطراف انقسامية أو «مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد تحت أي مسمى أو غطاء»، ودعوة قسد لـ «الانخراط الجاد في تنفيذ اتفاق ١٠ آذار» و«دعوة الوسطاء الدوليين لنقل جميع المفاوضات إلى دمشق باعتبارها العنوان الشرعي والوطني للحوار بين السوريين».

الطريق إلى الوحدة لا يكون بمثل هذه المؤتمرات وإنما بـ«الالتزام بمشروع وطني جامع يرفض الاستبداد ورموزه، ويعالج آثار الانقسامات العرقية والطائفية بدلاً من تغذيتها»، و«الاستحقاقات الوطنية الحقيقية تُبنى داخل سوريا وبين أبنائها» وليس خارجها ومع من لا يريدون الخير لسوريا وأهلها.

Leave a Comment
آخر الأخبار