الحرية- يسرى المصري:
يقال في الأسواق وعلى المنصات الاقتصادية.. إن الناس لاينفقون لأنهم لا يملكون السيولة الكافية ويعانون من وضع معيشي متهالك..
وتعاني الأسواق من نقص السيولة بالعملة المحلية.. مع التحفظ على ضخ المزيد منها واحتفاظ مصرف سوريا المركزي باحتياطيات للوفاء بالالتزامات المترتبة على الدولة من رواتب ونفقات جارية أو استثمارية.. وحسب وصف الإدارة الجديدة، يعدّ الوضع المالي والاقتصادي من أكثر الملفات تعقيدًا، حيث واجهت حكومة تصريف الأعمال خلال الشهرين الماضيين إرثًا ثقيلًا من الدمار في البنى التحتية والفساد والبيروقراطية المعيقة لعمل أجهزة الدولة، ما دفعها إلى الإعلان عن إعادة هيكلة المؤسسات المالية والاقتصادية، مع التركيز على مكافحة الفساد، وجذب الاستثمارات والعمل على رفع العقوبات عن المركزي والبنوك السورية.
ورغم الأنباء عن تلقي البنك المركزي شحنة جديدة من الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا في محاولة لتخفيف أزمة السيولة التي تضغط على الاقتصاد السوري وتعوق عمل الشركات التجارية، كان البنك المركزي السوري كشف عن وصول مبالغ مالية من الليرات السورية من روسيا الاتحادية. ولفت مصرف سوريا المركزي في بيانه إلى أن «المبلغ الذي تم نقله من روسيا هو 300 مليار ليرة سورية فقط، ولا صحة للأنباء المتداولة حول أرقام أكبر». ويرى المركزي أن «المبلغ الذي وصل هو من حق سوريا والشعب السوري، وهو جزء من عقد موقع بين النظام المخلوع وروسيا، وكان يجب أن يصل قبل نهاية العام الماضي، كما ينص العقد على دفعة أخرى سيتم إرسالها في وقت لاحق قد تكون بمبلغ أكبر من المرسل حالياً».
حالة نادرة لسعر الصرف
ومع ظهور حالة سعر صرف الليرة السورية التي تعد نادرة إذ ينخفض سعر صرفها أمام الدولار في السوق الموازية مقارنة مع السوق الرسمية (سعر مصرف سوريا المركزي).
يبدو أن هذه الحالة ظهرت لأسباب تتعلق بالسيولة المالية أهمها نقص العرض من الليرة مقابل ارتفاع الطلب لاسيما مع عودة اللاجئين وزيادة الحوالات.. لكن ثمة طرح آخر يقف عنده بعض الخبراء لتفسير الحالة..
إذ يرى بعض المحللين أن المشكلة تكمن في تقنية طرح السيولة، ففي زمن النظام البائد كان القسم الأكبر من الصرفيات والنفقات يتم على أفرع الأمن والجيش وهي من تحصل على الحصة الكبرى من الأموال.
عمليات المضاربة
ويرى آخرون أن أحد أسباب نقص السيولة في السوق السورية عمليات المضاربة، فالكتلة النقدية متجمعة عند مكاتب الصرافة والمضاربين والتجار وغيرهم الذين يعتقدون أن الليرة التي بين أيديهم سترتفع قيمتها، ما حدا بهم إلى حيازتها. وثمة مجموعة من الناس تتخوف من تذبذب أسعار الصرف، فذهبوا إلى تخزين ما يملكون من الليرة السورية.
وثمة كميات من الليرة بيد رجالات النظام السابق الذين كانوا يتحكمون بمؤسسات الدولة.
الدولرة ..
حسب التقارير الاقتصادية يمكن حل أزمة السيولة عبر بعض الإجراءات كالدولرة.. (التعاملات بالدولار) الجزئية وهذا ما تم تداوله عبر مقترح صرف رواتب الموظفين بالدولار، أو أن يستخدم الدولار في المعاملات الاقتصادية الكبيرة، مثل الصفقات التجارية الضخمة وفي سوق العقارات، مع مراعاة أهمية بقاء التزام الدولة باستخدام الليرة في كل معاملاتها المالية، إضافة لحصر بيع المواد والسلع الأساسية مثل الخبز والمحروقات بالليرة.
