الحرية – مها سلطان:
أمران يُحسبان للقيادة السورية الجديدة، الأول أنها أحسنت- إلى حد كبير- إدارة عملية الانتقال الداخلي، على صعيد المؤسسات والمنشآت والمرافق الخدمية، بكوادرها البشرية وإمكانياتها المالية والتشغيلية وبما أمّن استمرارية العمل والإنتاجية، وحافظ في الوقت ذاته على المهارات والكوادر التي هي في صلب العملية الإنتاجية والخدمية. علماً أنه لا يخفى على أحد الوضع البائس الذي كانت عليه هذه المؤسسات والمنشآت.
ورغم أنها مفلسة في معظمها، وبدون انتاجية حقيقية مع كل الإمكانات المالية الهائلة التي كانت تصرف لها وعليها، استمرت قائمة، وهذا أمر طبيعي في ظل أنها كانت بؤراً مستدامة للنهب والسرقة، مع من تولاها من فاسدين ومفسدين من كل صنف ونوع، لتصبَّ المكاسب كلها في جيوب هؤلاء الذين هم في الأساس مافيات حكم وسلطة معروفة لجميع السوريين، أي إننا لا نفشي سراً، حيث كان كل ذلك يجري جهاراً وتفاخراً من قبل هذه المافيات التي أفرغت خزائن الدولة، ثم جيوب السوريين.
عقود من النهب على يد مافيات النظام السابق أفرغت مؤسسات الدولة من الأموال والكوادر وحولتها بؤر فساد مستدامة
ولم ينتهِ الأمر هنا، فعندما سقط النظام الأسدي وسقطت معه مافياته، في 8 كانون الأول الماضي، عمد هؤلاء إلى استكمال فصول السرقة والنهب بفصل أخير قبل الهروب، حيث عمدوا إلى سرقة جميع الأموال التي وقعت عليها أيديهم، وأوعزوا لصغار لصوصهم بنهب وسرقة كل ما تحتويه المؤسسات والمنشآت من آليات وأجهزة ومعدات كبيرها وصغيرها.. كل شيء وأي شيء حتى لو كان «ورقة وقلماً». أرادت هذه المافيات أن تستكمل حتى اللحظة الأخيرة تدميراً ممنهجاً للدولة، فلا يجد السوريون وقيادتهم الجديدة أي ركائز يستندون عليها لاستعادة الدولة ومؤسساتها، ولتأمين المواطنين واحتياجاتهم.. هذا التدمير كان حتى على المستوى الأمني، حيث نشرت هذه المافيات عصاباتها في كل المحافظات والمدن لترهب الناس، وتهدد حياتهم، وتنهب آخر ما تبقى لهم.
لم تتوقف القيادة الجديدة عند المؤسسات المنهوبة لتتذرع أمام السوريين بأنها تحتاج وقتاً وجهداً ومساعدات بل باشرت بالعمل فوراً ومن القليل المتوفر
– العمل فوراً وتوسيع المكتسبات
الأمر الثاني الذي يُحسب للقيادة الجديدة أنها لم تتوقف عند مسألة المؤسسات المنهوبة. باشرت العمل على الفور، منذ اليوم الأول. لم تتذرع أمام السوريين بأنها استلمت مؤسسات منهوبة/مفلسة، وأنها تحتاج وقتاً وجهداً ومساعدات، وعقوداً من العمل، عدا عن انتظار رفع العقوبات ووصول المساعدات الدولية، واحتواء الضغوط الخارجية وغير ذلك مما يعني وقف حال البلاد والعباد.. لم تتذرع بأحداث أمنية يُشعلها فلول النظام في هذه المنطقة أو تلك، وهي أحداث من الخطورة بما يكفي لفرض حالات طوارئ وإغلاق لأيام عديدة، تنتفي معها مظاهر الحياة العامة، ومعها مسؤوليات الدولة، وهو أمر مبرر ومنطقي، حيث أن الأحداث الأمنية هي التحدي الأخطر لكل الدول حول العالم، حتى في حالات السلم، وليس لسوريا فقط التي عانت من حرب مدمرة لـ14 عاماً، وما زالت في مرحلة انتقالية.
تم البدء بالعمل فوراً، ومن القليل المتوفر، باتجاه توسيع دائرة الانتاج والمكتسبات. ومع بدء «الدعم العملي» من دول عربية وأخرى حليفة، يتم تباعاً ترميم العجز، وتعزيز حالة التعافي. وهو عمل مشهود له، من الداخل والخارج، ومدعاة تفاؤل للسوريين.