ويحذر بعض المحللين من التوسع في استخدام الدولار لعدم التسبب في انهيار الليرة السورية.
طباعة الليرة بشروط ..
ويمكن اللجوء إلى إدخال سيولة من الليرة السورية عبر تيسير عملية الحصول على الطبعات الجديدة من الليرة.
ولاشك أن عملية الطباعة للتمويل بالعجز يشوبها بعض المخاطر التي قد ترفع من التضخم، لذلك من الأهمية توفر بعض الشروط قبل التوجه نحو الطباعة:
كأن تتوفر الثقة في الدولة والمطبعة التي سوف تطبع فيها العملة وتوفر تقنية عالية من الطباعة، لمنع عمليات التزوير.
أضف إلى ذلك الالتزام بالكمية المطلوبة من الطباعة، وحساب كلفة الطباعة، وكيفية تسديد قيمتها.
أجهزة الدفع الإلكتروني
ومن جملة المعاناة السورية والتحديات الفنية في تنفيذ العمليات البنكية؛ أن معظم المعاملات التجارية تنفذ بشكل تقليدي، بمعنى لا تنفذ عبر أجهزة الدفع الإلكترونية من خلال البطاقة البنكية، ما يدفع الناس للاحتفاظ بكميات كبيرة من الأموال لتلبية احتياجاتهم، ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على توفر السيولة في السوق.
ومن الحلول المقترحة تشجيع الدفع الإلكتروني، وتفعيل الحسابات الإلكترونية، وإيجاد آليات للدفع الإلكتروني وتشجيعه، وهو ما يساعد على تقليل استخدام العملة الورقية.
ومن شأن الدفع الإلكتروني أن يقلل من الضغط على النقد الورقي وتسهيل المعاملات المالية الرسمية لأن البنوك السورية بحاجة أولاً إلى إعادة هيكلة لتصبح قادرة على التعامل على الدفع الإلكتروني بشكل موسع.
تخزين الكتل النقدية
كما يفاقم أزمة السيولة.. انتشار شركات الصرافة المرخصة وغير المرخصة التي تعمل وتتيح المجال أمام تخزين كتل نقدية كبيرة، ما يتطلب سن قوانين تفرض غرامات كبيرة على المضاربين.
تحريك العجلة الاقتصادية
تعد الاستثمارات الأجنبية والمحلية أحد أهم الحلول التي تسهم في تحريك العجلة الاقتصادية للبلاد، وتخلق فرص العمل، وتُكسب الدولة إيرادات مالية.
ويؤكد الخبراء والاقتصاديون على أهمية طرح مشاريع للاستثمار أو الاكتتاب، سواء من قبل هيئات حكومية أو هيئات خاصة أو رجال أعمال موثوقين لديهم حسابات بنكية في مصارف حكومية، إذ إن طرح هذه المشاريع سيجمع الليرات السورية الموجودة لدى الناس ويعيدها للنظام المصرفي، ما يسمح باستخدامها من جديد.
أولويات الإنفاق
وتبقى أولويات الإنفاق العاجلة تأمين الرواتب والنفقات الجارية للمؤسسات وتحسين الخدمات والعمل على صيانة وإصلاح الطاقة بشكل فوري.. أضف ألى ذلك أن حوالى 18 مليون شخص يحتاجون مساعدات إنسانية وهذا يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وخاصة ضرورة رفع العقوبات عن سوريا والشروع بإعادة الإعمار.. والعمل على إنعاش الاقتصاد.. فنقص السيولة هو عارض من عوارض الأزمة الاقتصادية الحادة ولابد من دعم حقيقي وفاعل للنهوض بسوريا وسط تحديات كبيرةٍ خلّفتها سنوات الحرب المديدة من دمار واسع للبنية التحتية، وانهيار اقتصادي، ومستوى معيشي متدنٍ، إلى جانب تداعيات العقوبات الدولية التي تعوق أي محاولات جادّة لإعادة الإعمار.