«سادكوب» اللاذقية
لنوضح أكثر بأحد الأمثلة العملية، القائمة والناجحة وبشهادة الناس الذين يؤكدون تحسن الأوضاع خصوصاً على مستوى الاحتياجات والمراكز الخدمية، وبالأخص أكثر على مستوى احتياجات الطاقة، من غاز ومازوت وبنزين وكهرباء.
مثالنا من محافظة اللاذقية، وهو يُقاس على مجمل المحافظات.
يقول حسن أبو قصرة المكلف بالإشراف على الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية «سادكوب» في محافظة اللاذقية، في منشور له على صفحته على «فيسبوك»:
قبل 3 أشهر، دخلنا الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية في اللاذقية، لم نجد فيها أي شيء، كانت منهوبة بشكل كامل من قبل فلول النظام، لم يتركوا فيها حتى قلماً أو ماعون ورق، فضلاً عن الكمبيوترات والسيرفرات والآليات والطاولات وأسطوانات الغاز إضافة لتعرض المستودعات لعملية نهب ممنهجة.
اليوم وبعد 3 أشهر ما الذي حدث؟!
– معمل الغاز أصبح ينتج 13000 أسطوانة غاز يومياً.
– 10 محطات وقود تابعة للشركة منتشرة في المحافظة.
– 1007 مراكز لتوزيع الغاز المنزلي.
– أكثر من 10 صهاريج لتوزيع المحروقات للفعاليات الاقتصادية (أفران ومعامل ومطاعم وفنادق….الخ).
– تفعيل محطة تزويد السفن والبواخر وقد بدأنا باستقبال طلبات تزويد السفن.
– تجهيز ورشة لفحص وصيانة أسطوانات الغاز للتأكد من فعاليتها وصلاحيتها.
– وصل مخزون الغاز في مستودعات معمل غاز اللاذقية إلى 1200 طن غاز، ونعمل لأن يصل المخزون إلى 3000 طن خلال أيام قليلة بإذن الله وهي أقصى طاقة تخزينية لمستوعبات الغاز في المعمل (حاجة المحافظة يومياً 70 طناً تقريباً).
– انخفاض سعر أسطوانة الغاز المنزلية حيث وصل سعرها إلى 120 ألف ليرة مع توفرها بكثرة.
– تخزين أكثر من 300 ألف لتر مازوت في مخازن مؤمنة داخل المدينة للاستخدام في حالة الطوارئ.
– صيانة الجزء الأكبر من خط النقل الواصل بين بانياس واللاذقية ولم يبقَ إلا القليل ويدخل الخط في الخدمة.
كل هذا مع انعدام الامكانيات، بالإضافة لتجهيز فوج إطفاء من 4 سيارات ووضعها في حالة الجاهزية لمؤازرة فرق الدفاع المدني عند الطلب.
ويضيف أبو قصرة: عندما هاجمت الفلول (فلول النظام السابق) المؤسسات الحكومية ونصبت كمائن الغدر على الطرقات، قمنا باستجرار المحروقات من حمص إلى إدلب ثم الساحل عن طريق m4 تحت الخطر وفي رحلة استغرقت ساعات طويلة.
العمل على توفير احتياجات الناس والنجاح في ذلك إلى حد كبير ليس حديث مسؤولين فقط ولا هو من باب الدعاية بل هو حديث الناس أنفسهم تؤكده مُعطيات الأسواق والأسعار
– حديث الناس
هذا مثال واحد فقط، وهو ليس مجرد تصريح من مسؤول معني، وليس من باب الدعاية، بل هو مثال يأتي على ألسنة الناس، بل هو مرئي بصورة يقينية في الشوارع والساحات، ليس في اللاذقية فقط بل في كل المحافظات، وفي السيارات التي تحمل شحنات الغاز والمازوت والبنزين وتجول حتى في الأحياء الصغيرة، وفي ساعات الكهرباء التي شهدت تحسناً كبيراً، وكل هذا انعكس عملياً على المواد الغذائية بصورة أساسية، في الجودة وفي الأسعار، على مادة الخبز بصورة أساسية، وعلى عمليات الشحن والنقل بين المحافظات، حيث أدى انخفاض أسعار الطاقة بعد توفرها، لانخفاض أسعار النقل وتالياً انخفاض أسعار المواد الزراعية، والغذائية بشكل عام.
هذا مثال واحد فقط، وقس عليه أمثلة عديدة في قطاعات إنتاجية حيوية ومؤثرة، في مؤسسات تنهض من الصفر وبأقل الإمكانيات، لكن مع إرادة البناء والعمل التي لا تقهر عند السوريين (وهذا على مر التاريخ) فإن سوريا قادرة دائماً على النهوض واستعادة القوة والمكانة.